هـل تكفـي تواقيـع لبنـان لضمـان حقـوق العمال المنزلييـن فيـه؟

 يوم العطلة حق لكل عامل... الجالية الفليبينية انتزعته (فادي أبو غليوم)
يوم العطلة حق لكل عامل... الجالية الفليبينية انتزعته (فادي أبو غليوم)


قانون قيد الإعداد في لبنان واتفاقية دولية قيد الإبرام فـي جنيـف..

انطلقت، منذ الثاني من حزيران الجاري، فعاليات مؤتمر العمل الدولي، في دورته التاسعة والتسعين، الذي تنظّمه «منظمة العمل الدولية». ويشارك لبنان فيه عبر وفد مكون من ستة أشخاص انتدبتهم وزارة العمل، يتوزعون على لجان المؤتمر السبع، ينضمّ إليهم وزير العمل بطرس حرب واثنان من مستشاريه بعد غد السبت، لتلاوة كلمة لبنان والمشاركة في المباحثات حتى نهاية المؤتمر. ويترأس حرب اليوم اجتماع لجنة التسيير الوطنية التي شكّلها مجلس الوزراء السابق، لمعالجة شؤون العمال المنزليين، بعدما توقف عملها منذ حوالى السنة. وقد أنيطت بها مهمة الإعداد لمشروع قانون وكتيّب ارشادي يبصر النور قريباً، بالإضافة إلى العقد الجماعي الذي بدأ العمل به.

إلى عناوينه المعتادة، يطرح المؤتمر الدولي موضوع العمّال المنزليين على قاعدة تقرير عنوانه «العمل اللائق من أجل العمال المنزليين»، يشكل خلفية دراسية رئيسية لإبرام اتفاقية دولية ترعى حقوق هؤلاء العمال، وذلك قبيل انتهاء المؤتمر في 18 الجاري.

يغوص التقرير في مختلف جوانب العمالة المنزلية، وهو مكون من عشرة فصول، بدءاً من تاريخ هذه العمالة، مروراً بالعمال وأصحاب العمل وأماكن العمل والعقود المبرمة والرعاية والتحويلات المالية وفترات العمل والراحة الأسبوعية، وصولاً إلى القوانين المحلية والتوصيات الدولية بهذا الخصوص. فيعرّف التقرير، في مقدمته، العمالة المنزلية بصفتها واحدة من أقدم المهن التي تستمد جذورها من التاريخ العالمي للعبودية والاستعمار. أما الآن فباتت مسألة حيوية «ليسير الاقتصاد سيراً جيداً خارج نطاق الأسرة». وتتكاثر هذه الظاهرة لأسباب مختلفة أبرزها: اندماج النساء في الحياة المهنية وشيخوخة المجتمعات وتكثيف العمل والافتقار في كثير من الأحيان إلى تدابير السياسة العامة التي تسمح بالتوفيق بين الحياة الأسرية والعمل وعدم كفاية هذه التدابير.

وتلفت مقدمة التقرير، أيضاً، إلى أن العمل المنزلي لا يقدّر، ويفتقر إلى التنظيم، لا سيما أن العامل لا يعمل إلى جانب زملاء آخرين بل في عزلة وفي أماكن مغلقة، وغالباً ما تشمل أعماله الشؤون المنزلية التي تقوم بها المرأة عادة ضمن أسرتها من دون أجر: «ما يفسّر لماذا لا يقدّر العمل حقّ قدره»، بحسب التقرير.

ويورد التقرير في فصله الأول ما يفيد بأن إيجاد رقم واضح وصريح حول العمال المنزليين هو أمر صعب لأسباب مختلفة، أولها أن هذا النوع من العمل غالباً ما يكون غير مسجّل لدى الجهات المعنية في الدول. لكنّ البيانات المتاحة تشير إلى أن العمل المنزلي يستوعب نسباً كبيرة من القوى العاملة، فتشكّل نسبة ما بين 4 و10 في المئة في البلدان النامية وبين واحد و2،5 في المئة في البلدان الصناعية. وفي كلتا الحالتين، تشكّل النساء غالبية العمال، بنسب تتراوح بين 74 و93 في المئة، معظمهن من فئة المهاجرين اللواتي يخضعن للتمييز، خصوصاً أن بعض الجنسيات تتقاضى أجوراً أدنى من جنسيات أخرى مقابل العمل نفسه. وغالباً ما تجد تلك المهاجرات أنفسهن مدفوعات باتجاه هذا العمل، أولاً بسبب الفقر، وثانياً لافتقار أكثرهن للمستوى العملي. وتبرهن أرقام «معهد سياسات الهجرة» في أميركا أن مجموع التدفقات المالية المسجلة رسمياً فاق 280 مليار على الصعيد العالمي في العام 2006، أُرسل نحو ثلاثة أرباع هذا المبلغ إلى بلدان نامية. وتسجل الأرقام أن في 22 بلداً، بلغت قيمة التحويلات أكثر من نسبة 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام نفسه، في حين بلغت في ستة بلدان أكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ورد اسم لبنان في تقرير «منظمة العمل الدولية» أكثر من مرة، أُولاها في الحديث عن العمل الجبري الذي يمارسه عدد من البلدان في حقّ عمال المنازل. يشار هنا إلى ملاحظة لجنة خبراء المنظمة بشأن لبنان، في العام ٢٠٠١، حول «الادعاءات الواردة من الاتحاد العالمي للعمل، والمتعلقة بحالات الاستغلال غير القانوني والإساءة إلى العمال المنزليين المهاجرين من أفريقيا وآسيا، الذين جعلتهم علاقات استخدامهم ووضعهم الاجتماعي عرضة لعدم دفع الأجور والعقوبة الجسدية والاعتداء الجنسي والحبس القسري. وقد طلبت لجنة الخبراء إلى الحكومات بناءً على ذلك اتخاذ التدابير المناسبة لوضع حد لظروف العمل الجبري في العمل المنزلي. ولاحظت أن السلطات اللبنانية، سعياً منها إلى حظر الممارسة غير القانونية للعمل الجبري، سنت قانوناً ينظم عمل الوكالات التي تستقدم العمال المنزليين المهاجرين».

يورد التقرير، في موقع آخر منه، خطوة لبنان المتمثلة بتشكيل لجنة توجيه وطنية (هي لجنة التسيير الوطنية) بقرار من وزارة العمل في العام 2006، للبحث في موضوع العمال المنزليين المهاجرين وإعداد مشروع قانون منفصل، وذلك في سياق تعداده للخطوات التي تتخذها بعض الدول في إطار قوننتها لهذه الأعمال بالمقارنة مع خطوات أكثر تقدماً لبلدان أخرى كالمكسيك والصين وهونغ كونغ وفرنسا واسبانيا... لجهة حماية وتنظيم العمل في المنزل، سواء عبر سنّ القوانين أو عبر مراسيم جمهورية وملكية...

ويتساوى لبنان وكندا وسويسرا ومصر والمملكة العربية السعودية والصين في عدم شمول العمال المنزليين في الحدّ الأدنى للأجور، علماً بأن ثلثي الدول التي شملها التقرير تضع حداً أدنى لأجور هؤلاء العمّال. في المقابل، حوالى ثلاثين في المئة من البلدان المشمولة بالتقرير (71 بلداً) لا حدود لساعات العمل لديها.

إلى ذلك، لا تحديد لفترة راحة دنيا في حوالى 41 في المئة من تلك البلدان، بينما تعترف حوالى 62 في المئة منها بيوم إجازة واحد. وإذ يستعرض التقرير بعضاً من تشريعات الدول في هذا الخصوص، لا يتحدّث عن آليات مراقبة تطبيقها.

وفي حين يرسم مختلف أساليب الإساءة إلى العمال المنزليين بدءاً من انتهاك خصوصيتهم وصولاً إلى اغتصابهم وإيذائهم جسدياً، يورد التقرير بعضاً من الخطوات التي اتخذتها الدول في معالجة تلك المنازل ومنها: «توقيع حكومة لبنان مذكرة تفاهم مع منظمتين دوليتين غير حكوميتين («كاريتاس» و«اللجنة الكاثوليكية الدولية للهجرة») بهدف إنشاء منزل آمن للعمال المهاجرين من ضحايا التعسف، وبدأت في إحالة ضحايا الاتجار إلى ذلك المنزل». لينضم لبنان في الجدول الختامي للتقرير إلى الدول التي تستبعد العامل في المنزل من المعايير التي تنظّم ظروف العمل.

لبنان: لا لإدراج يوم عطلة في اتفاقية دولية

إلى التقرير التمهيدي، بعثت «منظمة العمل الدولية» بثلاثة وستين سؤالاً إلى مختلف الدول الأعضاء لاستبيان موقفها من مختلف المسائل المتعلّقة بتنظيم العمل في المنازل، في سياق التمهيد للاتفاقية أيضاً. وقد أجاب لبنان عنها في عهد الوزير محمد فنيش، فأورد سلسلة ملاحظات أولاها مطالبته باستبدال عبارة «عامل منزلي» بعبارة «عامل في الخدمة المنزلية»، وتضمين الاتفاقية تعريفاً محدداً للوسطاء ومكاتب استقدام العمال المهاجرين ووكالات الاستخدام. كما وافق لبنان على شمول العمال المنزليين بالحدّ الأدنى للأجور. ولربما وقع لبنان في فخّ الازدواجية في الإجابة، لأنه طالب بتحديد أيام العطل وتوقيتها وآلية استحقاقها في سؤال يشتمل على معلومات حول صاحب العمل وفترة العمل والاختبار وآلية دفع الأجر وتوقيتها. ثم عاد ورأى أنه لا ضرورة للإشارة إلى عطلة العامل أو فترة راحته في نصّ الاتفاقية التي يمكن أن يقضيها حيثما يشاء، على أن يتضمنها عقد العمل (يجيز عقد العمل اللبناني الموحد يوم راحة للعامل لكنه غير مطبق لدى عدد من العائلات).

وأشار لبنان في ملاحظاته الأخيرة إلى انه «من المستحسن توضيح عبارة «احترام الحياة الخاصة للعامل»، إذ ان هذا الموضوع قد يؤدي في بعض الحالات إلى أمور غير مقبولة كالحمل غير الشرعي أو ممارسة الدعارة».

وقد أكّد مصدر في وزارة العمل أن حرب «سيقوم بتصويب أجوبة لبنان وليس التملّص منها أو تصحيحها وذلك بناء على متابعته للملف»، وأن كلمته ستتطرّق إلى الورشة الإصلاحية التي تشمل المؤسسة الوطنية للاستخدام وقانون العمل الجديد. كما سيتحدث عن نظام التقاعد وصندوق الضمان الاجتماعي وغرفة الشكاوى، بالإضافة إلى موضوع العمال المنزليين الذي وضع له إطاراً تشريعياً، بحسب المصدر نفسه، من المتوقّع أن يتحول إلى مشروع قانون لدى مجلس الوزراء بعد أشهر. كما سيتحدث حرب عن رفض لبنان حصار غزة ودعوته إلى فكّه وعن القضية الفلسطينية بشكل عام.

يذكر أن قنصل اثيوبيا في لبنان اسامينيو دابلي بونسان وجه دعوة إلى حرب لزيارة بلاده واستكمال المحادثات بشأن العمال الاثيوبيين التي كانت قد بدأت بين الدولة اللبنانية ووفد وزاري اثيوبي في لبنان، وذلك تمهيداً لوقف حظر عمل الاثيوبيين في لبنان، الا أن حرب لم يحدد موعدا زيارته بعد.

تعليقات: