لاجئو مخيم عين الحلوة: معاناة لا توصف··

الزميلة ثريا حسن زعيتر تستمع الى معاناة عائلة عناني في عين الحلوة
الزميلة ثريا حسن زعيتر تستمع الى معاناة عائلة عناني في عين الحلوة


يتمسكون بحق العودة ورفض التوطين ويطالبون الدولة بإنصافهم..

<أناس مع وقف التنفيذ> فاقدي الأوراق الثبوتية··

معاناة مضاعفة بين الإقامة والعلم والعملّ..

عناني: أعيش مع 7 أفراد في غرفة ونصف بلا شمس وهواء..

تصدح بين أزقة المخيمات التي يزنرها حزم البؤس والفقر والتي لا تستوطنها الرطوبة، تكاد لا تدخل إليها أشعة الشمس·· أصوات معذبين في الأرض من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يتطلعون بين ثقوب هذه الأزقة الضيقة الى الفضاء الرحب، يتمنون كالطير أن يحلّقوا بعيداً وعالياً كي يتخلّصوا من مأساتهم المزمنة منذ 62 عاماً، يطالبون اليوم وأكثر من أي وقت مضى الحكومة اللبنانية والكتل البرلمانية بإقرار حقوقهم الانسانية والمدنية وأن يُعاملوا كبشر·· لا أن يبقوا أُناساً مع وقف التنفيذ، محرومين من أبسط الحقوق في الحياة والعيش الكريم والعمل وحرية التنقل والتعبير··

وبين المأساة وحلم العودة الى الوطن، تجسد عائلة خليل عناني في مخيم عين الحلوة نموذجاً للأسر الفلسطينية الصابرة والمناضلة في آن، تمزج لقمة الفقر مع عرق الكفاح، لتؤكد مسلمتين يتمسك بهما كل الشعب الفلسطيني في لبنان وهما <رفض التوطين·· والتمسك بحق العودة>·· وريثما تتحقق الأخيرة لا بد من العيش الكريم··

<لـواء صيدا والجنوب> دخل الى أزقة مخيم عين الحلوة الضيقة، وعاش في منزل عناني معاناته التي لا تنتهي··

معاناة: لا توصف في غرفة ونصف يفصل بينهما لوح من الخشب، يقيم الفلسطيني خليل أديب عناني (53 عاماً) في منطقة <أوزو> عند الطرف الشمالي لمخيم عين الحلوة مع أفراد عائلته المؤلفة من الزوجة مريم حوران و6 أولاد هم: <جهاد، خالد، فادي، أديب، ديانا وايمان>·· وتسكن معهم الرطوبة والمرض، حيث لا تدخل الى جدران هذا المنزل الضيق والمتلاصق مع المنازل الأخرى في الحي، لا الهواء ولا حتى أشعة الشمس·· فيما الجوع يجتاح بطونهم الخاوية في بعض أيام الشهر، فعناني يعمل لقاء راتب شهري لا يكفي لسد الرمق، وأحياناً تمضي أيام لا يأكلون فيها شيئاً، ويؤكد <ليس لديّ المال الكافي لشراء الطعام، وأكثر أيامنا يكون الخبز والشاي طعامنا>·

ويصف عناني (المولود في يافا والذي تهجر الى لبنان منذ 40 عاماً لاجئاً، المعاناة التي يترنح تحت وطأتها)، فيقول: الأصح ما هي المعاناة التي لا نعانيها>، قبل أن يردف بإستهزاء <الشيء الوحيد الذي لا نعاني منه أننا قادرون على امتلاك تلفاز أو جهاز كومبيوتر أو راديو دون شروط وهوية·· ولكن نحتاج الى التيار الكهربائي لتشغيلها>·· في اشارة ضمنية الى المعاناة من الإنقطاع الدائم للتيار الكهربائي عن المخيم، وباقي الأمور ممنوع علينا أو محرومون منها فقط لأننا لاجئون فلسطينيون ولا نملك بطاقات هوية أو كرت أعاشة رمز اللجوء·

ويعترف عناني أن المنزل ضيق <ليس المشكلة في المنزل، بل أنه يختصر مشكلة اللجوء، العائلة مشتة، اليوم بعض الأولاد ينامون عند الأقارب والبعض الآخر فيه، تماماً كما الحال عند النكبة، تشتت العائلات وتفرقت، بعض الأشقاء غادر الى لبنان والبعض الآخر في بلدان مختلفة>·

وبين الإقامة القصرية ورحلتي العلم والعمل حكاية أخرى يرويها عناني بحرقة وأسى بالقول: الأولاد دائماً يسألون عن مصيرهم ولا يجدون الإجابة الشافية، اذا تعلمنا وأصبحنا أطباء أو مهندسين أين سنعمل؟ وهذا يختصر رحلة العلم بالتوجه الى العمل وتأمين مهنة، أحدهم يعمل في محطة بنزين، والآخر في محل لبيع الدخان، والأكبر جهاد تزوج إبنة عمه وتوجه الى غزة عائداً الى أرض الوطن لعله يجد فرصة لحياة أفضل·

العذاب: توقيف ومحاكمة وما يزيد من معاناة عناني أنه من فاقدي الأوراق الثبوتية، اذ لجأ الى لبنان في العام 1970، فيقول: ما يزيد معاناتنا في التنقل والطبابة وسواهما، اذا تنقلنا يكون مصيرنا الإعتقال والتوقيف ونحوّل الى المحكمة، فتحكم علينا بتهمة الإقامة غير المشروعة وتعاد ذات الكرة، اقامتنا تعتبر غير مشروعة، علماً أننا جئنا الى لبنان عبر <منظمة التحرير الفلسطينية> حين وقّعت اتفاق القاهرة في العام 1970، كنا أطفالاً واليوم أصبحناً آباءً ولدينا عائلات، ما ذنبها أن تتحمل تبعيات إلغاء الإتفاق؟·

ويعرض عناني بالمقابل ما يسميها هويته الغريبة التي يستطيع بها التنقل خارج المخيم، ورقة كبيرة مصدقة من الأمن العام، قبل أن يردف قائلاً: لكل العالم هويات صغيرة، إلا نحن هوايتنا كبيرة كي يتعرفوا علينا سريعاً·

ويقلب عناني كفيه وهو يتحدث عن مرارة رحلة العلاج، اذ أن وكالة <الأونروا> قانوناً لا تقدم أي خدمات لنا على إعتبارنا غير مسجلين في قيودها، ولكن عرفا يمنحون بعض التقديمات الطبية والصحية مراعاة لأوضاعنا الإنسانية الصعبة، ويقول: والله في كثير من الأحيان لا نتلقى العلاج، نتحمل الأوجاع والألم كي لا نسأل أحداً·· فيما عيادات <الأونروا> لا تقدم العلاج لأنه غير معترف بنا كلاجئين على قيودها، اليوم يُقال أن الحكومة الهولندية تكفلت بأنها ستدفع الى <مستشفى الهمشري> تكاليف علاج الذين لا يملكون أوراقاً تبوثية، وهكذا حياتنا>·

مريم: مشاكل الزواج بين الآهات والحزن تقول الزوجة مريم حوران: أنا أملك بخلاف زوجي هوية زرقاء، ولكنها لا تقدم لي الكثير أو تخفف عني المعاناة، حتى اليوم ما زال مكتوباً عليها عزباء، فيما المشكلة الكبرى في إتمام الزواج، لقد تقدم لخطوبة ابنتي الكثير من الشباب، ولكن لا أريد ان أراكم مشكلة فوق أخرى، اذ لا ينفذ عقد القران في المحاكم، ولا في دوائر النفوس، ولا في وكالة <الأونروا>، الزواج يكون عند الشيخ فقط، صعب أن يشعر الانسان كأنه لقيط أو بلا أصل، نعم إنها حياة صعبة قد تقود البعض الى اليأس والإحباط لولا الأمل والإصرار على العودة·

وأضافت: إن الذي لا يملك هوية يكون مثل الضائع تماماً، مثل اللاجىء بلا وطن، لا خدمات صحية أو تربوية أو اجتماعية، وأحياناً نبقى بدون علاج·

إيمان: الهوية الضائعة بينما تقف إيمان عناني (14 عاماً) والحزن في عينيها وتقول: أدرس في مدرسة <بيسان> التابعة لوكالة <الأونروا>، وأكثر الأحيان أكون خجولة لأنني لا أملك بطاقة تثبت هويتي، وأشعر أنه لا قيمة لي اذ لا أستطيع أن أعرّف عن نفسي كما يفعل الآخرون·

وأضافت: لقد انخرطت في احدى الفرق الفنية الفلسطينية باكراً من عمري، أردت ان أعبّر عن موهبتي وايصال رسالة في ذات الوقت إن الوطن أكبر من معاناتنا ومن أجله يهون كل شيء حتى الأرواح، ولكنني صدمت عندما لم أتمكّن من السفر مع الفرقة الى رام الله في الضفة الغربية، كانت أمنية في الحياة أن أزور بلدي وأتنفس هواءه وأشم رائحته، للأسف لقد حرمت من الزيارة·

وتابعت ايمان: تمنياتي أن أعود الى بلدي اليوم قبل الغد كي أعيش حريتي، وأتنقل كيفما أشاء بلا قيود أو إعتقال، أمنيتي أن يكون لي جواز سفر، لا أفكر بأي مستقبل لي في لبنان، المستقبل يفرض عليّ وليس بإختيار يدي·

عصام: إنسان مع وقف التنفيذ يؤكد الناشط الإجتماعي الفلسطيني رئيس رابطة <راجع> عصام الحلبي، <أن ملف الحقوق الإجتماعية والمدنية، يجب أن ينتهي بما يحفظ كرامة اللاجئ الفلسطيني، فلا يجوز أن يبقى طوال هذه العقود بلا حقوق، أو أن يبقى إنسان مع وقف التنفيذ، يمنع عليه مزاولة العمل والعيش الحر الكريم، أو التمتع بحياة انسانية، أو التحرك بحرية، أو إنجاز المعاملات دون أي تعقيدات مثل مضيفه اللبناني>·

وأضاف: إن هذا الأمر يُشكل معاناة مضافة الى حالة الفقر والمرض والفوضى الإجتماعية، التي انعكست إرباكاً في المجتمع الفلسطيني، وتصحيح هذا الخلل يكون بمنح الحقوق دون تسويف أو مماطلة··

واعتبر الحلبي <أن فاقدي الأوراق التبوثية هم أكثر فئات الشعب الفلسطيني معاناة وحرمان، لا يستطيعون العمل أو التنقل بحرية، ومعرضون للاعتقال والتوقيف في أي لحظة، لأن اقامتهم تعتبر غير مشروعة>·

th@janobiyat.com

خليل عناني يعرض بطاقة هويته الكبيرة
خليل عناني يعرض بطاقة هويته الكبيرة


بطاقة دخول عناني الى لبنان
بطاقة دخول عناني الى لبنان


مريم حوران·· المأساة في عيونها
مريم حوران·· المأساة في عيونها


ايمان عناني·· تساؤلات حول مصيرها
ايمان عناني·· تساؤلات حول مصيرها


تعليقات: