وليد جنبلاط و\"روليت الاستدارة

الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط
الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط


دائما تخطف شخصية الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط الضوء حين يكون مخطوفا في مكان اخر ,حير جنبلاط عتاة السياسة في لبنان فهم لايستطيعوا تفسير حركته السياسية الخاضعة دائما لاعتبارات وحسابات لديه يفسرها بانها خصوصيات وعلى الاخرين فهم خصوصياته وخصوصية الجبل الدرزي الذي يتزعمه . في احدى التعليقات الكاريكتارية التلفزيونية اللبنانية يظهر التعليق ان الثعلب احتار في تحديد موقع التائب جنبلاط الذي يثير دائما القلق في صفوف حلفائه من ان ينقلب يوما عليهم ويدب الطمانينة في صفوف خصومه من انه يوما ما سينتقل الى ضفتهم . فجر جنبلاط في الثاني من اغسطس الماضي قنبلة سياسية في الجمعية العمومية للحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه بقوله ان تحالفه مع قوى 14 مارس كان تحالف الضرورة وانه يجب ان لايستمر , اثلج صدور خصومه من قوى 8 مارس وناموا على حريري ان الاكثرية النيابية التي تشكلها قوى 14 مارس قد "فرطت" وانهارت , فيما انزعج حلفاؤه منه وقالوا فعلها جنبلاط . لكن الزعيم الدرزي قال ومن على عتبة القصر الجمهوري لقد اسيء فهمي لم اخرج من 14 مارس ولن اتخلى عن الرئيس المكلف سعد الحريري ولم اتخل عنه , حاسما بذلك الكلام بانه انضم الى الاقلية . فشخصية وليد جنبلاط هي الأكثر جدلا في الوسط السياسي اللبناني، تثير الزوابع السياسية باستمرار . واذا عدنا الى الماضي القريب فهو متهم بانه فجر مؤتمر الحوار الوطني في العام 2006 بسبب تصريحاته الهجومية العنيفة في واشنطن على حزب الله وسوريا وطلبه التدخل الامريكي المباشر لانقاذ لبنان من الواقع الذي يعيشه مع اعلانه بعد فترة انه انه يتمنى ان يكون زبالا في نيويورك اي عامل تنظيفات ولا يكون قائدا سياسيا في لبنان. وبشجاعة قلما يمتلكها قائد سياسي يعترف الزعيم الرزي فيما بعد انه اخطأ عندما طلب من الامريكيين تغيير النظام السوري لان المحاولة فشلت لابل يعتبر ان لقاءاته في واشنطن مع المحافظين الجدد "ادارة جورج بوش" كما اسماهم تمثل نقطة سوداء في تاريخه لان هؤلاء يحيكون المؤامرات على العروبة وفلسطين . هل هذه التصريحات هي عودة الابن الضال ,رئيس مجلس النواب اللبناني الصديق اللدود لوليد جنبلاط يقول ان جنبلاط لايضيع البوصلة دائما وابدا يبقى على موقفه الوطني . وجنبلاط ايضا هو البوصلة التي تحدد اتجاه الأوضاع في هذا البلد الصغير الذي يحتل في الخريطة الجيوسياسية موقعا هاما، حتى ان البعض يقول راقبوا جنبلاط وبعد ذلك حددوا خياراتكم. والزعيم الدرزي جنبلاط دخل السياسة بعد اغتيال والده الشهيد كمال جنبلاط رئيس الحركة الوطنية اللبنانية في عام 1977 ووجهت اصابع الاتهام الى سوريا ، لكن وليد لم يدر ظهره سوريا لانه يدرك مدى اهمية العامل والعمق السوري في لبنان ويعترف جنبلاط في مقابلة تلفزيونية العام 2006 انه تناول طعام الغداء مع اثنين من الذين اشتركوا في قتل والده ومع انه قال اسامح قاتليه الاانه لم ينس وسيبقى ذلك في ذاكرته متطلعا دائما الى الامام وفق ما تقتضيه المصلحة اللبنانية. ويقول ذهبت الى دمشق مرات عدة والتقيت الرئيس السوري حافظ الاسد ولم تكن دماء والدي قد جفت بعد ومع اشدت بقيادة الرئيس الاسد وعقدت معه حلفا استراتيجيا لمواجهة الهجمة الاسرائيلية على لبنان واشاد في عام 1982 حين اجتاحت اسرائيل لبنان بشجاعة الجيش العربي السوري في مواجهة الاحتلال. ونزل الى احدى مناطق العاصمة بيروت لحظة خروج الفلسطينيين من لبنان عام 1982 مودعا ياسر عرفات وممتشقا بندقية رشاشة اطلق منها عيارات نارية تحية للفلسطينيين وجاهر جنبلاط بان اسرائيل عدوة لكنه لم يطلق عليها رصاصة واحدة، لا بل التقى وزير الخارجية الاسرائيلية شمعون بيريز في المختارة عام 1982 بعدما باغته الوزير الاسرائيلي في عقر داره كما يقول وبرر ذلك بان هناك معرفة فيما بينهما من عضوية الاشتراكية الدولية. وخاض جنبلاط في العام 1984حربا ضروسا مع المسيحيين والقوات اللبنانية المسيحية في جبل لبنان واخرج سمير جعجع حليفه الآن تحت لافتة الصليب الاحمر الدولي من بلدة دير القمر القريبة من المختارة في جبل لبنان كما اخرج جنبلاط جعجع من منطقة اقليم الخروب القريبة وتعاون جنبلاط مع الفلسطينيين العائدين الى بيروت بمساعدته من خلال فتح طريق جبل لبنان امامهم الى العاصمة بيروت. وتحالف جنبلاط مع الزعيم الشيعي نبيه بري في بيروت والجبل عام 1984 لكنه بعد سنوات قليلة انقلب هذا التحالف الى حرب بين الاخوة الاعداء في بيروت العاصمة ليوقع بعد ذلك اتفاقا ثلاثيا مع نبيه بري وايلي حبيقة رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية المسيحية برعاية سورية لكن هذا الاتفاق لم يصمد تحت وطأة الضغوطات المحلية والاقليمية واندلعت بعد دلك حرب بين جنبلاط وبري ادت في العام 1987 االى دخول القوات السورية مجددا الى بيروت بعد رحيلها عنها في عام 1982.وبعد اتفاق الطائف في عام 1989 كرس جنبلاط نفسه واحدا من القادة اللبنانيين مشاركا في الحكومة والبرلمان وتعزز حضوره السياسي بتعزيز علاقاته مع اركان في النظام السوري امثال عبد الحليم خدام واللواء حكمت الشهابي ورئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية آنذاك العميد غازي كنعان، وبرز نجم جنبلاط اكثر حين اقام علاقة تحالفية مع الرئيس رفيق الحريري لكن جنبلاط حليف الحريري لم يكن حليفا ثابتا حيث كان غالبا ما يلتقي الرئيس الحريري وعندما يخرج من اللقاء ينتقده. ووصل الامر في فترة من الفترات الى طعن جنبلاط بوطنية الحريري حين كشف ان الحريري اشترى قطعة ارض في القريعة في الشوف جبل لبنان لتوطين الفلسطينيين عليها وساءت العلاقات بين الرجلين وشن جنبلاط هجوما عنيفا على الحريري وعلى مشروعه المشبوه كما قال في اعادة اعمار لبنان. لكن هذا الخلاف لم يدم حيث عاد جنبلاط ممتدحا الحريري لدوره في اعمار لبنان وبقيت الامور مدار خلاف وتوافق الى عام 1998 حين انتخب الرئيس اميل لحود رئيسا للجمهورية وبدأ نفوذ الفريق السوري المتحالف معه جنبلاط يخف وصولا الى عام 2000 حين انتخب الرئيس بشار الاسد خلفا لوالده الراحل حافظ الاسد واجرى الاسد الابن تغييرات في المسؤولين عن الملف اللبناني وعزز علاقاته مع الرئيس لحود على حساب العلاقة مع جنبلاط والحريري وهنا بدأ جنبلاط يخرج عن الفلك السوري حين تماشى مع دعوة مجلس المطارنة الموارنة لانسحاب القوات السورية من لبنان بعد تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي ودعا جنبلاط القوات السورية الى اعادة انتشار جديدة واقامة قواعد عسكرية محددة في لبنان وهنا بدأ الطلاق مع سوريا وتعمق اكثر واكثر مع دعوته القوات السورية للانسحاب الشامل من لبنان ووقف تدخل المخابرات السورية فيه وارتفع صوت جنبلاط المعارض لسوريا بعد التمديد للرئيس اميل لحود ومحاولة اغتيال مروان حمادة وبدأ جنبلاط اقرب الى الصف المسيحي لا بل الصدامي في الدعوة الى فك الارتباط مع سوريا ولم يتوقف الامر عند هذا الحد وانما وصل الى الانقلاب على حليفه حزب الله من خلال التشكيك بسلاحه وجدوى مقاومته وأعلن ألا حاجة بعد اليوم للمقاومة طالما مزارع شبعا ليست لبنانية وبلغ الاصطفاف السياسي في لبنان حدا خطيرا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري حيث تحول جنبلاط الى راس حربة لقوى 14 مارس ضد حزب الله وتحديدا امينه العام حسن نصرالله الذي كانت تربطه به علاقة صداقة متينة وصلت الى حدود كشف الاسرار في عمل المقاومة وهذا ما ازعج نصرالله لان جنبلاط لم يحفظ في احيان كثيرة امانات المجالس , لكن جنبلاط هو اول من اعترف بنصر حزب الله على اسرائيل في العام 2006 ويبع الاعتراف بسؤال "خبيث" الى من سيهدي النصر حسن نصرالله في حركة ذكية لتصوير عدم لبنانية حزب الله . وجنبلاط هو مدبر والمحرض على قرار حكومة السنيورة في 5 مايو 2008 حين اتهم حزب الله بالتجسس عبر كاميرة مسلطة على المدرج 17 في مطار بيروت والمخصص للشخصيات وامتلاكه شبكة اتصالات خاصة وذهب الى ابعد من ذلك باتهام الحزب بمحاولة اغتياله من وراء هذا لعمل وحث حكومة السنيورة على اتخاذ قرارات جدية في هذا المجال فعمدت الحكومة الى اعتبار شبكة اتصالات حزب الله غير شرعية وطالبت بنزعها ومحاكمة المسؤولين عنها واجرت تغييرات امنية في مطار بيروت . وكانت ردة فعل حزب الله على ذلك احداث 7 مايو بالسيطرة عسكريا على بيروت . ولكن جنبلاط المحرض على قرارات 5 مايو سارع الى حث الحكومة الى التراجع عن قراراتها مع تهديده بالاستقالة ان لم تفعل . كما سارع الى تحييد الجبل الدرزي بتفويض خصمه الدرزي طلال ارسلان معالجة الامر مع حزب الله ,واستمر جنبلاط في الانقلاب على حلفاء الامس في قوى 14 مارس بالوقوف في الوسط كما قال لكنه مواقفه الجديدة تضعه في خانة 8 مارس اي المعارضة فهو عاد مدافعا شرسا عن سلاح حزب الله وعن غاسطين لابل عن سوريا التي اعتذر عن ماصدر عنه بحق رئيسها بشار الاسد في لحظة تخلي معبدا طريقه الى عاصمة الامويين ليقول للرئيس الاسد انا وليد جنبلاط استعدت البورصة بعدما اضعتها 5 سنوات . كثيرون يقولون ان جمبلاط يذهب الى دمشق كمهزوم وان زيارته لاعلان الهزيمة وتسليم الراية الى نجله تيمور فسياسة الاستدارة اصابته هذه المرة مقتلا بعدما اقفل كل طرق العودة وبات عليه تسليم سلاحه لكي لايرث نجله تيمور زعامة ضعيفة مصابة بالوهن . لكن اخرين يقولون ان جنبلاط خسر المعركة لكنه لن يوقع على شروط الاستسلام فهو يحاول قدر الامكان التكيف مع الواقع السياسي الجديد , وما بين الاثنين هل يبقى جنبلاط شخصية مثيرة للجدل في لبنان يتقن فن اخراج نفسه من الازمات ام انه وقع ب" روليت " الاستدارة .

حسين عبدالله - كاتب لبناني

تعليقات: