الاتفاق البلدي بين «أمل» و«حزب الله».. ما له وما عليه


ملاحظات حول آلية التطبيق: نجاح وتعثر على سطح واحد..

امتد الاتفاق الانتخابي بين حركة «امل» و«حزب الله» على مساحة الرقعة الجغرافية والشعبية التي يتشاركانها في بيروت والضاحية والجبل والبقاع والجنوب، وذلك تجنباً لتكرار التجربة الانتخابية القاسية بينهما في العام 2004 بكل ما اعتراها من توترات سياسية وقروية وعائلية، فقررا توجيه الدفـّة نحو «ترسيم حبي» لخارطة الانتشار البلدي لكليهما، بما ينأى بالساحات المشتركة بينهما عن اية معارك او مواجهات في هذا الظرف السياسي الداخلي والاقليمي.

واذا كان اتفاق الحركة والحزب قد اجتاز اختبار الضاحية والجبل والبقاع، فان الاختبار الجنوبي بعد ثلاثة ايام، لا يمنع محاكمة «الاتفاق الثنائي» وتظهير ما له وما عليه، انطلاقا من الاسئلة التالية: هل نجح الاتفاق أم أخفق، وهل استطاعت «امل» و«حزب الله» تسويق اتفاقهما شعبياً ام انه اصطدم بموانع مختلفة اعاقت سريانه وصعـّبت تفشيه في كامل الجسم؟ هل الآلية التطبيقية التي اعتمدت في ترجمة هذا الاتفاق والمعايير التي حكمت اختيار المرشحين حققت الغاية المرجوة منه، ام شابتها خروق اصابت التفاهم برضوض وصدعت جزءاً من صورته؟

تلك الاسئلة مطروحة، وغيرها يلقي على اتفاق «امل» و«حزب الله» صفات هجومية تتراوح بين «الفوقي»، و«الاستئثاري» و«الحصري»، وصولاً إلى «الالغائي». ولكن هل تصيب تلك الاتهامات عين الحقيقة، أم أنها مجرّد اتهامات سياسية؟

الاتفاق «افرز بلا شك وقائع ملموسة ومحسوسة من الصعب نكرانها أو تجاهلها او القفز عنها، ان لجهة مساحة الاستجابة له والتلقي لمندرجاته وقد تبدى ذلك في الكثير من البلدات وتزكية اللوائح فيها، أو لجهة مساحة الامتعاض منه والاعتراض عليه، وقد تبدى ذلك ايضاً في بلدات أخرى ظهرت فيها عوارض عائلية وحزبية جانبية، شجعت على بروز «حالات تمرّد» على اتفاق «أمل» و«حزب الله «، وعلى الذهاب الى التحدي إما بلوائح أو ترشيحات مقابلة، وإما بالتلويح بالأحجام عن المشاركة في الاقتراع».

ومثلما يبدو صوت مؤيدي الاتفاق مسموعاً، كذلك الامر بالنسبة الى الآخرين الممتعضين والمعترضين والمتحفظين فصوتهم مسموع ايضاً ويلقون على الطرفين مسؤولية اسقاط تفاهمهما من فوق. وتجاوز الاعتبارات والخصوصيات القروية والبلدية والعائلية وحتى النخبوية، حيث تأتي بعض الاختيارات للمجالس البلدية هنا وهناك دون المستوى المطلوب، ودون الحد الادنى من المواصفات او المؤهلات.

ثمة قراءة تسلط الضوء على موجبات الاتفاق وضرورته، و«على ما اعترى تطبيقه من ايجابيات وسلبيات، تنطلق بداية من التأكيد على ان اهمية الاتفاق ين «امل» و«حزب الله» تكمن في الاساس في انه وضع الهم الانمائي تحت سقف رؤية استراتيجية ازاء المخاطر والتحديات التي يواجهها لبنان عموما والجنوب على وجه التحديد. وتكمن ايضاً في ان هذا الاتفاق اسهم عملياً في تدوير الكثير من الزوايا في العديد من البلدات والمدن وللمرة الأولى تشعر قواعد «امل» و«حزب الله» بأنها في موقع الشراكة الفعلية في التعاطي في شأن حيوي يمسّ المواطنين الذين يشكلون البيئة التي ينمو فيها الحزب والحركة».

وبحسب تلك القراءة، فإن في متن الاتفاق بنوداً، «تبدو كأنها تعالج ما يمكن ان تكون قيادتا الطرفين قد استحضرتاه من حساسيات ومشكلات مستخلصة من التجربة السابقة، وان فيه ايضاً بنوداً اخرى تحاول ان تضع معالجات معيارية محددة وشاملة. فيما ترك للمشرفين على التنفيذ تطبيق هذه المعايير بمراعاة خصوصيات هذه البلدة او تلك».

لكن المشكلة الكبرى التي واجهت الاتفاق، ليس في بنوده، «وانما في قدرة المشرفين على التطبيق كما يجب، وعلى بعد نظرهم ومستوى وعيهم السياسي وانفتاحهم. وهذا الامر انعكس انجازا في مكان واخفاقا او تعثرا في مكان آخر. ففي بعض القرى حضر المجتمع الاهلي بارتياح في المجلس البلدي، واما في قرى اخرى فطغى اللون الحزبي على اعضاء اللوائح البلدية. وما من شك في ان قيادتي الطرفين ستقيّمان التجربة بعد الاستحقاق الانتخابي، وستحرصان على تطوير بنود الاتفاق مستقبلاً لتعزيز الايجابيات وتلافي السلبيات. كما ستلحظان الحدود المعقولة لصلاحيات المشرفين الميدانيين التنفيذيين ضيقا او اتساعا.

الا ان الملاحظات التي تسجل من هنا وهناك عن اسقاط من فوق، او استئثار او مصادرة رأي، فإن قراءة «اهل البيت الحركي والحزبي» ترى ان تلك الملاحظات على اهميتها، لا تحجب الايجابيات المهمة التي حققها الاتفاق، من خلال استحضار طبيعة المرحلة الراهنة ومتطلبات مواجهة تحدياتها، وروح التساهل التي فرضها الاتفاق عملياً، مما سمح في تذليل الكثير من الحساسيات والعقد من امام تأليف اللوائح».

وتسجل تلك القراءة أن اتفاق «امل» و«حزب الله» لقي تجاوباً كبيراً من الاهالي في البلدات والقرى، «مما يؤشر الى نمو الوعي السياسي والعملي لدى الناس، واعطاء الاستحقاق البلدي حجمه الحقيقي دون مبالغة او استخفاف. وان ما يحكى عن مصادرة لرأي العائلات او لرأي الناس ليس دقيقاً، وان كان الطرفان لا يستطيعان ان ينفيا ضغط الاتفاق المعنوي على كثير من وجهاء العائلات وممثليها. مع الاشارة المهمة هنا الى ان تطبيق الاتفاق، وتبعاً لعقلية المشرفين الميدانيين على هذا التطبيق، أسهم في مشاركة القوى السياسية الأخرى بحسب احجامها التي افرزتها انتخابات 2004، والتي اعتمدت كمعيار، ولكن لا بد أيضاً من الاشارة الى انه في بعض الاماكن تم تجاوز تلك القوى.

حسب «قراءة اهل البيت الشيعي»، فإن الصورة العامة «مشجّعة وليست قاتمة لمن يريد ان يطوّر أداء ومشاركة المجتمع الاهلي في الاسحقاق البلدي. لكن العبرة تبقى في انكباب الجهات المعنية في «أمل» و«حزب الله» على التوصل الى تقييم موضوعي يزيل الالتباسات والتأثيرات السلبية التي عكستها تجربة تنفيذ الاتفاق راهناً، رغم ضآلة حجمها نسبياً، وتفعيل الإيجابيات والاستفادة منها للاستحقاقات المقبلة».

وتتتهي تلك القراءة الى توجيه الانتباه «الى عامل اساسي ليس في الامكان اغفاله او تجاهله في تسهيل تنفيذ الاتفاق وهو شعور الناس في الجنوب كما في البقاع والضاحية والجبل وبلاد جبيل بأن مرجعيتهم السياسية في «امل» و«حزب الله» هي مرجعية متفاهمة ومتناغمة ومتكاملة، وتقود في هذا الظرف العمل الوطني العام».

تعليقات: