«نستميحكم عذراً»... أيها الأموات

  لم يبق من ذكرى الحرب إلا المقابر التي تحمل ضحاياها
لم يبق من ذكرى الحرب إلا المقابر التي تحمل ضحاياها


«لكل الشهداء، والمعوقين، ومن استبيحت بيوتهم وأرزاقهم وذكرياتهم. نستميحهم عذراً». «هذا ليس إعلاناً. لكنه، نص اعتذارٍ تلته، أمس، الهيئة الوطنية لدعم الوحدة ورفض الاحتلال على أضرحة شهداء الحرب في ستة مدافن في بيروت

كرّت سبحة الاعتذارات. لم يعد أسعد الشفتري «التائب» الوحيد في حضرة ذكرى الثالث عشر من نيسان. ثمة تائبون كثيرون «تحمّسوا» للاعتذار عمّا فعلوه، أو ما فعلته أحزابهم، خلال الحرب العبثية. حملوا اعتذارهم ومشوا فيه بين القبور. لم يكن العدد كبيراً، لكن على الأقل كان كافياً من حيث التمثيل: حركة أمل، المرابطون، تجمع شباب بيروت، الاتحاد الاشتراكي العربي، جمعية المشاريع، اللقاء الوحدوي الإسلامي، منبر الوحدة الوطنية، حزب الله، ما كان اسمه حركة 6 شباط وأنصار الثورة...

ثمة من غاب عن النشاط. ربما أبى أن يعتذر أو أن الوقت لم يكن مناسباً. لكن، عموماً «كل من شارك في النشاط من دون استثناء قاتل في الحرب أو كان عضواً في حزبٍ شارك فيها»، يقول هادي بكداش، أحد المنسقين في الهيئة الوطنية لدعم الوحدة ورفض الاحتلال. وهي الهيئة التي نظمت النشاط تحت عنوان «نستميحكم عذراً».

مع ذلك، كان ثمة ما يجمعهم: انتماؤهم السابق لما كان يسمى «بيروت الغربية». اليوم، انتفت صفة «الغربية»، ولم يبق من ذكراها إلا المقابر التي تحمل ضحايا الحرب اللبنانية. وهي المقابر التي كانت، أمس، وجهة «المعتذرين»، طلباً للصفح.

المحطة الأولى للاعتذار بدأت عند مدافن الشهداء في قصقص. وردة بيضاء وكلمة اعتذار والرحمة. اكتفى الزائرون بهذا القدر. فهنا، لا مكان للاستعراض في حضرة الموت. في بيان الاعتذار، أطلق أمين سر الهيئة الوطنية أحمد مرعي «صرخة تدعو إلى رفض الاقتتال الداخلي».

لأن الحرب لم تخطف لبنانيين فقط، كانت الزيارة التالية لمقبرة الشهداء الفلسطينيين في شاتيلا. هناك، لم يعد المكان مفتوحاً لطالبي الصفح، فقد انضمّت إليهم بعض أمهات الشهداء. ساروا جميعاً نحو النصب التذكاري للحرب. وضعوا وردتهم البيضاء، ومن ثم تلا الكلمة ممثل حزب الله علي ضاهر، «الحركي السابق» في الحرب. توجه ضاهر بنداء إلى «اللبنانيين كي يتوحّدوا حول الأهداف الوطنية»، مطالباً «الأفرقاء السياسيين بأن يرحموا هذا الشعب وأن يتّعظوا من كل المآسي التي لحقت بلبنان». بعد ذلك، أفسح ضاهر المجال لمسؤولة بيت شاتيلا في جمعية أطفال الصمود جميلة شحادة. لم تأت شحادة لتعتذر، لكن «لتأكيد الحق بالعودة إلى فلسطين والحفاظ على الوحدة الوطنية في لبنان، فلسطينيين ولبنانيين».

كل 13 نيسان وأنتم تعتذرون. لكن أين المفقودون؟

إلى المحطة الثالثة. إلى روضة الشهيدين في الغبيري. على عكس ما كان يجري في المقبرتين السابقتين من اختيار عشوائي لأضرحة الشهداء، في الروضة كان العكس. فمنذ البداية، كان الهدف مقرراً: وردتان لأول شهيدين سقطا في الحرب اللبنانية، وهما الشقيقان مهدي ومصطفى محمود هاشم. والكلمة نفسها: «الوحدة الوطنية أولاً وأخيراً».

المحطة الرابعة عند مدافن مار متر. لم يكن كاهن رعية القديس ديميتريوس الأب ديمتري خوري على علم بالزائرين. قالوا له: «جايين لعندك ناس وبس». رغم ذلك، كانت الزيارة مفرحة للطرفين. ولشدة الفرحة، طلب أحدهم إعادة «القبلة بين الكاهن والشيخ حسن المصري»، لـ«تبيّن بالإعلام».

هنا، مدافن الشهداء. هذا ما تقوله اللافتة. كان يمكن أن توضع الوردة هنا، لكن عبارة «شهداؤنا لا يموتون» للقوات اللبنانية، غيرت المسار ووضعت الوردة على ضريحٍ قريب من المكان. أعاد الخوري والمصري الدعوة نفسها إلى الوحدة. بعد ذلك كانت المحطة الأخيرة في مدافن الموحدين الدروز. انتظر الوفد بعض الوقت، ريثما ينتهي البعض من زيارة مدافن الموارنة. لكن التأخير لم يكن ناتجاً من هذا فقط، إذ إن المسؤولين في دار الطائفة لم يكونوا على علم بالزيارة، فلم يتمكنوا من فتح مقبرة «شهداء الحرب». وبعد أخذ وردّ، وضعت الوردة على أحد القبور في الدار، على اعتبار أنه «وصلت الرسالة». انتهت الجولة ببيان «اعتذارات جماعية»... وكل 13 نيسان وأنتم تعتذرون. لكن أين المفقودون؟

تعليقات: