سكان القرى الحدودية بين هاجس الحرب ومعادلات خطاب نصرالله Video +

بلدة المطلة المحتلة
بلدة المطلة المحتلة


يعيش سكّان القرى الجنوبية الحدودية هاجس الحرب، إذ لا يكاد يمرّ يوم من دون تصريح من هنا أو تهديد من هناك يعيدان الى الأذهان أجواء عدوان تمّوز 2006 المؤلمة، وما سبقها من معاناة لأكثر من عشرين عاما. وخلال الأسابيع الماضية تصاعدت حدّة التوّتر الكلامي والتهديدات بين الجانب الاسرائيلي من جهة والأطراف الاقليمية من جهة أخرى، فانعكست أجواء سلبية جداً في المنطقة الحدودية، الا أن خطاب الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله كان له الوقع "السحري" على أبناء طائفته إذ شدّ من إزرهم ورفع معنوياتهم الى درجة اقتناعهم التام أنّهم الغالبون حتماً وأن اسرائيل الى زوال، حتماً أيضاً... ردّة فعل المواطنين الجنوبيين على خطاب السيد نصرالله الأخير، الذي كرّس فيه معادلات سياسية وأمنية، بثّت الطمأنينة في نفوس كثيرين ممّن كانوا بدأوا يتخوّفون من حرب مقبلة قريبة جداً، علماً ان سكان القرى الحدودية يعيشون قلق توتّر الوضع الأمني منذ ولادتهم في هذه المنطقة "غير المستقرة" نسبياً كونها مجاورة لاسرائيل، وتشكّل المدخل الطبيعي لأي توتّر أو عدوان أو حرب. والمفارقة في الأمر أن جو الارتياح الذي يسود القرى الشيعية لا ينسحب بالضرورة على القرى المسيحية، حيث تتناقض الآراء بين احتمالات الحرب وعدمها.

معنويات مرتفعة

في كفركلا، حيث تبدو حركة المواطنين عادية جداً، واندفاعة العمران ناشطة، يؤكّد أبناء البلدة أنّهم اعتادوا التهديدات الاسرائيلية وحديث الحرب ليس بالأمر الجديد عليهم، الا أنّهم يجاهرون بصمودهم ومواجهتهم لاسرائيل مهما بلغت التضحيات. ويشير معظمهم الى أن الحال العامة، بعد خطاب السيّد نصرالله، تختلف كثيراً عمّا كانت عليه قبله. فالوضع الاقتصادي الذي اعتراه بعض التردّد نتيجة التهديدات الاسرائيلية عاد وانتعش مجدّداً، والناس مطمئنون، ليس فقط الى عدم حصول حرب، بل الى النصر المؤكّد في حال حصولها.

وعلى بعد أمتار من بوّابة فاطمة حيث اجتمع عدد من المواطنين حول طاولة الزهر، يبدو جلياً عدم اكتراثهم بالتهديدات الاسرائيلية. وفي هذا الاطار ردّ حسّان برّو عن جو البلدة قائلاً: "الخوف يسيطر على الاسرائيليين أكثر منّا، أما هنا فالناس يعيشون حياة طبييعة بدليل أن حركة العمران ناشطة جدّا". وأردف: "حتى ولو وقعت الحرب فالمقاومة ستنتصر ونحن الغالبون دائماً". ويجاريه رفيقه علي حلاوي بالتأكيد أن السيّد طمأن المواطنين "ضربة بموازاة ضربة"، وقال: "اذا وقعت الحرب فسنواجهها شباباً وشيباً وبكل امكاناتنا".

وليس بعيدا من البوابة، في ساحة كفركلا، المشهد نفسه، معنويات مرتفعة وطمأنينة مصدرها كلام السيد. تقول ليلى سرحان: "اعتدنا التهديدات الاسرائيلية منذ 25 عاماً، لكننا اليوم مطمئنّون لأن خطاب السيّد فرض معادلات جديدة".

وفي بلدة عديسة، استبعد المواطن حمزة رمّال وقوع الحرب، لأنّ كل ما نُشر ليس سوى تصعيد كلامي للحصول على مكاسب معيّنة، وقال: "ليس بالضرورة أن تدّل تصريحات التهديد إلى نشوب الحرب، فحرب تمّوز عندما اندلعت لم نكن متحسّبين لها اطلاقاً". وذكر أنّ الناس كانوا متخوّفين بعض الشيء من احتمال الحرب، الا أنّ خطاب السيّد نصرالله أراحهم كثيراً، واستعادت الحركة الاقتصادية حيويتها كما كانت سابقاً.

واعتبر علي رحّال أنّ الامور اتضحت اليوم أكثر، فالحلول السياسية في مأزق، والاسرائيليون يحسبون ألف حساب قبل الاقدام على أيّ خطوة، لافتاً الى أن أي حرب جديدة ستكون شاملة وليس على غرار 2006، بمعنى أنّها ستحمل حتماً تغييراً ما، وتابع: "إذا أقدمت اسرائيل على أي خطوة جنونية فسيكون ذلك انتحارا لها". وذكر أن تصريحات رئيس الحكومة سعد الحريري ايجابية جدّاً لجهة التأكيد أنّ لبنان، شعباً ومقاومة وجيشاً، سيتصدّى لاسرائيل في حال اعتدائها على لبنان. وختم بالتأكيد أن المعادلة قد تغيّرت، وقال: "لم نعد النقطة الأضعف".

وفي الخيام، الشاهد الأبرز على عدوان تمّوز، يبدو واضحاً أن الحياة تعود الى طبيعتها من خلال حركة العمران. ووفق أحد أبناء البلدة أن معظم المنازل التي تهدّمت أُعيد ترميمها، وبرزت أخيراً حركة ناشطة لبناء المنازل الجديدة. لا يعيش أبناء الخيام هاجس وقوع حرب جديدة قد تهدّم منازلهم مرّة أخرى، وحتى في حال حصولها فإنّهم سيبنونها مرّة ثانية وثالثة، لأن السيّد في خطابه منحهم قوّة معنوية عالية. وهذا ما أكّده المواطن يوسف قاسم، الذي يعمل في ورش البناء، ردا على سؤال بقوله إن خطاب السيّد لم يطمئن الناس فقط الى عدم حصول حرب، بل جعلهم يعيشون من الآن سكرة النصر في حال حصولها.

وتشاطره رأيه رنا يوسف، المزيّنة النسائية، والتي تضرّر محلها خلال عدوان تمّوز، اذ تؤكّد متفائلة أن لا حرب قريبة، وقالت: "حتى ولو نشبت الحرب، فنحن لها". وأضافت: "السيّد وعدنا ونحن نثق به. قال لنا ان اسرائيل، حتى لو فكّرت في الأمر، فإنها ستحتاج الى وقت طويل". ولم تبدِ يوسف أي خشية حتى ولو خسرت محلّها مجدّدا لأن الإرادة قوية، وما تمّ اعماره مرّة يتمّ مرّة أخرى.

هذا الرأي المتفائل لا ينسحب على المواطنة زينب وهبي التي أبدت تخوّفها نتيجة الاجواء العامة التي رافقت التهديدات، اضافة الى الخروق الجوية الاسرائيلية اليومية.

ومشهد آخر في القرى المسيحية

لا تبدو صورة المشهد المتفائل عينها في القرى المسيحية المجاورة، رغم اقتناع العديد من المواطنين بأن الحرب غير وشيكة، الا أنّ التهديدات من الطرفين انعكست سلبا على الجو العام، لا سيما على الواقع الاقتصادي. ووفق المواطن الياس اللقيس، صاحب محل تجاري كبير في ابل السقي، إن التجّار في بيروت يحسبون ألف حساب لاستيراد بضائع بكمّيات كبيرة وتسويقها في الجنوب، وقال: "نعيش هذا الهاجس منذ العام 1978، لم نعد نخاف، لكنّ مصالحنا هي التي تتضرّر". وأشار اللقيس الى أن الجميع يحسب لأمر مهمّ، وهو أن أي حرب جديدة ستكون مدمّرة، لذا يقول البعض أنّه اذا تسنّى لهم الوقت للهرب، فسيغادرون البلاد لأن أي منطقة فيها لن تكون في مأمن هذه المرّة. وختم: "حتى ولو لم تنشب الحرب، فإنّ أي تصريح سياسي عالي اللهجة يؤثّر سلباً في الوضع الاقتصادي".

وفي مرجعيون والقليعة يحتلّ هاجس الحرب حيّزاً مهمّاً من أحاديث المواطنين، لا سيما أن مشاهد تمّوز لا تزال حاضرة في أذهانهم. آراء متناقضة من احتمال نشوب الحرب، الا أن الأكيد والمتوافق عليه أن مثل هذه الأجواء تؤثّر على الوضع العام اجتماعياً واقتصادياً. ويشير بعضهم الى أن أكثر ما يقلقهم هو غياب أي خطّة طوارئ من المفترض أن تضعها الدولة تحسّباً لأي تطورات مفاجئة.

ولفتت المواطنة نسرين الحاج، صاحبة محل تجاري، إلى أن التهديدات الأخيرة أثّرت بشكل كبير في الناس، لا سيما انّهم لم ينسوا بعد مشاهد حرب تمّوز، مشيرة الى أن الوضع الاقتصادي يمر بمرحلة ركود نتيجة لهذا الوضع.

وفي الاطار عينه يتحدّث مختار بلدة القليعة جوزيف سلامه، مؤكّداً أنّه شخصياً لا يرى أي بوادر للحرب، الا أن أبناء المنطقة يعيشون قلقاً دائماً.

وذكر احد المواطنين - رفض ذكر اسمه - أن بعض الناس يتعلّقون بما يقوله المنجّمون عن الحرب، فهل يصدقون؟

" class="blue">

تقرير مصور لعلي شعيب - تلفزيون المنار- يعكس آراء سكان الخيام وكفركلا من سلاح المقاومة

تعليقات: