معمل جلول الوحيد الذي ما زال يصنع ألواح الثلج في صيدا

ألواح الثلج داخل البراد تمهيداً لبيعها
ألواح الثلج داخل البراد تمهيداً لبيعها


ألواح الثلج حاجة لا يُمكن الإستغناء عنها صيفاً أو شتاءً..

لا تزال صناعة ألواح الثلج في أيامنا هذه ضرورة على الرغم من وجود برادات حديثة في المنازل والمطاعم والفنادق، وقد حوّلها إرتفاع درجات الحرارة والرطوبة في ظل التقنين القاسي للتيار الكهربائي وشح المياه حيناً وانقطاعها حيناً آخر، الى مهنة رائجة يزداد الإقبال عليها في هذه الأيام من الصيف، وتحديداً في شهر رمضان المبارك لتلبية متطلبات المواطنين بشكل رئيسي، بعدما كانت مقتصرة على بائعي الأسماك وأصحاب المطاعم··

عرفت صيدا معملين لصناعة الثلج منذ العام 1930، الأول قرب جسر الأولي عند المدخل الشمالي، ويعود الى إلياس الهاشم وكان ينتج نحو 1500 لوح يومياً، إلا أنّه أقفل في أوائل السبعينيات، والثاني كان يملكه آل قمبريس ولا يزال بهذه الصناعة حتى الآن، بعدما نُقل من منطقة تعمير عين الحلوة إلى المدينة الصناعية الجديدة في منطقة <سينيق>، وبات يملكه جمال جلول··

يراوح إنتاج المعمل الذي بات وحيداً ما بين 300 و350 لوحاً يومياً ويُغطي استهلاك مدينة صيدا والبلدات والقرى المجاورة من بائعي الأسماك والمطاعم، لكن صاحبه جلول يشكو من التقنين القاسي في التيار الكهربائي مثل سائر المواطنين، لأن خسائره ترتفع مع استخدام المازوت بدلاً من الربح بسبب زيادة الإقبال على الشراء··

<لــــواء صيدا والجنوب> حط رحاله في معمل جلول في المدينة الصناعية عند المدخل الجنوبي لمدينة صيدا، وواكب مراحل صناعة الثلج وكيفية بيعها وبرشها··

نار·· وثلج يقول جلول (الذي إحترف المهنة منذ 20 عاماً عندما عاد من المملكة العربية السعودية حيث كان يعمل سائقاً للمعدات الثقيلة): لقد وجدت نفسي أمام خيارين: النار أو الثلج، أي افتتاح فرن خبز أو معمل للثلج، فإخترت البرد لا الحر، لأن جاري كان خبيراً بصناعة المعامل وتركيبها فإختصرت نصف الطريق لبدء العمل وتأمين قوت يومي وعائلتي·

وانطلاقة عمل جلول في المعمل الذي كان يملكه آل قمبريس كانت من تعمير عين الحلوة على مدى 7 سنوات، قبل أن ينقله في العام 1997 الى المدينة الصناعة، ويؤكد <أن معمل الثلج يحتاج الى منطقة مفتوحة وليس مغلقة كالتعمير - أي بالقرب من شارع عام، فضلاً عن أن الأوضاع الأمنية لم تكن مريحة في ذلك الوقت لوجود أحزاب وتنظيمات مختلفة، فأقدمت على الخطوة وما زالت حتى الآن أعيش منها>·

ثلاث آلات داخل معمله المتواضع، ينهمك جلول في صناعة الثلج بأنواعه المختلفة بين ألواح متكاملة، والمبروش منها، والقطع الصغيرة من أجل تلبية إحتياجات طالبيه، وهو يستخدم 3 آلات لإنجاز عمله:

- الأولى: بركة الثلج وتستغرق صناعة ألواحه 24 ساعة، كي تتحول المياه الى قطع بيضاء جامدة وباردة، وهي تتطلب مراحل عديدة، إذ تُوضع القوالب الحديدية في بركة مياه موصلة بثلاثة <كمبروسرات> على درجة حرارة 12 تحت الصفر·· ويقول جلول: تبدأ أولى مراحل الصناعة فتتحول المياه تدريجياً إلى ألواح من الثلج يبلغ طول الواحد منها متر و10 سم، ويبلغ زنته حوالى 24 كلغ، يحتوي على 20 ليتراً من المياه، ثم تنقل من البركة بواسطة رافعة الى <مزلج> فنقوم بسحبها من القوالب قبل أن نحفظها في برادات خاصة لنبدأ بعد ذلك ببيعها كما هي أو <مبروشة> على آلة خاصة أو <مكعبات>·

- الثانية: فهي تبرش الألواح، ويشير جلول الى <أنها عبارة عن شفرة حادة من الفولاذ على قاعدة حديدية، يضغط عليها العامل فتخرج من فتحة سفلية ثلجاً مبروشاً، غالباً ما يستخدم لتبريد وحفظ السمك حتى لا يتأثر بعوامل الطقس، كما يُباع إلى المطاعم لتقديمه مع المرطبات والفاكهة التي تغمر به>·

- الثالثة: تصنّع مكعبات الثلج، التي تستعمل في المشروبات، ويُباع كيس المكعبات بألفي ليرة، وتُوضع أيضاً في أكياس خاصة من النايلون والكاوتشوك لتبريد رأس وجسم المرضى والمحرورين، كما تستعمل لحفظ جثث الموتى قبل دفنها·

تقنين وإقبال ويعترف جلول <أن الإقبال زاد على شراء ألواح الثلج في شهر رمضان المبارك خاصة منذ بداية فصل الصيف عامة مع تقنين التيار الكهربائي>·· لكن هذا الإقبال لم يتحول الى ربح مادي خالص - كما كان يرجو، إذ أن خسائره تكاد تنهكه بسبب التقنين القاسي في التيار الكهربائي، واضطراره الى استخدام المولد الخاص، وما يتطلب ذلك من مازوت·

ويوضح <لقد أصبحت أبيع أكثر من المعدل اليومي بمئة لوح، ولكن بالمقابل أدفع مصاريف إضافية، زيادة في عدد العمال وهم أربعة الآن، تشغيل المولد الكهربائي الخاص فترة أطول مع إرتفاع أسعار المازوت، وصولاً الى تشغيل المعمل على مدار الساعة، وإذ لم يفتح أبوابه ليلاً، لكن المعدات تعمل مع مناوب ليلي لأنني لا أستطيع أن أفصل الكهرباء عن المعمل أبداً>·

ويبيع جلول ألواح الثلج بالجملة والمفرق وفق طلب الزبون، ويقول: <يبلغ سعر اللوح الواحد 4 آلاف ليرة لبنانية، وأعتمد في بيع الثلج بشكل رئيسي على بائعي الأسماك طوال أيام السنة، لأنهم بحاجة الى تبريده دوماً حتى في فصل الشتاء كي لا يفسد، إضافةً إلى بعض المطاعم والمواطنين العاديين طوال الصيف، لأنهم يُفضلو أن يحفظوا اللحوم وبعض الخضار مبردة، خوفاً من التلف مع إرتفاع درجات الحرارة والإنقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، ناهيك عن أن بعض المواطنين يستخدمونه في نزهاتهم البعيدة، إذ يُحفظ لوح الثلج مأكولاتهم لمدة 24 ساعة>·

وما يزيد من عبء العمل أن جلول يجد نفسه صباح كل يوم مضطراً لإيصال ألواح الثلج الى طالبيها، يقول: لا أكتفي بإنتظار الزبائن للحضور إليّ وشراء ما يحتاجونه، اذ أقوم صباح كل يوم بجولة بواسطة سيارة مبردة على أسواق السمك والمطاعم لتزويد أصحابها بما يحتاجون إليه من ثلج، قبل أن أعود إلى المعمل، وأكمل عملي طوال النهار·

ويعترف أنه <نادم على إحتراف المهنة لأنها قاسية وتتطلب جهداً كبيراً>·· ناهيك عن العطلة <الممنوعة> عليه لا في أيام الجمعة ولا الأحد ولا الأعياد أو المناسبات، ليروي وقصة الحزن في عينيه <عندما توفي والدي لم أستطع التوقف عن العمل، حضرت الى المعمل وصنعت الثلج ووزعته على مدى 3 أيام عن روح والدي مجاناً>، قبل أن يخلص الى القول: <لن أعلّم أولادي الخمسة هذه المهنة، أو أوافق على أن يرثوها، فهي صعبة وتتطلب الإرتباط أمامها، فضلاً عن التعامل مع بعض الناس، وفي كل الأحول باتت مهنة لا تسمن ولا تغني عن جوع>·

إستعمالات الثلج لقد تنوع إستخدام الثلج قديماً وحديثاً، كصناعة البوظة العربية، حيث كانت توضع قطع ثلجية في برميل خشبي، وفي وسطه وعاء نحاسي يحتوي المكوّنات مثل الحليب والشوكولاتة والفريز، ويُحرك الوعاء النحاسي لساعات حتى يجمد ما بداخله، ويُجمع ويُدق لتنعيم البوظة بعد تجمدها، كذلك بوظة برش الثلج، حيث يملك البائع آلة يدوية ? <فأرة نجارة> مصنوعة من الفولاذ ذات شفرة حادة يقوم بواسطتها ببرش الثلج من لوح كبير على عربته، ويجمع المبروش ويضغط عليه ثم ينكهه بعصير الفاكهة المقوى بالسكر ويبيعه للأولاد مع مسكة خشبية ليتناولوها باردة·

كما كانت تُوضع قطع الثلج في أوعية بائع السوس والليموناضة لتبريدها، وكذلك لتبريد زجاجات <الكازوز> والمرطبات داخل براد مقفل، إضافةً الى تبريد المياه في المنازل، ولحفظ ما تبقى من اللحوم لدى القصابين لبيعها في اليوم التالي، وتُوضع أيضاً في أكياس خاصة من النايلون والكاوتشوك لتبريد رأس وجسم المرضى والمحرورين، كما تستعمل لحفظ جثث الموتى قبل دفنها·

Th@janobiyat.com

عمال يوضبون ألواح الثلج بعد صناعتها
عمال يوضبون ألواح الثلج بعد صناعتها


ملء القوالب بالمياه لصناعة الثلج
ملء القوالب بالمياه لصناعة الثلج


تعليقات: