الـدويـر: المجـزرة الأولـى: استشهاد عادل دكاش وزوجته وأولادهما العشرة

والدا الشهيد دكاش يحملان صورة
والدا الشهيد دكاش يحملان صورة


أمّ السيد عادل عكاش المصلين في «مسجد الإمام المهدي في بلدة الدوير»، ألقى خطبته الدينية الأخيرة ليلة الثالث عشر من تموز العام ,2006 ثم طلب من المصلين أن يذهبوا إلى منازلهم باكراً تخوفاً من تصاعد الاعتداءات الاسرائيلية التي كانت قد بدأت للتو.

عاد هو أيضا إلى منزله المحاذي لطريق عام عبا ـ الدوير ليكون إلى جانب زوجته وأولاده الذين كانوا متسمرين أمام شاشات التلفزة لمتابعة آخر المستجدات الأمنية التي كانت تبثها وسائل الإعلام تباعاً.

عندما أجهدهم السهر، خلدوا إلى النوم، ولم يخطر في بالهم انهم لن يستفيقوا بعدها أبدا.

كان منزل عكاش هو الهدف الأول لغارات المقاتلات الاسرائيلية في منطقة النبطية.

قرابة الرابعة إلا ربعاً من فجر الثالث عشر من تموز رمت المقاتلات المعادية منزل عكاش المؤلف من ثلاث طبقات بصاروخين أديا إلى محوه كلياً عن وجه الأرض.

بالأرض، سوي البيت وأهله، فاستشهد عكاش وزوجته وأولادهما العشرة جميعاً، وبينهم صفاء التي كانت في شهرها السادس. تناثرت أجساد العائلة أشلاءً وتطايرت مع ركام المنزل إلى مسافات بعيدة، لتنتهي بذلك حياة أسرة بأكملها في طرفة عين.

تعاون عناصر الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني والهيئة الصحية الإسلامية وكشافة الرسالة الإسلامية والجيش وقوى الأمن الداخلي والأهالي على انتشال الضحايا وأشلائهم من بين الأنقاض بمساعدة عدد من الآليات قبل نقلهم إلى مستشفى الشيخ راغب حرب في تول.

قضى في الغارة كل من : السيد عادل محمد عكاش (41 سنة) وزوجته رباب ياسين (39 سنة) واولادهما: محمد باقر (18 سنة)، زينب (13سنة)، علي الرضا (12 سنة)، غدير (10 سنوات)، فاطمة الزهراء (7 سنوات)، محمد حسين (6 سنوات)، سارة (5 سنوات)، بتول (4 سنوات)، نور الهدى (سنتان) وصفاء (6 أشهر).

عشية الذكرى الأولى للمجزرة، يستذكر السيد محمد عكاش والد السيد عادل وقائع ذلك اليوم المشؤوم برباطة جأش وصبر فريدين.

بدا تماما كما صورته وسائل الإعلام غداة المجزرة العام الماضي، هادئاً قوياً ومتماسكاً: «كنت واحداً من المصلين في جامع الإمام المهدي عشية حصول المجزرة، وقد ودعت ولدي السيد عادل وعدت إلى منزلي، كذلك توجه هو إلى منزله الذي يقع في منطقة نائية بين بلدتي عبا والدوير، محاذراً السهر خارجه في تلك الليلة على عكس عادته، وتماشياً مع الظروف الأمنية الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيلية».

«عندما وقعت الغارة فجراً لم أعلم مكان وقوعها، فقالت لي زوجتي حاول الاتصال بالسيد لسؤاله عن مكانها، وحاولت الاتصال مرات عدة من دون فائدة لأن خطه كان خارج الخدمة، انتظرت بزوغ الفجر وتوجهت إلى منزله، لكن الطريق إليه كانت تعج بالمواطنين والقوى الأمنية والمسعفين وسيارات الإسعاف. تابع السير بصعوبة بالغة حتى التقيت رئيس البلدية الحاج فؤاد رمال. استوقفني وترجل من سيارته وربت على كتفي قائلا: لقد استهدفت الغارة منزل ولدك السيد عادل وقد استشهد هو وجميع أفراد عائلته.

صرخت «ألله أكبر على الظالمين» وتحليت بالصبر وعدت أدراجي إلى المنزل لا أقوى على شيء، أغلي غضبا من إسرائيل.

اليوم، بعد مرور سنة على المجزرة، لا أطلب من الله سوى أن يلهمنا الصبر والإيمان على ما أصابنا، لأن الله مع الصابرين إذا صبروا.

ثم يسأل: «ما ذنب الطفلة ابنة الأشهر الستة؟ هل كانت تتصدى لاعتداءاتهم؟ لن تفلح إسرائيل، ولن تقوم لها قائمة ما دامت عقيدتها قائمة على الخراب والدمار وارتكاب الجرائم».

يصف عكاش ولده السيد عادل برجل الدين المحترم، والعالم المؤمن، والتقي الورع والكريم المعطاء، له قدرة فائقة على تحمل المسؤولية وإقناع الآخرين بأسلوب سحري فذ، كان له دور بارز في البلدة وكان وسيطا دائما في حل كل المشاكل بين الأهالي.

وكان أيضا مضرب مثل بين رؤسائه وتلامذته في «حوزة السيدة الزهراء التابعة لهيئة علماء جبل عامل في صيدا» حيث كان يدرس العلوم الدينية، وقد دمر الطيران الاسرائيلي الحوزة نهائياً إبان الحرب.

لم يخفِ عكاش أو ولده الشهيد يوماً تعاطفه مع المقاومة وانتماءه إلى عقيدتها ورسالتها ونهجها ويقول: نحن مع المقاومة والمقاومة جزء منا، كذلك كان السيد عادل، وقبله شقيقه الشهيد المهندس شريف الذي استشهد أثناء عملية المقاومة الشهيرة ضد موقع الاحتلال الاسرائيلي في تلة الدبشة العام .1995 نحن سنستمر بإذن الله على طريق الشهادة والمقاومة. الشهيد شريف نال الشهادتين: شهادة الهندسة وشهادة المقاومة، وأنا وأولادي جمـــيعاً لنا الشــرف العظيم ونفخر ونعتز بأن نكون شهداء في سبيل المقاومة.

يوضح عكاش بأنه سينشئ مزاراً ومقاماً مكان منزل ولده الشهيد السيد عادل المدمر في البلدة، لكي يؤمه الناس ويتباركوا به ويتذكروه ويدعوا له.

أما والدة الشهيد عكاش فلم تقو على الكلام إلا قليلاً. غصة ودموع حارة تسبق كلماتها المتلعثمة والمتقطعة: «منذ استشهاد ولدي الســــيد عادل لم يفارقني طيفه لحظة، وكأنه غاب عني للتو، وكان بالنسبة لي كل شيء وأهم من كل شيء، وهو الكبير بين أشقائه... رحمة الله علــــيه وعلى عياله أجمعين، وهنيئاً لهم في الجنة، لأنهم استشــــهدوا في سبيــل الجهاد والمقاومة، ونعم هذه المقاومة وهذه الشهادة».

تعليقات: