طوني حنا: «شيخ الشباب»... بشاربيه والقبعة والعصا

طوني حنا: «شيخ الشباب»... بشاربيه والقبعة والعصا
طوني حنا: «شيخ الشباب»... بشاربيه والقبعة والعصا


حفرت السنوات تجاعيد وجهه المظلّل بقبعة أميركية... تلك السنوات نفسها جعلت الشاربين العريضين، والشعر الطويل المربوط إلى الخلف، أشدّ بياضاً. لكنّ حيوية طوني حنّا تجعلك تظنّ أنّ الرجل لا يتقدّم في العمر. كأنّه هو نفسه ذلك الشاب الذي أطلّ على اللبنانيين قبل 37 عاماً من خلال برنامج «ستديو الفن»... يدبك ويرقص ويلوّح بالعصا ويغني. «أنا اليوم لست شاباً بل شيخ شباب. ما زلت أركب الخيل، وحياتي طبيعية».

خلال الحرب الأهليّة، هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية، ومنها زار بلدان «الكرة الأرضية خمس مرات»، على حدّ قوله. انقطع عن الغناء سنوات، حتى ظنّ كثيرون أنه اعتزل الفن والغناء. إلا أنه كان يعود بتقطّع، بأغنيات من الفولكلور اللبناني والبدوي. عاد أخيراً ليستقر في قريته معاد ويفتتح مطعماً على شاطئ جبيل. هناك، يغنّي كل سبت، وهناك كان لقاؤنا.

في معاد التي تبعد نحو عشرة كيلومترات عن مدينة جبيل، ولد طوني حنا عام 1945 «أمام الشباك الشمالي. هكذا قالت لي أمي. كنت أنا آخر العنقود، إذ حملت أمي 14 مرة، وعاش منها ستة أولاد. أتذكّر كلّ شيء منذ كنت طفلاً. كان والدي يوسف حنا صادقاً ويتمتع بصوت جميل. كان يخدم القداس، ما شجعني بدوري على خدمة القداس. وعندما بلغت الثالثة عشرة، قرّر أبي أن يجعلني خوري (كاهناً). لم يكن أصلاً يملك النقود ليعلِّمني في الجامعات».

التحق الفتى طوني حنا في دير و«مدرسة سيدة لورد» في عين الرمانة، وبقي هناك ستّ سنوات. ومن خلال القداديس، تعرّف إلى وديع الصافي وزكي ناصيف. «كنت معجباً بوديع الصافي. أتى ليعترف يوم الجمعة العظيمة، وسمع صوتي وقت القداس. قال لي: صوتك جميل. تعرّقت وأردت أن أرجوه ليضع يده في يدي. قال لي: نحن أقرباء ـــــ هو أصله «معادي» من معاد ـــــ أريدك أن تزورني في الحازمية».

يتذكر طوني حنا تلك اللحظات كأنّها حدثت أمس. بتوصية من وديع، زار مكتب آل الرحباني في منطقة بدارو. وصل إلى هناك، فاستقبله عاصي. «قال: ماذا تريد أن تفعل؟ أجبته بأنني أريد أن أكون في فرقة الفولكلور وأدبك. وسأل: لماذا الدبكة؟ ألست أنت من يرتّل في الكنيسة؟ قلت: نعم. قال: أسمعني صوتك لنرى؟» كان ذلك في عام 1966. بدأ حنا ببيت «أبو الزلف»، فنادى عاصي على صبري الشريف: «تعال لترى هذا الصبي»، ثمّ قال لـ«الصبي»: ستكون معنا في «مهرجانات بعلبك» مع كورال السيدة فيروز. وكانت مسرحيّة «أيام فخر الدين» في ذلك العام.

بعد بعلبك، عرض عليه متعهّد أرمني يدعى طريان السفر إلى لندن للغناء في مطعم «عمر الخيام». وهناك بعد سنوات، التقى وديع الصافي مجدداً. سمع الصافي يغنّي «لا عيوني غريبة». دعاه وديع للعودة إلى لبنان، فكان شرط حنا أن يهديه الصافي أغنيته هذه. وهذا ما كان. في بيروت، عرّفه الصافي على رفيق حبيقة، فلحّن له «حدايا حداي»، و«لا تحلّفيني بالشنب»، و«تحت الغرة وفوق العين»... وسجّلت جميع الأغاني في أسطوانة واحدة. عرّفه حبيقة إلى سيمون أسمر الذي كان يُخرج برنامج «ستديو الفن». عرض عليه الأخير تسجيل أغنية «حدايا حداي» خلال عرض البرنامج، فاشترط طوني حنا أن يدبك ويرقص بالعصا. يومها، اعترضت سونيا بيروتي، بحجّة أن «الشعب اللبناني لا يحمل كراكتيراً مماثلاً» على حدّ تعبيرها. لكنّ طوني حنا أصرّ على أن يدبك بالعصا، فقالوا له «افعل ما تريد». «في «القنال 7» في تلة الخيّاط، غنّيت ورقصت، ثمّ سافرت في اليوم التالي. «ستديو الفن» عرّف الناس إليّ. اتصلوا بي من لبنان، وقالوا لي إنّ الناس باتوا يعرفونني. أغنيتك ضربت. وأنا لم أكن أفهم ما معنى أنّ الأغنية ضربت... فأنا نزلت من الجرد، وذهبت إلى لندن مباشرةً. في النهاية، وافقت وعدت إلى بيروت، وعشت أياماً رائعة حتّى بدأت الحرب».

اثنان يقرّ لهما بالفضل في مسيرته الفنية: وديع الصافي ورفيق حبيقة... «لم يتلقّيا يوماً أي بدل عن الألحان التي قدّماها لي». يعدّ جوقة الكنيسة مدرسته الأولى، ومعها والده المتخرّج من مدارس «الفرير» في فلسطين. «كان والدي يفهم في الألحان والموسيقى. هذه نهاوند وتلك سيغا، وهذه بيات. كان صوته رائعاً. وحتى اليوم، لا يزال أهل الضيعة يرتّلون ما علّمهم إياه». مع روميو لحود، شارك في مسرحية «سنكف سنكف» (1974) في «الإليزيه»، مع سلوى قطريب، وجورجينا رزق، وآلان مرعب، ورضا كبريت، وخطيبته سلوى نسيبة طريان. ثمّ اندلعت الحرب فسافر إلى الولايات المتحدة، ومنها إلى البرازيل، وفنزويلا، والأرجنيتن، وباقي بلدان أميركا اللاتينية، ثم أوستراليا وأوروبا...

رفض صاحب «يابا يابا له» العيش في لبنان أيام الاقتتال الأهلي. لكنه بقي يزور البلد بين الحين والآخر ليسجل أسطواناته. في عام 1986، صوّر في لوس أنجلس مع المخرج رجا زهر أغنيتين على طريقة الفيديو كليب هما «مهيراتنا وسيوفنا»، و«كانت أول فيديو كليب في الشرق الأوسط»، وبعدها «بين الرمل وبين المي»، «بثّهما التلفزيون الأردني، أما هنا في لبنان فلم يجرؤ أحد على عرضهما، ربما بسبب فشل المخرجين آنذاك»، يقول. وفي العام نفسه اشتهرت أغنيته «خطرنا على بالك». يتذكّر أنّ «الأغنية نجحت كثيراً في سوريا. أخطر مستمع هو المستمع السوري، فهو لن يصفق ويرقص على الطاولات، بل يأتي لكي يسمع».

لاحقاً، تعرّف إلى ميشال ألفتريادس. وإلى جانب اتفاقهما المبدئي على حبّ العصا، أنتج له ألفتريادس ألبومين، الأول عام 2005 حمل عنوان «طوني حنا وفرقة الغجر اليوغوسلافيين»، والثاني «طوني حنا أوركسترا نويرستان الوطنية»عام 2009. وعام 2004، شارك مع فرقة الغجر اليوغوسلافيين في المسرحية الموسيقية «رحلة الأغاني الأربع» من تأليف ألفتريادس ضمن «مهرجان بعلبك». ولا ننسى تحوّل أغنيته «يابا يابا له» إلى ظاهرة في حياة لبنان الليليّة، بعدما أعادت تانيا صالح غناءها في «ريميكس» صدر مع ألبومها «تانيا صالح» عام 2002.

لم تبدّل الغربة طبع هذا الرجل...«أكملت حياتي مع شاربي، وصوتي، وقبعتي، والعصا. ومن يعتد العصا، تجلب له الراحة». وعندما تسأله عن سر ارتباطه بضيعته، يرد: «وهل نسيت الشباك الشمالي الذي ولدت بقربه؟ لمّا أزل حتى الآن أحنّ إلى المقلاة الفخاريّة التي كانت أمي تعدّ فيها البيض المقلي».

5 تواريخ:

1945

الولادة في قرية معاد (جبيل/ لبنان).

1966

شارك في كورس «أيام فخر الدين» على مدرجات بعلبك

1973

أطلّ من خلال «ستديو الفن» على تلفزيون لبنان بأغنية «حدايا حداي»

1986

أخرج له رجا زهر «مهيراتنا وسيوفنا»، ثم كليب «بين الرمل وبين المي»

2010

سجل أغنية «شيخ الشباب» من كلمات وألحان جورج وديع الصافي وسيصوّرها في كليب قريباً

تعليقات: