سوق واقف ··· قطري بإمتياز

تقليد احدى الشخصيات المعروفة من ربيع سوق واقف
تقليد احدى الشخصيات المعروفة من ربيع سوق واقف


بدعوةٍ من القيّمين على <ربيع سوق واقف> الذي يقام في كلّ عامٍ في العاصمة القطريّة الدّوحة، قُيِّض لي أن أزور هذه السّوق خلال مهرجانها الرّبيعيّ· ودون طول إنتظار، وبعد السّفر جوّاً إلى قطر، وصلنا السّوق نهاراً····

من المشاهدة الأولى؛ لا تستطيع إلاّ أن ترى الهندسة التاريخيّة للبناء المنتشر بشكلٍ منتظمٍ، فالمحال التجاريّة تنتشر في أرجاء السّوق محافظةً على جمال العمارة العربية المؤلّفة غالباً من الطّين والخشب الذي يزيّن أسقف المحلاّت التّجاريّة····

المقاصف والمطاعم والقهاوي القديمة تتربّع في السّوق أيضاً؛ أمّا رائحة البخّور والتّوابل فهي لا تزال تعمل فتجعلك تنظر هنا وهناك وههنا وإلى كلّ ظروف المكان···

هنا محلاّت بيع الأقمشة التّراثيّة بألوانها الزّاهية وبالقرب منها محلٌّ آخر فيه شتّى أنواع التّحف والصنانير والشّباك البحريّة القديمة؛ التي تسترعي الإنتباه، وتدفع بك للسؤال عن كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، كيف تستمع إلى صوت البحر من خلال أصداف بحجم كرة اليد، أو لؤلؤةٍ رائعة داخل صدفةٍ من عالم البحار··· وهنالك محلاّت المأكولات الشعبيّة التراثية؛ من المطبخ القطريّ إلى جلسة المناقيش بالصّعتر والطّلامي الشّاميّة، أفران وأفران للخبز الطّازج تسمع وأنت فيها زقزقة عصافير الدّنيا وأنواع من الطيور لم تعهدها من قبل·

هنا تجلس، ومن هنا تسير، هنا تنظر وتشتمّ عبق التاريخ··· كلّ ما في سوق واقف يرحّب بك ويقول <أهلاً وسهلاً> حتى الجدران ولافتات المحلاّت القديمة المتروكة عن عمد في مكانها وعليها أرقام تسجيلها التجاريّ ورقم هاتف وأسماء أصحابها، صور قديمة بالأبيض والأسود لأناسٍ مرّوا في السّوق أو ?متلكوا محلاّتٍ فيها···

كلّ شيءٍ في السّوق <قطريّ> بإمتياز؛ من مبنى الشّرطة حتى حجارة أرض السّوق إلى هديل الحمام الذي حينما يطير، لا يبتعد عن سماء السّوق؛ وكأنّه لا يريد الإبتعاد، ويريد أن يبقى فوق رؤوس زوّار السّوق الذين قدموا من جميع أنحاء المعمورة: <وبيدهم الحقّ>·

فالجمال والعراقة في كلّ مكان من زاوية البزوريّة، إلى الهندسة المعماريّة، ذات القناطر التي تحتضن مطاعم وفنادق تخبّئ في داخلها كلّ أسرار الماضي من الأريكة التي قد تجلس عليها، إلى السرير حيث تغفو قريباً من جلسات شعراء العرب، وحولهم إسطبل من الخيول الأصيلة الذي يلامس الدّرجة الأولى في العالم في تربية الخيول·

كلّ ما في السّوق يدعوك··· يقول لك أن تعال في المساء، فكلّ دول العالم ستكون هنا مساءً، وتُنشر نجوم الليل ويأتي المساء··· مساء سوق واقف باهر منذ اللحظة الأولى·

كلّ العالم··· كلّ البلدان تشارك··· من فرنسا وهولندا وسويسرا وإنكلترا وبلجيكا والدّنمارك ولبنان، كلٌّ يستعرض ما ملكت أيديه· كلّ شيء يسير حسب ما رتّب له القيّمون على ربيع سوق واقف، لم يتركوا صغيرةً أو كبيرة، إلاّ ووظّفوا لها ما يلزم لتأتي كاملةً متكاملةً، حسبوا لها ألف حساب وحساب···

إنّ شبيهي مشاهير العالم، كانوا هناك··· الملكة إليزابيت، ألفس برسلي، رونالدو، مستر بين، شوارزكوف، مارلين مونرو، شوماخر، الليدي ديانا، شتيفي ?راف، مايكل جاكسون، بافاروتي، دايفيد بيكهام، براد بيت، أنجيلينا جولي، رونالدينو، والسّماء تمطر عزفاً على طنابير أوروبا، والعرايس العملاقة، والغزلان، والأقزام، علبة الموسيقى، صندوق الفرجة، ديكة لبنان بمواويلها، وختيارها صاحب النّاي ذو اللّحن الرّائع، ومسرحيّة الملك آرثر الشهيرة· تتداخل البرامج المنمّقة والمنسّقة لتلامس أصغريك وأذنيك وعينيك اللّتين ترى بهما كلّ ذلك دمغةً واحدة، فتمتلئ نفسك إعجاباً فيخفق القلب فرحاً وتصفّق الكفّان، وتكاد تطلق زلغوطة لهذا العرس الثقافيّ التراثيّ الفريد، وتصل أن تفكر بما يمكن أن يكون وما يمكن أن ترى يطلع أمام ناظريك؛ السّيرك الإيطالي، الذي يكاد يكون الأقدم والأعرق في العالم، تفرك عينيك لتعرف في أيّ قرنٍ تعيش···

هذا السّيرك العجيبة؟ كيف أحضروه من إيطاليا إلى سوق واقف بعرباته القديمة وأسوده ونموره وجِماله وأهله وجياده المطهّمة التي تحرس السّوق من كلّ جنباتها··· يا الله!! ما هذا الجمال؟ والرّوعة؟! فمن قرب السّيرك القافلة، تنعكس أضواء آتية من الأبراج التي تجبرك على تسبيح الخالق الذي كرّس هذه العقول والأيدي لزرع مثل هذه الصّورة في دوحته على الأرض·

فألله! وألله!!! مثنىً وثُلاث ورُباع··· ما أحلى هواك يا دوحة العرب، وما أروع هذا الرّبيع في سوق واقف

··· لأوّل مرّةٍ أراني أزور كلّ بلدان العالم معاً في نفس الوقت ولأوّل مرّةٍ، أرى شرطيّاً جميلاً··· فأنا لم أرَ شرطيّاً جميلاً إلاّ في سوق واقف بل في كلّ الدّوحة···

رأيتك نهاراً ورأيتك ليلاً يا سوق واقف، ولا أعرف هل أنت أحلى وأجمل في النّهار أم في الليل ليتوطّن في بالي بنيانٌ صغير- كبير، قريباً من السّوق يهندس ويحرس ويصمّم ويتمشّى على شاطئ البحر، ويضيء الأنوار ويسيّر السّير ويرفع البنيان قبل أن يضع علم قطر يشمخ إلى الأعلى، ويرنو فوق كلّ الرّؤوس، يباركها ويطمئن مستقبلها ومستقبل أجيالها···




تعليقات: