عن المحكمة الدولية أيضاً وأيضاً


ليس متوقعاً أن يصدر أي تعليق عن فريق 14 آذار على تصريحات رئيس أركان جيش العدو غابي أشكينازي، بشأن تقرير المحكمة الدولية الذي «سيصدر في أيلول» وما سيؤدي إلىه من توترات في لبنان. مع ذلك، وجب التوقف عند الأمرين معاً: تصريحات أشكينازي نفسه، وموقف فريق الاتهام السياسي أيضاً.

إن لم يكن غريباً كيف يعرف قادة العدو بمضمون قرارات المحكمة الدولية ومواقيتها، فذلك يعني أنه ليس غريباً أن تكون أجهزة الاستخبارات العالمية على علم بتفاصيل عمل فريق التحقيق الدولي. والكل يعلم أصلاً أن معظم العاملين في فريق التحقيق أو التحليل، جيء بهم من أجهزة أمنية وقضائية ومن أجهزة شرطة في العالم الغربي. والساذج وحده يعتقد أن هؤلاء يلتزمون سرية العمل. والدليل ليس تصريحات أشكينازي وحده، بل كل ما يردّده دبلوماسيون أجانب وسياسيون في لبنان، بمن فيهم الرئيس سعد الحريري الذي فاتح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالمعلومات التي تشير إلى احتمال تورّط عناصر من حزب الله في الجريمة. حتى إن الحريري أجاب مرجعاً سياسياً لبنانياً عن سؤال عن المحكمة قائلاً: أنا متأكد مليوناً بالمئة من المعلومات المتداولة، وأملي هو أن يتعاون حزب الله، وأنا حاضر للمساعدة للمّ الموضوع!

أمّا مساعدو رئيس الحكومة من كل الاختصاصات الأمنية والسياسية والإعلامية ـــــ الدعائية، فيتحدثون بتفصيل عما سيصدر عن المدعي العام الدولي دانيال بلمار. وهؤلاء يعتقدون أن الأمر منجز، وفي اعتقادهم أن على حزب الله التعاون وتسليم كل المطلوبين، وإن لم يفعل، فسيُتّهَم من أعلى السلطات القضائية الدولية ومن الجمهور في لبنان بأنه يهرب، وأن عليه ـــــ كما يقترح سمير جعجع ـــــ اللجوء إلى جمع الأدلة المناقضة. ذلك أن جعجع مقتنع بأن الآليات هي التي تحسم، وهو لا يعرف كيف بقي أربعة ضباط من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في السجن أربع سنوات من دون اتهام ولا محاكمة ولا أدلة، وكذلك كيف أمضى مواطنون الحال نفسها من دون قبول أي مراجعة قانونية، سواء مع القضاء اللبناني أو مع لجنة التحقيق الدولية.

مع ذلك، فإن هذا الفريق يريد من اللبنانيين عموماً أن يصدّقوا أن ما تقوم به المحكمة الدولية هو عمل غير مسيّس، وأن طريقة اختيار القضاة والمحققين وإعداد الموازنات وبرامج الإنفاق وطريقة جمع الأدلة، هي عمل حرفي خال من أي تدخلات، وأن برنامج العمل على الاتصالات الهاتفية الذي قدّمه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي عام 2006 إلى سيرج براميرتس، هو عمل جرى من دون توجيهات مسبقة، علماً بأن من يطلع على عمل فريق المعلومات وخلاصاته التي أُرسلت إلى المحكمة الدولية، يمكنه ملاحظة التناقض الهائل بين المعطيات والاستنتاجات. وثمّة في قوى الأمن من يقول إنهم توقفوا عن العمل في الأمر وتركوا تفاصيله للجنة التحقيق التي توصلت بالأدلة إلى الخلاصات نفسها.

وإضافة إلى حالة الزهو بالإنجاز العظيم، فإن النافذين في قوى الأمن الداخلي يعتقدون هم أيضاً أن الأمر عادي، ولا يستأهل كل هذا الضجيج، وأنه لا شيء سيؤثر على الوضع العام إن خرجت المحكمة بقرارها الاتهامي بحق عناصر من حزب الله، وأنه لن تكون هناك مسؤولية سياسية على أي طرف في لبنان أو خارجه، لأن المحكمة جهة مستقلة، وهي لا تأخذ بالآراء السياسية.

ثم كان الأمر الأكثر غرابة، خروج قادة فريق الاتهام السياسي وكتَبَته في صحف «النهار» و«الحياة» و«الشرق الأوسط» و«المستقبل» ومواقع إلكترونية لا تزال تعيش على تمويل «جمعية جيفري فيلتمان»، وهم يرفضون أي محاولة للبحث عن رابط بين التحقيق الدولي واعتقال مشتبه في تعامله مع العدو في إحدى شركات الهاتف الخلوي، علماً بأن الشركة نفسها سبق أن عاشت حدثاً مشبوهاً عندما غادرتها فجأة مديرة تنفيذية، من أصل أوروبي، وهي التي حصلت تحقيقات في لاهاي بشأن احتمال وجود علاقة بينها وبين مساعدين لها والاستخبارات الإسرائيلية.

ورغم أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قد وافق على مثول دفعة جديدة من كوادر ونشطاء وقريبين من الحزب أمام محققي المدعي العام، فإن المعلومات المضادة التي قدّمت خلال جلسات الاستجواب هذه لم تعدل في البرنامج السياسي لفريق الاتهام السياسي، الذي لا يزال يقوم على فكرة أن الاتهام حاصل وأن الأدلة موثوق بها وغير قابلة للنقض، وهو ما يدعو إلى الحيرة وإلى التفكير قليلاً بنتائج مثل هذا العمل غير الوطني.

ومع أن التفسيرات لكل تحذير من مخاطر عمل كهذا تفسر على أنها عمل تهويلي، فإن ذلك لا يغيّر في الوقائع شيئاً. فإذا كان فريق الاتهام السياسي الذي يتعامل مع الولايات المتحدة والدول المعادية للمقاومة في العالمين العربي والغربي هو من يقف خلف المادة الأساسية للتحقيق، وإذا كان فريق التحقيقات الدولي يتأثر بمعلومات أجهزة أمنية (صادف أنها) معادية للمقاومة وتيارها، وإذا كان رئيس أركان جيش العدو هو من يعلن موعد صدور قرار الاتهام وانعكاساته على الوضع في لبنان، فهل يعقل أن يقف الطرف المعنيّ بالاتهام، من المقاومة نفسها إلى كل التيار المؤيّد لها، مكتوف اليدين؟

ساذج ومخبول كل من لا يرى الغيوم السود فوق رأسه!

تعليقات: