الحبّ من منظور إسلامي

الحبُّ هو إحساس وشعور نفسي ووجداني، ينجذب به القلب تجاه المحبوب بحماسة وعاطفة جياشة
الحبُّ هو إحساس وشعور نفسي ووجداني، ينجذب به القلب تجاه المحبوب بحماسة وعاطفة جياشة


تعريف الحبّ:

الحبُّ من أسمى العواطف الإنسانية، وأرقى الغرائز التي جبلت عليها الفطرة البشرية، وهو إحساس وشعور نفسي ووجداني، ينجذب به القلب تجاه المحبوب بحماسة وعاطفة جياشة.

يقول الفيلسوف: الحبُّ ميلٌ طبيعي إلى المحبوب الملائم، ويقول الاجتماعي: الحبُّ صلة نفسانية متبادلة بين أليفين ورابطة متعادلة بين قلبين، ويقول العارف: الحبُّ قوةٌ خفية تصير المعشوق جزءاً من العاشق. وقد تحيلهما شيئاً واحداً لا يقبل التجزئة. ويقول الأديب: الحبُّ إشراقةُ الروح على الروح ومصافحة القلب مع القلب.

اختلف المفكرون والفلاسفة في تعريف الحب ومما ورد على ألسنتهم :

رؤية الحبيب جلاء العين (الإمام علي (ع))

ما أقوى الحب ، فهو يجعل من الوحش إنساناً ، وحيناً يجعل الإنسان وحشاً (شكسبير) .

الحبُّ أقوى العواطف لأنه أكثرها تركيباً (سبنسر) .

الحبُّ هو الدموع ، أن تبكي يعني أنك تحبّ (سانت بوف).

الحبُّ دمعة وابتسامة (جبران)

ما الحبُّ إلا جنون (شكسبير)

الحبُّ سعادة ترتعش (جبران)

وقد اهتمت الصحف الإنجليزية بمقال كتبه طالب في المدرسة الثانوية عن الحب وبعث به إلى (الصنداي تايمز) التي اهتمت بنشره ، وقالت إنّه من أفضل ما كتب عن الحبِّ عفويةً بساطة .

يقول الطالب الشاب : إنَّ الحب شعور يجعل شخصين معينين يعتقدان أنهما جميلان ، حتى ولو كانا غير ذلك ، أو حتى ولو ظنَّ الجميع أنهما ليسا كذلك . إنه الشعور الذي يجعلهما يجلسان على مقعد خشبي واحد وهناك عشرات من المقاعد في الحديقة، ويجعلهما يتحدثان بضع ساعات في لا شيء ويجعلهما يسيران تحت ثلوج الشتاء المنهمرة دون أن يشعرا بالبرد ، ويجعلهما يستمتعان بساندويتش من الجبن وهما معا ، رغم أن في إمكان كل منهما أن يأكل وجبة دسمة لو ذهب كل منهما إلى منزله . ويختتم الشاب الصغير مقاله بقوله : هذا ما أعرفه عن الحبَّ حتى أكبر وحتى أتزوج. "

موقف الإسلام من الحبّ :

الإسلام هو شريعة السماء التي أنزلت على رسول الرحمة محمد (ص) وهو دين يحاكي فطرة الإنسان وينطلق في تشريعاته وأحكامه مع ما يتناسب والفطرة أو الجبلّة التي جبل عليها ، وعليه فهو يعترف بكيانية الإنسان ويتبنّى احتياجاته ، كذلك فهو يعترف بما أودع فيه من مشاعر وأحاسيس اتجاه نفسه واتجاه غيره ، ولذلك فإنّ الحبّ شعور فطري تكويني بنظر الإسلام، بل هو أكثر من ذلك فهو يمثل الدافع نحو الخير والإحسان والتضحية والإيثار والفداء ، وهو يمثل خلاصة النبل الإنساني في مختلف أشكاله واتجاهاته ، ولا غرو أن نعتبر الإسلام بكلّه رسالة حبّ أرسلها الله لمخلوقه الإنسان عبر حبيبه النبي محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين وأصحابه المنتجبين ، نعم فالقرآن الكريم هو كتاب هداية ومحبة وعندما نطالع آياته نجد أنَّ كلمة الحبّ تكررت في كثير من السور والآيات ، فقد أحصيت تكراراً لكلمة الحب في أكثر من عشرين آية كريمة أذكر البعض منها على سبيل الإستئناس :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة54.

{بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }آل عمران76.

{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران134.

إنَّ الحبَّ الذي يتبنّاه الإسلام هو الحبُّ بمفهومه الكلي الذي ينطلق من حبِّ الإنسان لربِّه وحب ِّ الإنسان لنفسه ، وحبِّ الإنسان لوالديه ، وحبِّ الإنسان لأولاده ، وحبِّ الإنسان لزوجه ، وحبَّ الإنسان لأخيه الإنسان .

لقد أراد الله لك أن تعيش الحبّ لأنه بالحب وحده تنفذ إلى قلب الأخر وروحه ، ولا بدّ لك حين تحبّ أن تعبرّ عن حبك للأخر أولا ، لأنَّ لكلمة الحبِّ وقعها الأخّاذ في وجدان المحبوب ، ولقد شبّه القرآن الكريم الكلمة الطيبة التي هي كلمة الحب بالشجرة الطيبة حيث يقول تعالى :

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء{24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ{25} سورة الجنّ.

ولعلّ أجمل ما قرأت في التعبير عن الحبّ قول الإمام الصادق (ع) :" قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها ابدا ." ولهذا الحديث دلالته الواضحة على ضرورة التعبير عن الحب وأن لا يكتفي المحبُّ باختزان المشاعر بداخله ، أو أن يعبّر من خلال بعض اللوازم والإشارات عن حبه ، والتي يمكن أن لا تصل بوضوح إلى محبوبه فيشعره بالجفاء أو الخيبة ، وفي الحقيقة ومن خلال عملي الإجتماعي وملامستي لقضايا الناس ومشاكلهم فقد اكتشفت أنَّ ضعف التعبيرعن الحب سببٌ رئيسي في كثير من المشاكل الزوجية ، فلطالما جاءتني بعض النساء شاكيات باكيات تندبن حظوظهن لأنهن ابتلين بأزواج لا يجيدون التعبير عن مشاعرهم ، أو لا يعرفون لغة الرومانسية أو لم يتناه لأذهانهم أنَّ الطريق إلى قلب المرأة يمرُّ من أذنيها , وفي المقابل التقيت برجال كثيرين يشكون من زوجات لا يعرفن سوى لغة السؤال والطلب، أو أنّ بعضهن يتنكرن لمشاعر الرجل وحاجته إلى العاطفة والحبّ ويعتبرن أنّ الطريق إلى قلب الرجل يمرُ من معدته !. وقد غاب عن هؤلاء قول المسيح عليه السلام :" ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ."

ثم أنّ التعبير عن الحب لا بد أن يتجاوز حدّه اللفظي إلى مرحلة التعبير الفعلي الذي ينعكس على سلوك المحبّ اتجاه حبيبه ، ففي حبّ الإنسان لربّه نرى أنَّ أجمل مظاهر الحب وتجلياته تكمن في الإنقياد والطاعة والعبودية المطلقة وقد قيل في ذلك :

تعصي الإله وأنت تظهر حبّه هذا لعمري في الفعال بديع

لو كان حبّك صادقا لأطعته إنَّ المحبّ لمن أحبَّ مطيع

وفي حبّ الإنسان لقائده وإمامه يكون الإلتزام والطاعة ترجمان هذا الحب حتى لو كان التكليف صعبا وما أروع هذا الحب الذي يجسّده ذلك الرجل الأسود حيث يروي الأصبغ بن نباته :" كنت جالساُ عند أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام في مسجد الكوفة وهو يقضي بين الناس اذ جاءت جماعة ومعهم رجل أسود مشدود الأكتاف فقالوا : هذا سارق يا أمير المؤمنين، فقال (ع) : يا هذا أسرقت ؟ قال نعم يا أمير المؤمنين، قال (ع) له : ثكلتك أمك إن قلتها ثانية قطعت يدك قال : نعم يا مولاي ، قال (ع) : ويلك انظر ماذا تقول أسرقت، قال : نعم ، فعند ذلك قال أمير المؤمنين (ع) : اقطعوا يده فقد وجب عليه القطع، قال فقطع يمينه فأخذها بشماله وهي تقطر دماً وخرج من المسجد فاستقبله رجل يقال له ابن الكواء فقال يا أسود من قطع يمينك؟ قال: قطع يميني سيد الوصيين وقائد الغر المحجلين وأولى الناس بالمؤمنين ويعسوب الدين وقبلة العارفين وعلم الراشدين فارس بدر وحنين وأبو الغرّ الميامين وخليفة رسول ربِّ العالمين ، فعند ذلك قال له ابن الكواء : ويلك يا أسود قطع يمينك وأنت تثني عليه هذا الثناء كله ! قال ومالي لا أثني عليه وقد خالط حبّه لحمي ودمي، والله ما قطع يميني الا بحق أوجبه الله تعالى عليّ .

وهكذا في حبِّ الأبناء لآبائهم والذي يجب أن ينعكس إحساناً ووفاء وامتثالاً لقول الله عزّ وجل :

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }الإسراء23.

إنَّ مقتضى الحب للوالدين أن نبادل إحسانهم بإحسان وحبهم وعطفهم بحبٍّ وعطف ، وقد استوقفتني في هذا المجال قصةٌ معبرةٌ لعلّها تكون موعظة للذين يعيشون العقوق لوالديهم في الوقت الذي يدّعون الحبَّ والوفاء لهم : " كان هناك أب في ال 85 من عمره وابنه في ال 45 وكانا في غرفة المعيشة وإذ بغرابٍ يطير بالقرب من النافذة ويصيح فسأل الأب إبنه :

الأبّ: ما هذا ؟

الابن: غراب

وبعد دقائق عاد الأبّ وسأل للمرة الثانية :

الأب: ما هذا؟

الابن بإستغراب : إنه غراب!!

ودقائق أخرى عاد الأب وسأل للمرة الثالثة :

الأب: ما هذا؟

الابن وقد ارتفع صوته: إنّه غراب غراب يا أبي!!!

ودقائق أخرى عاد الأب وسأل للمرة الرابعة :

الأب: ما هذا؟

فلم يحتمل الابن هذا واشتاط غضباً وارتفع صوته أكثر وقال: مالك تعيد عليّ نفس السؤال فقد قلت لك إنّه غراب هل هذا صعب عليك فهمه؟

عندئذ قام الأب وذهب لغرفته ثم عاد بعد دقائق ومعه بعض أوراق شبه ممزقة وقديمة من مذكراته اليومية ثم أعطاها لإبنه وقال له : اقرأها !

بدأ الابن يقرأ : اليوم أكمل إبني 3 سنوات وها هو يمرح ويركض من هنا وهناك وإذ بغرابٍ يصيح في الحديقة ، فسألني ابني ماهذا ؟ فقلت له : إنه غراب، وعاد وسألني نفس السؤال ل 23 مرة وأنا أجبته ل 23 مرة، فحضنته وقبلته وضحكنا معاً حتى تعب فحملته وذهبنا فجلسنا."

ويصل بنا المطاف لنتكلم عن حبّ الزوجين الذي يجب أن يترجم عطاء وتضحية وإيثاراً ، وأن يعيش كلُّ واحد منهما الرحمة والإنسانية اتجاه الأخر ، وأن يتفانى كلُّ منهما في سبيل إسعاد الأخر وإدخال الفرح إلى قلبه والسكينة إلى روحه ، و بهذا يتحوّل البيت الزوجي إلى جنّة غنّاء ، ويعبر الحب عن ذاته بنقاوة وصفاء ، وعندها تكون كلُّ الأيام عيداً لهذا الحب المتأصّل والمتجدّد ، وتتحقق المودة والسكنى التي جعلها الله أساساً للعلاقة بين الزوجين .

إنَّ الله تعالى هو المحبُّ الودود وقد أراد لنا أن نعيش طهر الحبِّ ونقاوته ، الحبُّ الذي يعكس جمال إنساننا وطهارة فطرتنا ، الحبُّ الذي يجد له مسرحاً للعطاء ، كفّاً تمسح الدموع وتخفف الآلام ، ويداً تغرس الخير ، وبيتاً يوحّد قلبين وروحين متآلفين .

هذا هو الحبُّ الذي يراه الإسلام لائقاً بالإنسان ...

الشيخ محمد قانصو

* كاتب وباحث لبناني

Ch.m.kanso@hotmail.com

موضوع حول بيع الأزهار في الخيام

تعليقات: