أين الشركة الحكومية لتشغيل الـ 50 ألف خط والكود 76؟

 الهبة الصينية في أيد أمينة
الهبة الصينية في أيد أمينة


نيسان 1995 موعد انطلاق خدمات الهاتف 03 ولاحقاً 70 و71..

نيسان 2010: أين الشركة الحكومية لتشغيل الـ 50 ألف خط والكود 76؟..

لم يكن الاعلان الرسمي عن وجود شبكة ثالثة للهاتف الخليوي في لبنان مفاجئاً لان الشبكة الصينية اخذت مكانها على خريطة الاتصالات اللاسلكية، منذ قبول مجلس الوزراء الهبة من احفاد ماو تسي تونغ بعد عدوان تموز 2006 وكان وزير الاتصالات السابق مروان حماده وقّع مذكرة التفاهم في العام 2007 مع الجانب الصيني لانشاء المشروع التجريبي لهذه الشبكة. وبالامس تسلم وزير الاتصالات شربل نحاس من السفير الصيني الهبة بعد اتمام المشروع، اما الكود الخاص بالشبكة الثالثة فسيكون 76، وفق ما علمت "النهار". علماً ان تجارب عدة اجريت على هذه الشبكة التي لا تزال بخطوطها الـ 50 الفاً رهينة المخرج القانوني المتعثر، وابرز تجلياته عدم انشاء شركة "ليبان تلكوم" رغم تجاوز مهلة الـ 6 اشهر التي اتفق عليها لانشاء هذا المرفق بعد شروع الهيئة الناظمة للاتصالات بعملها. في هذا التحقيق محاولة للإضاءة على تطور قطاع الاتصالات الخليوية في لبنان منذ مطلع التسعينات من القرن الفائت.

عندما افصح غراهام بل عن اختراعه (من دون الدخول في صحة او عدم صحة نسب هذا الإختراع اليه) لم يكن يعتقد ان وصفه مبدأ الكلام عبر الأسلاك سيشهد قفزات عدة تمثلت آخرها في نظام الـ GSM (GLOBAL SYSTEM MOBILE) مع الإشارة الى ان بعض اللبنانيين كانوا يفضلون اطلاق تسمية ال GMC على هذا النظام الجديد في مطلع العام 1995.

ولم يصل التقدم التقني الى نظام GSM دفعة واحدة، فبدأ من محطات القطار في المانيا، وصولاً الى الولايات المتحدة الأميركية وفي العام 1973 اضحت خدمة الخليوي عملياً في متناول المدنيين، وعرفها لبنان في مطلع التسعينات من القرن الفائت واقتصر عدد مستخدميها على بعض مئات من النافذين والسياسيين ورجال الأعمال، واحياناً الإعلاميين. وراوحت قيمة الإشتراك في هذه الخدمة من 1000 دولار الى 5000.

ولكن هذه الفترة الذهبية لهؤلاء المشتركين المحددين جداً لم تطل وتكفلت اعوام ثلاثة بفتح الباب على مصراعيه امام الراغبين بالفوز في هذه التقنية، لكن برسم بدأ من 500 دولار، اعتبر لاحقاً بدل تأمين يدفعه الزبون لشركة الإتصالات الخليوية.

الشبكة الثالثة

التائهة في القانون

دفع لبنان ضريبة عالية في مواجهته عدوان تموز في العام 2006، وعدا عن الخسائر البشرية مني الاقتصاد اللبناني بخسائر جسيمة طالت معظم المرافق الاقتصادية، ومنها مرفق الاتصالات. وبعد انتهاء العدوان مدت الدول الصديقة للبنان يد المساعدة، واختار كل منها تقديم الهبات للمساهمة في رفع اثاره وخصت الصين لبنان بهبة"خليوية" عندما قدمت شبكة اتصالات تتسع لـ 50 الف مشترك، اعلن عن تسلّمها رسمياً الاسبوع الفائت في وزارة الاتصالات والشبكة اعطيت وفق معلومات "النهار" الكود 76 بعدما ادخل كود الـ 70 و71 الى جانب الـ 03 كرمز للتخابر الخليوي في لبنان، كنتيجة حتمية لتوسيع الشبكة، لان الابقاء على الكود 03 يعني ان عدد المشتركين سيتوقف في احسن الاحوال عند 999999 مشترك، وبالتالي لا يمكن ان يتخطى عتبة المليون مشترك في الهاتف الخليوي. علماً انه وصل الى المليون لدى كل من الشركتين المشغلتين حالياً لهذا القطاع. اما الشركة الثالثة والتي من المفترض ان تنطلق وفي جعبتها الـ 50 الف خط صيني فلا تزال ولادتها اسيرة تنفيذ القوانين وخصوصاً قانون الاتصالات الذي ينص على إنشاء شركة "ليبان تلكوم" بعد مهلة 6 أشهر من تنظيم عمل الهيئة الناظمة للإتصالات، وهو الامر الذي لم يحدث حتى تاريخه، وبالتالي يبقى مصير الشركة الجديدة معلقاً، عدا عن الخلاف حول طائفة ومذهب المدير العام العتيد للشركة وما يستتبعه من بازارات ومحاصصات بات اللبنانيون معتادين عليها مع عدم تصديق معظمهم لـ "لازمة الكفاءة والجدارة والنزاهة" التي تعتمدها الحكومات في التعيينات الادارية.

اول نيسان 1995:

الخليوي حقيقة

انتظر اللبنانيون الأول من نيسان 1995 لكي يتسنى لهم الإستمتاع بخدمة الهاتف الخليوي بعد انتظار استمر شهوراً. ورغم دفع البعض رسم الـ 500 دولار على الغامض بعد مطلع 1995. لكن شركتي الخليوي عامذاك libancell و cellis تريثتا في اطلاق خدمة الإتصالات للجمهور المقتدر نظراً الى ارتفاع اسعار الأجهزة الخليوية وكذلك فرض رسم الـ 500 دولار، والذي تخطى في معظم الأحيان هذا المبلغ طمعاً ليس برقم مميز وحسب وانما لتشغيل الخط للزبون الكريم وهذه السمة طبعت المرحلة الأولى لـ "عهد النفط اللبناني" وغالباً ما كان الراغبون في الحصول على رقم خليوي يتوسطون المسؤولين السياسيين وغيرهم للإسراع في الشروع باجراء الإتصالات من ذلك الجهاز الغريب على الشعب اللبناني. وراوحت مدة الإنتظار من شهر الى ثلاثة اشهر، ما دفع بالشركتين الى البحث عن موظفين مقتدرين في قسم خدمة الزبائن يعملون ليل نهار على خلق الأعذار للزبائن بهدف اقناعهم بسبب تأخر تشغيل خطوطهم، مع التذكير بأن الإتصال بقسم خدمة الزبائن كان يتم من اجهزة الزبائن الخليوية التي لا تحتوي على simcard الجاهز للعمل. وعلى هامش هذه الخدمة كان بعض المتصلين بقسم خدمة الزبائن يستغربون عندما كان يرد على مكالماتهم موظفو الشركتين، وما ان يسمعوا صوت الفتاة الرقيق او صوت زميلها حتى كان صراخ الإستهجان: "علق الخط، في بنت عم تحكي معي". والفتاة كانت مهمتها في الأشهر الأولى ضرب المواعيد لبدء تشغيل الخط الخليوي وشرح الأمر للزبون في شكل لا يستطيع مناقشتها او مساءلتها بسبب كم المعلومات التقنية الجديدة عامذاك والتي كانت "تفرغها كأنها آلة تسجيل" على مسامع المتصلين.

وما ان اطل "يوم الكذب العالمي" في الأول من نيسان حتى انقلبت الصورة عند بعض المشتركين بخدمة الإتصالات الجديدة، وباتت مهمة الفتاة وزملائها اقناع المتصلين بدخولهم عالم الإتصالات الخليوية بعدم وجود التغطية في هذه المنطقة او تلك.

قصير: مستقبل الخليوي

غير مشرق

لم تغب التحليلات والتوقعات المتفائلة بمستقبل قطاع الاتصالات الخليوية عن ساحة البازار السياسي والتقني ومردوده المالي، الا ان الحديث عن الانجازات في هذا القطاع تزايد في العامين الاخيرين، ما اوحى بأن مرحلة مميزة سيشهدها لبنان على هذا الصعيد. لكن خبير الاتصالات المهندس عبدالله قصير يراوده شعور مغاير: "لن يكون مستقبل قطاع الاتصالات مشرقاً في لبنان اذا استمرت الحال على ما هي عليه، في ظل غياب خطة واضحة لمعرفة مدى حاجة السوق لاستيعاب العدد المطلوب من الخطوط الجديدة في السنوات الثلاث او الخمس المقبلة، لان ما انجزه الوزير السابق جبران باسيل، على سبيل الذكر لا الحصر، في تلبية حاجة السوق ورفع عدد المشتركين الى حدود المليونين في الشركتين فد استنفذ مع انتهاء ولايته في الوزارة، وبالتالي لا يمكن الاستمرار على هذا النحو ومن جهة ثانية يجب خفض تعرفة المخابرات الخليوية، لانه من غير المعقول ان تفوق كلفة الاتصال الخليوي داخل لبنان كلفة الاتصال الدولي من الشبكة العادية الى اوروبا او حتى بعض الدول الاميركية ".

مرحلة الانطلاق

و... شجونها الطريفة

ورافقت المرحلة الاولى لاطلاق خدمة الهاتف الخليوي في لبنان طرائف عدة، منها التنقل في ارجاء الشقق والمنازل للفوز بتغطية مقبولة. ودرجت لغة "عندي شخطة او 3 شخطات" للتعبير عما يظهر على شاشة الجهاز الخليوي ويدل الى حجم التغطية على سلم من 5 درجات تزينها علامة الهوائي. والمكان الأفضل كان الطبقات العالية وما فوقها، اي فوق السطوح!.

وايضاً رافقت ربيع العام 1995 بداية تأقلم اللبنانيين مع احجام الـ simcard، والأخير اتخذ حجمين تبعاً لنوع جهاز الهاتف الخليوي فالأول كان الحجم العادي للبطاقة والثاني كان المعتمد حالياً. ولم تكن الشركتان تمتلكان تقنية تسمح باصدار بطاقة الـ simcard بالحجمين، وكان يتوجب على المشترك الذي يملك جهازاً يعمل بكارت من الحجم الصغير التوجه الى مقر الشركة الرئيسي لقص البطاقة. ولكن احد الأطباء في بيروت قرر الإتكال على نفسه في هذه المهمة وعمد الى استخدام المنشار لتصغير حجم الكارت، لكن الحجم الذي حصل عليه كان اصغر بكثير من المطلوب فاتصل بقسم خدمة الزبائن مستوضحاً فأجابه الموظف المهضوم: "عليك استخدام لاصق "الألتيكو" واعادة ترميم البطاقة دكتور، ومن ثم الحضور الى مقر الشركة لإبدالها وهكذا فعل. ويشرح قصيربعض الجوانب التقنية التي رافقت تلك المرحلة: "صحيح ان هذه الخدمة كانت جديدة في لبنان، رغم ان تجربة محدودة سبقت انشاء شركتي الهاتف الخليوي وتمثلت في تشغيل شبكة محدودة السعة وبتكلفة مرتفعة، وصلت احياناً تعرفة دقيقة التخابر فيها الى 12 دولاراً، وقبل انطلاق عمل الانطلاقة الفعلية الزمت الدولة الشركتين بتجهيز شبكة تتسع كل منها لـ 50 الف خط. وبالفعل التزمتا، واكثر من ذلك تجاوزتا الرقم الـ 100 الف مشترك، والهدف من وراء رغبة الدولة في الزام كل من "ليبانسيل" و"سيليس" تجهيز هذه الشبكات كان خشيتها من انتهاء مدة العقد الموقع معهما من دون الحصول على شبكة فيها على الاقل 100 الف مشترك علماً ان مدة العقد كانت 10 سنوات". ويلفت قصير الى ان الفوائد من قطاع الاتصالات لا تكمن فقط بتسهيل عملية التواصل بين الافراد، وانما ساهم في المجالات الاقتصادية والاستثمارية وغيرهما، الامر الذي يعود بالفائدة على الخزينة والوطن.

ويذكر ان شركتي الهاتف الخليوي قررتا اعفاء المشتركين من الرسم الشهري (25 دولار) في شهري نيسان وايار 1995، وراجت في تلك المرحلة تجارة مربحة تمثلت في تهريب الأجهزة الخليوية المستعملة والجديدة من اوروبا الى لبنان، وكان سعر جهاز الخليوي يراوح ما بين 500 والف دولار وفي المناسبة اذا قصدت محلاً لبيع الأجهزة الخليوية اليوم وعرضت عليه شراء بعض هذه الأجهزة لإعطائك 10 اجهزة من محله (ان وجدت) ودفع لك الف ليرة لقاء نقل كل جهاز".

التحايل المقنن

... وتفاديه غير المعجل

في العام الفائت اعلن الوزير باسيل عن بدء تطبيق التعرفة الموحدة لاسعار الخطوط الخليوية الجديدة، بعد سنوات من فلتان الاسعار في السوق الخاضع لسياسة العرض والطلب ولكن الرياح لم تجر بما تشتهي السفن، اذ ورغم الاعلان عن الوصول الى الرقم المليون في عدد المشتركين، الا ان الامر يستغل من التجار، وربما الشركتين المشغلتين، وعلى الاقل كان هذا الاستغلال موجوداً عندما انتشرت ظاهرة بيع محتوى الخطوط الجديدة وعدم استعمالها كخطوط في معظم الاحيان ما حرم الخزينة اللبنانية الايرادات المرتقبة من هذه الخطوط واكتفت بتحصيل نسبة الـ 8 في المئة (ما يقارب الدولارين عن كل خط) وفي غالب الاحيان كان الخط الجديد بعد بيع محتواه من الدولارات (22 $) يتلف بعد مرور مهلة الشهر المحددة من تاريخ تشغيله. والانكى من ذلك ان هذه الخطوط كان تحتسب من عدد المليون وهي عملياً ليست كذلك، عدا عن الاطاحة بالتعرفة الرسمية، ويلفت هذا الامر اي قاصد لمحال بيع الخطوط الخليوية، الا ان الوزارة عادت وتنبهت لعملية التحايل واحتسبت نسبة الـ 8 في المئة من ايرادات الخط وليس من بيعه من قبل الشركتين، ما يعني ان كل خط جديد يدخل ضمن الشبكة سيكون للخزينة نصيب وافر من ايراداته، بالتاكيد ستفوق مردوده السابق.

•••

منذ انطلاق قطاع الهاتف الخليوي في لبنان لم يتوقف الحديث، ومن خلال الاجهزة الخليوية احيانا، عن شؤون وشجون وصفقات هذا "النفط اللبناني الاختراع" وبين قبول الحكومة الهبة الصينية وتسلمها الاسبوع الفائت، ليس من المتوقع في القريب العاجل ان "تنطق" الاجهزة الخليوية بالصينية، لانه، على ما يبدو، ان ثلاث سنوات غير كافية لاستيعاب هذه "الهبة"، ولا يزال الحديث عن ضرورة التحضير لانشاء مؤسسة "ليبان تيليكوم" مستمراً من دون اغفال لازمة "تطبيق القانون 431".

المهندس عبدالله قصير
المهندس عبدالله قصير


تعليقات: