لو نطق مطار رفيق الحريري لقال عن وفيق شقير...

العميد وفيق شقير
العميد وفيق شقير


ما حدث في مطار بيروت مع الطائرة السعودية التي اقلعت منه ووصلت إلى الرياض وفي حجرة عجلاتها جثة شاب لبناني، حادث غريب وخطير واختراق لأمن المطار وسلامة الطيران المدني، لا يجوز ان يمر مرور الكرام ويحتم تحديد المسؤوليات والقيام بمراجعة شاملة للوضع في مطار بيروت من كل النواحي الامنية والادارية واللوجستية، واتخاذ كل ما يلزم من اجراﺀات للحؤول دون تكرار مثل هذه الحوادث المؤسفة...

اما ان يصار إلى وضع اوزار هذه الحادثة وتبعاتها على عاتق رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير ومسؤوليته لوحده، فهذا أمر يجافي الحقيقة والواقع ويلحق الغبن والظلم بالعميد شقير كمسؤول اولاً وانسان ثانياً ويحجب المسؤولية عن أجهزة ومواقع أمنية وادارية اخرى في مطار بيروت.

وفيق شقير شغل في جهاز أمن المطار لسبع عشرة سنة ونصف، سبع سنوات ونصف السنة منها رئيساً لفرع الاستقصاﺀ في أمن المطار وعشر سنوات رئيساً لهذا الجهاز في أدق وأخطر الظروف واكثرها اضطراباً. وليس مبالغة إن قلنا ان هذا الرجل هو من أشرف الناس ومن أكفأ من تولى قيادة هذا الجهاز لما يتمتع به من مناقبية عسكرية وحسّ وطني ومنهجية عمل ومهنية عالية وفرت الامن في مرفق حيوي هام حتى غدا مطار بيروت من المطارات المحترمة والآمنة والممسوكة امنياً على رغم النقص الكبير في العديد والعتاد...

وعندما حصل قبل ايام هذا الخرق الامني - الاداري الذي يحصل مثله وأهم واخطر منه في مطارات العالم المجهزة بأفضل التقنيات والتكنولوجيا.

لم يتردد العميد شقير في الطلب بإعفائه من مهامه متحملاً مسؤولية معنوية عما حدث مع انها ليست مسؤوليته وحده بل ايضا مسؤولية آخرين ممن لم يرفّ لهم جفن ولم يحركوا ساكناً.

كانت هذه خطوة شجاعة بادر اليها وفيق شقير واضعاً الجميع امام مسؤولياتهم، خطوة لم نعهدها في لبنان من مسؤولين سياسيين او أمنيين متمسكين بالمناصب و "الكراسي" ولا يتحملون مسؤولية اخطاﺀ ارتكبت في نطاق مهامهم واداراتهم... اما ان يقال ان الاستقالة أو طلب الاعفاﺀ هروب من المسؤولية ونتائج التحقيق، فهذا تحامل وتجنٍ على رجل تفانى في عمله واعطاه كل وقته وجهده وعمره، وحقق نجاحاً رغم الامكانات المتواضعة التي وضعت في تصرفه ورغم واقع الفوضى الادارية الذي يسود في المطار...

وفيق شقير الحائز على كل الأوسمة اللبنانية من دون استثناﺀ وعلى الكثير من الأوسمة الدولية وكان آخرها وساميّ مؤتمري القمة العربية والقمة الفرنكوفونية اللذين عقدا في لبنان لا يكافأ هكذا، فهذا الرجل كان مثالاً في التفاني والاخلاق والرقي في تعاطيه مع الناس وفي توجيهاته الدائمة إلى عسكرييه بضرورة التشدد بالامن وفي الوقت نفسه ضرورة التحلي بأعلى درجات الاحترام والتهذيب مع المسافرين والقادمين.

نحن نسأل: لماذا لم يتم تزويد جهاز أمن المطار بكاميرات مراقبة وسياج مكهرب وتقنيات متطورة؟

لماذا لم يزود بالعديد والعتاد مع ان وفيق شقير طالب مراراً وتكراراً بذلك ولم يلق اذاناً صاغية؟ لماذا وضع مشروع قانون "برنامج أمن المطار الوطني" والذي قدمه العميد شقير منذ اربع سنوات للسلطات المختصة في الادراج ولم يؤخذ به؟

وكيف لوضع أمني ان يستقيم من دون خروقات واخطاﺀ وثغرات في ظل هذا الوضع من الفوضى الادارية وتداخل الصلاحيات وتضاربها في ما بين عدة وزارات لها علاقة بأمن المطار وتمارس فيه سلطتها ونفوذها وبين مواقع امنية وادارية وكل موقع له مرجعيته الرسمية والسياسية... وكيف يمكن ان نحاسب مسؤولاً امنياً مقيداً في صلاحياته ولا سلطة فعلية وكاملة له على كل ما له علاقة من قريب او بعيد بأمن المطار وسلامة كل ما يقع في نطاقه وحرمه من حجر وبشر؟ لو نطق مطار رفيق الحريري الدولي لقال عن وفيق شقير انه تحمّل ما لم يتحمّله انسان من ظلم وتحامل وتجنٍ ففبركوا حوله الاخبار والافتراﺀات والاتهامات منذ العام 2005 وكلها اخبار مدسوسة وغير صحيحة وبقي الرجل ملتزماً بشرفه وقسمه العسكري ولم يرضَ يوماً ان يكون لفريق ضد آخر على رغم الضرر المعنوي الكبير الذي لحق به من جراﺀ الاضاليل والاكاذيب التي طاولته من بعض السياسيين وبقي تعاطيه مع جميع القوى والاطراف والاحزاب السياسية اللبنانية طبيعية وعلى قدر المساواة ولم يفرق يوماً بين شخص وآخر.

وهنا يخطر في بالي سؤال يسأله الكثير من اللبنانيين وهو ربما الجوهر والاساس... ألم يحن الوقت بعد لأبعاد السياسة وزواريبها واحقادها عن موظفي الدولة؟ ألم يحن الوقت لعدم محاسبة موظفي الدولة كل على اساس طائفته؟ ألم يحن الوقت لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعيداً عن لونه ودينه وطائفته؟ ألم يحن الوقت ليتوقف بعض السياسيين عن توزيع ومنح شهادات بالوطنية لهذا وحجبها عن ذاك؟

لا يجوز التعاطي مع المدراﺀ العامين وكبار موظفي الدولة خصوصاً منهم الأوادم بطريقة كيدية وحاقدة، وعلى الدولة واركانها حماية هؤلاﺀ من الظلم والافتراﺀ ومكافأة الناجح واقصاﺀ الفاشل ومحاسبة المرتشي لا العكس كما يحصل اليوم.

ان الخطوة التي اقدم عليها العميد وفيق شقير تدل على نظافته وترفعه عن المناصب والمواقع ولكن اعفاﺀ رئيس جهاز امن المطار من مهامه ليس هو الحل لأن المشكلة ليست عنده لا شخصاً ولا ممارسة، وانما مشكلة متشعبة ومتعددة الاوجه وحلّ هذه المشكلة لا يكون باستقالة الآدمي وفيق شقير او اعفائه وانما بفتح ملف المطار على مصراعيه ووضع نقاط الحل الجذري على حروف الازمة المتراكمة.

واخيراً تبقى ثقتنا بزياد بارود كبيرة لأنه يحمي بالحق والقانون والعدل معاونيه والذي اثبت اكثر من مرة انه الرجل المناسب في المكان المناسب فهو اكثر من يعاني من هذا الوضع المتردي ويحاول قدر المستطاع ضبط وتصحيح الخلل في المؤسسات التابعة له.

في النهاية نحن على يقين بأن هذا الوزير الشاب سيحافظ على كرامة العميد شقير ويعطيه حقه بعد كل هذه السنوات الطويلة التي امضاها في المؤسسة العسكرية خادماً لوطنه.

• كاتب وسياسي

تعليقات: