في الذكرى الخامسة لاغتيال رفيق الحريري : شخصية التوافق اللبناني


في الرابع عشر من فبراير عام 2005 اغتيل رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري الذي شكل على مدى 13 عاما في الحياة السياسية اللبنانية نقطة ارتكاز لمشروع نهضوي لبناني يزيل اثار الحروب والصراعات المسلحة التي عصفت بلبنان . فالحريري الذي بدأحياته السياسية عمليا في لبنان اثناء تسلمه رئاسة السلطة التنفيذية في العام 1992 حمل مشروعا متكاملا في السياسة والاقتصاد , مستفيدا من التقاطعات الاقليمية والدولية في حمايته لتنفيذه فكانت شخصيته غير محصورة بالنطاق اللبناني المحلي فهو احيانا كنا نرى فيه شخصية على مدى العالم كله مؤمنا بان قوة لبنان بعلاقاته الدولية وبحسن الجوار مع سوريا مع التاكيد دائما على ان مصدر الخطر الحقيقي على لبنان اسرائيل .هذه الثوابت التي آمن بها الحريري اثارت الهواجس لدى الكثيرين الذين يتطلعون دائما على ابقاء لبنان مفتقر للشخصية الوطنية الجامعة لكي لايستطيع صناعة قرار وطني كان لبنان ومايزال اشد الحاجة اليه .فقد اغتيل الحريري في لحظة الاشتباك السياسي السوري الامريكي والذي كانت احدى تجلياته القرار 1559 الذي دعا الى انسحاب القوات السورية من لبنان وسحب سلاح المليشيات والمقصود به سلاح حزب الله فولد هذا الاشتباك اضطرابا سياسيا في لبنان وصل الى مستوى الانقسام الحاد مهددا وحدة البلاد ومسقبلها التي طالما حرص الحريري على حمايتها عبر تغليب منطق التسوية والتوافق الداخلي وفق القاعدة اللبنانية الذهبية لاغالب ولامغلوب . لاسيما وان اللبنانيين عرفوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري في اواخر الثمانينات من نافذة اتفاق الطائف الذي شكل تسوية بين الطوائف المتناحرة على النظام اللبناني فاعاد تشكيل حصتها في النظام وفق تفاهم على عدم اللعب بصيغة العيش المشترك. و مع ان الحريري قدم نفسه كزعيم سني الا انه حرص دائما ان يظهر في اطار الصورة اللبنانية الجامعة, فكان حلفاؤه خليطا من السنة والمسيحيين والشيعة وعمل على ابقاء الخيوط مشبوكة مع الجميع حتى في اشد اللحظات توترا مع خصومه, يطرز علاقاته على رقعة التنوع اللبناني السياسي والطائفي . ومن هنا حين نتحدث عن الرئيس رفيق الحريري في الذكرى الخامسة لاغتياله نرى مدى الخسارة التي لحقت بلبنان والتي من الصعوبة ان تعوض برجل اخر يمتلك كل هذه المزايا . و من الطبيعي ان يؤدي غياب شخصية الحريري عن الساحة الى انفجارها سياسيا ودخول لبنان في النفق المظلم, و الى عودة شبح الحرب الاهلية يخيم على لبنان والتي كادت احداث 7 مايو 2008 ان تشعل دورتها المدمرة من جديد لاسيما وان البلاد كانت تعيش فراغا سياسيا على مستوى كرسي الرئاسة التي شغرت ستة اشهر وفي ظل حكومة مقاطعة من فريق يطعن بشرعيتها . ووجد اللبنانيون مرة اخرى انفسهم مضطرين للقاء والتلاقي لكي لا يضيع لبنان , فاجتمعوا في مايو 2008 في الدوحة واتفقوا على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة والاتفاق على قانون انتخابي نيابي . وقد نجح اتفاق الدوحة في تبريد الساحة الداخلية الى حد ما الا انه لم ينزع فتيل انفجارها مرة اخرى ببقاء الخلاف على سلاح حزب الله موجودا ومناقشته عبر مايسمى بالاسترتيجية الدفاعية والذي قذف به الى طاولة الحوار التي عقدت قبل حرب يوليو 2006 وبعد اتفاق الدوحة ومن ثم علقت دون اي اعلان في اشارة الى فشلها . ولم تستطع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري نجل الرئيس الشهيد في ترسيخ اتفاق لبناني لبناني حول القضايا الوطنية الخلافية وهو مايعني بقاء بذور انفجار التفاهم المرحلي موجودة وقادرة على تعطيله في اي لحظة خصوصا وان شريحة واسعة من اللبنانيين ماتزال ترى ضرورة امساك الدولة بقرار السلم والحرب . كما ان اللبنانيين غير قادرين حتى الان على ارساء صيغة للتوافق السياسي تعيد الاوضاع الى ماكانت عليه من استقرار وهدوء داخلي في التسعينييات من القرن الماضي . وقد يقول قائل ان مصدر الاستقرار كان التوافق الامريكي السوري في لبنان وهذا صحيح لكن ايضا كانت بصمات رفيق الحريري واضحة في نسج توافق لبناني لبناني حول اي لبنان نريد ؟

* كاتب لبناني

تعليقات: