السلام المهتز بقرار ظني مفخخ


بيروت:

اسقطت المحكمة الخاصة بلبنان الهدنة السياسية التي سادت لبنان على مدى اشهر عديدة وشهدت خلالها البلد مصالحات عديدة بين خصوم سياسيين في سياق طوي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة كان ابرزها بين الرئيس سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية والرئيس السوري بشار الأسد الذي اتهم سياسيا من قبل قوى 14 أذار في لبنان بأنه يقف وراء اغتيال الرئيس رفيق الحريري في فبراير عام 2005 وعلى اثر هذا الاغتيال دخل لبنان في فوضى سياسية عارمة انقسم فيها اللبنانيون إلى معسكرين متنافرين، ولكي لايضيع دم الحريري الذي ظهر في الحياة السياسية اللبنانية كشخصية فريدة واستثنائية تجاوز حضورها لبنان إلى المسرحين الاقليمي والدولي، انشأ مجلس الأمن الدولي محكمة خاصة بلبنان وهي محكمة دولية ذات طابع دولي اقترحت للنظر في نتائج التحقيق التي تقوم به لجنة التحقيق الدولية الخاصة ومقرها مدينة لاهاي في هولندا. وقد اتفق اقطاب الحوار الوطني اللبناني الذين يمثلون مختلف اطياف الشعب اللبناني في عام 2006 على دعم وإنشاء هذه المحكمة في لبنان. لكن في اواخر عام 2007 عادت قوى 8 أذار عن دعمها للمحكمة باعلان التحالف الشيعي امل وحزب الله بالانسحاب من حكومة الرئيس السنيورة التي اقرت التعاون مع المحكمة ودعمهما في ذلك التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون بدعوى انها تعمل على تدويل لبنان وتؤدي إلى التدخل الدولي والخارجي بشؤون لبنان الداخلية. ومنذ تلك اللحظة ظهر خوف المعارضة من المحكمة وبرزت اشارات عدة تشكك في حياديتها خصوصا وان المعارضة تبنت قضية رؤساء الأجهزة اللبنانية الضباط الاربعة الذين اوقفوا في اواخر عام 2005 كمشتبه بهم في اغتيال الحريري بعد وصية من المحقق الدولي الأول في هذه القضية ديتلف ميليس بناء على افادات عدد من الشهود، واعتبرت المعارضة توقيف الضباط الأربعة توقيفا اعتباطيا لا بل وصفتهم بالمعتقلين السياسيين، وبدأت المحكمة أعمالها في 1 مارس 2009 في «لايدسندام» بضاحية «لاهاي» في هولندا في إشارة لبداية جدية للعمل على كشف الذين اغتالوا الحريري، وكانت باكورة عمل المحكمة اطلاق سراح الضباط اللبنانيين الأربعة بعد كف يد القضاء اللبناني عن القضية. واطلاق سراحهم في ابريل 2009 بدد اتهامات المعارضة بأن المحكمة مسيسة وانها تنطلق من خلفيات عدائية ضد بعض الفرقاء اللبنانيين. وعلى الرغم من ذلك استمرت المعارضة باطلاق النار على المحكمة لا سيما وان المحكمة لم تأخذ بمطالب المعارضة بضرورة محاكمة شهود الزور الذين ضللوا المحكمة باتهامهم سوريا بالوقوف وراء اغتيال الرئيس الحريري، وبلغت شكوك المعارضة حيال المحكمة ولا سيما «حزب الله» الذي يحاك ضده قرار ظني مفخخ باتهامه بانه هو الذي اغتال الحريري حدها الاقصى بعدما نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية في عام 2009 تحقيقا بعنوان «القضاء الدولي يريد القاء الضوء على مقتل رفيق الحريري»، نسبت موفدتا الصحيفة إلى لاهاي ستيفاني موباس وسيسيل اينيون إلى مصدر استخباراتي لبناني قوله ان المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة للبنان القاضي دانيال بيلمار مُنع اخيراً من استجواب ثماني شخصيات من «حزب الله وان هناك معلومات تقول ان حزب الله هو الذي اغتال الرئيس الحريري». وجاء في المقال أيضا ان «التوترات اللبنانية لم توفّر قرية لايدسندام الهادئة. ففي نهاية يناير دعا امين سجل المحكمة روبن فنسنت سكان القرية لتبديد قلقهم. وفي وقت لاحق تبين ان اشخاصاً كانوا يلتقطون صوراً لبعض الأماكن، ينتمون إلى حزب الله، استناداً إلى مصدر أمني في لاهاي». وبعيد ذلك وفي العام نفسه كشف موقع مجلة «دير شبيجل» الألمانية ، أن المحققين الدوليين في المحكمة الخاصة بلبنان توصلوا إلى استنتاج أن حزب الله هو من اغتال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، إلا أنهم يبقون على المعلومات سرية. وقالت «دير شبيجل»، بناء على معلومات تلقتها من مصادر مقربة من المحكمة الخاصة بلبنان، وتأكدت منها بعد أن اطلعت على تقارير داخلية، بأن التحقيقات المكثفة في لبنان توصلت إلى استنتاج جديد: ليست سوريا من قتلت الحريري، بل قوات خاصة من حزب الله التي خططت ونفذت الاعتداء. وقال الموقع، الذي نشر التقرير، إن المدعي العام دانيال بلمار يريد التمهل بالإعلان عن هذه المعلومات. وأضافت ان الفريق الأمني الذي يرأسه الرائد في قوى الأمن اللبنانية وسام عيد اغتيل بعد تمكنه من تحديد ثمانية هواتف جوالة، كلها تم شراؤها في يوم اغتيال الحريري من مدينة طرابلس في شمالي لبنان، وتم تشغيلها قبل ستة أسابيع من تنفيذ الاغتيال، وتم استعمالها حصرا للتواصل بين من كانوا يستعملون هذه الخطوط الثمانية، باستثناء حالة واحدة فقط، ولم يعد استعمال هذه الخطوط بعد الاعتداء. وقالت إنها شكلت الأدوات للفريق الذي نفذ الاغتيال. وقالت إنه كانت هناك أيضا «حلقة ثانية من الجحيم»، وهي عبارة عن شبكة من 20 هاتفا جوالا تم تعريفها على أنها غالبا ما كانت على مقربة من الهواتف الجوالة الثمانية الأولى. وأضافت «دير شبيجل» أنه، بحسب قوى الأمن اللبنانية، يبدو أن هذه الأرقام جميعها تعود لـ«الذراع التنفيذية» لحزب الله. وأشارت إلى أن هاتين المجموعتين كانت ترصد تحركاتهما بالقرب من بعضهما بشكل مستمر وأحيانا بالقرب من موقع الاعتداء. وذكرت «دير شبيجل» أن الشخص الذي ذكرت اسمه هو عضو في حزب الله، وقد شارك في دورة تدريبية في إيران. وقد تم تعريف هذا الشخص أيضا على أنه هو شاري الهواتف الجوالة. وقالت إنه اختفى منذ ذلك الحين، وربما لم يعد على قيد الحياة. وأضافت أن خطأ هذا الشخص أوصل المحققين إلى الاشتباه بالرأس المدبر لعملية الاغتيال الذي يبلغ من العمر 45 عاما. وهو من النبطية في جنوب لبنان، ويعتبر قائد الجناح العسكري لحزب الله ويعيش في الضاحية الجنوبية لبيروت. وقال الموقع أيضا إن عماد مغنية، الذي اغتيل في دمشق في عام 2008، كان يرأس هذه الوحدة، وبعد اغتياله تولى مهامه الشخص الذي أشرف على عملية اغتيال الحريري. وأن المحققين اكتشفوا أن عضوا من حزب الله حصل على شاحنة «الميتسوبيشي» التي استعملت في الاعتداء، كما تمكنوا أيضا من تعقب مصدر المتفجرات. وقد رفض حزب الله هذه المعلومات جملة وتفصيلا وذهب الأمين العام للحزب حسن نصرالله الذي كلفه الحزب بالامساك بهذا الملف شخصيا إلى وصف المحكمة الخاصة بلبنان بانها مشروع اسرائيلي لتدمير حزب الله بعدما عجزت اسرائيل وامريكا عن ذلك في حرب يوليو 2006. وبدأ الأمين العام للحزب هجومه السياسي على المحكمة بعقد مؤتمرات صحفية متتالية او إلقاء خطب في مناسبات تدور كلها حول المحكمة وذلك في اطار التدمير المنهجي للمحكمة ونسف صدقيتها. ونبه نصرالله من ان شيئا ما يخطط للبنان من وراء المحكمة وهو اغراقه في فتنة مذهبية وضع لها العماد ميشال عون حليف حزب الله سيناريو دراماتيكي، تتداخل فيه عناوين المحكمة وإسرائيل والداخل اللبناني، ويتمثل ذلك في تحضير بيئة سياسية داخلية للقرار الظني عبر نظرية «المجموعة غير المنضبطة»، من حزب الله ويترافق ذلك مع توتير داخلي لبناني لبناني، ولبناني فلسطيني، تبدأ فصوله من الجنوب اللبناني بهجوم اسرائيلي على لبنان . وتزايدت شكوك حزب الله من الآتي المخيف والمرعب للبنان بعد اصدار القرار الظني في سبتمبر بعد موجة اعتقال جواسيس لبنانيين يعملون في شبكة الانصالات الخلوية لصالح اسرائيل تلاعبوا بـ«داتا» المعلومات التي سيبني القرار الظني المرتقب عليها كما يقول حزب الله. و«القرار الفتنة» يتهم عناصر من حزب الله باغتيال الحريري وقال نصرالله في الاحتفال التكريمي للجرحى في ذكرى (يوم الجريح المقاوم في 16 يوليو الماضي) إن الاسرائيليين عاجزون عن مواجهة المقاومة، لذلك يراهنون على مشروع اسرائيلي آخر يدعى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. واضاف أن الاسرائيليين ينتظرون قرار المحكمة الدولية لاثارة التوترات في لبنان. والقرار الظني اذا اتهم حزب الله باغتيال الحريري فإن لبنان سيكون على كف عفريت وهذا ما بشر به رئيس الاركان الاسرائيلي جابي اشكينازي في تصريح في يونيو الماضي ان لبنان سيشهد في سيتمبر المقبل احداثا داخلية على خلفية القرار الظني في محكمة الحريري. هذا الجو الملبد يدل على ان صدور هكذا قرار ظني مفخخ، يعني سقوط السلام الداخلي اللبناني في حفرة العنف الأهلي، واعادته إلى السنوات التي كان فيها معلقا بين الحياة والموت وهي خطة اسرائيلية بامتياز وضعت بعناية دقيقة، فاسرائيل التي هزمت على ايدي المقاومين اللبنانيين والذين اسقطوا مشروعها التوسعي في المنطقة فباتت الآن تخشى على مصيرها تحاول ان تنتقم من الذين هزموها بتدمير كيانهم وانهاء الخطر المتأتي عليها من مقاومتهم، واغراق لبنان في الصراعات مجددا يفتح باب النار على المنطقة كلها تمر بمرحلة حساسة جدا من العراق إلى فلسطين إلى لبنان ومن شأن أي شرارة ان تشعل حريقا لا قدرة لأحد في السيطرة عليه واخماده. ولأن المشهد اللبناني على هذه الخطورة كان التحرك العربي السوري السعودي القطري سريعا نحو لبنان لاحتواء الأزمة وتشكيل مظلة أمان عربية للبنان في إشارة إلى ان لبنان هو تحت رعاية أكثر دولتين لهما تأثير فيه سوريا والسعودية . لكن الهواجس من عدم نجاح المظلة العربية من ابعاد لبنان عن الهاوية كبيرة لذا قد تكون الأيام المقبلة هي الأصعب في تاريخ لبنان. ذلك البلد الذي قدره دائما ان يكون ساحة صراع اقليمية ودولية

عن جريدة عمان العمانية

تعليقات: