أبو زاهي - المحامي ممحد الباشا
البحث في العلاقة بين أهل الجنوب وفلسطين عامة، وبين الخيام وفلسطين خاصة حديثه يطول ويمتد ويصعب أن تحدّه كلمات أو تختصره أسطر!
وسوف أحاول ما استطعت ممّا كنت أسمعه من الكبار الذين سبقونا.. أو مما علق في الذاكرة منذ أيام الطفولة أن أضيئ على بعض المحطات.. فلعلّها تؤشر إلى ما ترمز إليه هذه العلاقة من أواصر، مهما كانت جسامة التضحيات يستحيل أن تُضعف من أصالتها.. وعلى العكس، كلما ازدادت التحديات ازدادت معها هذه العلاقة رسوخاً وثباتاً على النهج.
قبل النكبة، وقبل أن تدنّس عصابات الصهاينة أرض فلسطين، كانت حيفا هي العاصمة الفعلية للعائلات الخيامية.. وكانت فلسطين مصدر رزقهم حيث لم تكن بيروت بالنسبة إليهم أكثر من مدينة يحتاجون إليها عند الضرورة في المعاملات الحكومية الرسمية... ويروى عن الكبار، كيف كان شباب الخيام في فصل الصيف عندما يعودون إلى الخيام لتمضية العطلة تعقد حلقات الدبكة والرقص الشعبي.. وفي الليالي المقمرةتصدح الأصوات بالعتابا والميجانا من منطقة "التلّ" الواقعة تحت جديدة مرجعيون في موسم "التين" وتمتد السهرات والأفراح حتى الصباح..
وعندما بوشر بتنفيذ المؤامرة الدنيئة بالتواطوء بين دولة الإنتداب "بريطانيا" والحركة الصهيونية تنفيذاً لوعد بلفور.. وكشفت العصابات الصهيونية من "هاجانا وآراغون" عن أنيابها هبّ شباب الخيام لمشاركة إخوتهم من شباب فلسطين للوقوف في وجه هذه العصابات.. ولما اضطروا للنزوح والعودة إلى البلدة كانت الصدمة كبيرة.. وأقاموا المهرجانات وجمعوا التبرعات لنصرة فلسطين.. ولعل أصدق تعبير عن هذا الترابط، القصيدة المشهورة التي كان يصدح بها حسن عبدو صالح في اللقاءات ومطلعها:
يا فلسطين الشقيقة إرفعي الأعلام واستبشري.. بالفرح ضاءت لياليكي
إلى أن يقول:
كوني أميني بتحميكي شباب الخيام في ساحة المرج ليكي تذكّروا ليكي
وهل يوجد ما هو أصدق في التعبير عن هذا الحب والوفاء..
وبالفعل فإن شباب الخيام كانوا أوفياء وأمناء على العهد وقدموا الشهداء الأبطال دفاعاً عن أرض فلسطين وكان من أوائل الذين سقطوا على أرض فلسطين ابن الخيام الشهيد حسين أبو غيدا وجريح من أل عكر، كما أنه عندما تم تشكيل "جيش الإنقاذ" بقيادة فوزي القاوقجي والنقيب محمد زغيب.. سارع شباب الخيام إلى الإنخراط في جيش الإنقاذ وقدموا كوكبة من الشهداء منهم الشهيد حسن سمور والشهيد إبراهيم عبدالله (أبو لطفو) والشهيد حسين قاسم وهبي الذي يروى عنه أنه كان قد نجا بنفسه ولكنه أبى أن يترك القائد محمد زغيب وأصرّ ن يحمله من أرض المعركة فكان نصيبه الشهادة..
كنا صغاراً ونحن نشاهد يومياً مواكب الشهداء الشجعان.. رحمهم الله جميعاً.
بعد أن تكشفت مؤامرة المجتمع الدولي ضد العرب وصدر قرار التقسيم وشرععنة قيام الدولة المسخ "إسرائيل" بدأت التداعيات على امتداد الساحة العربية وكان الإنقلاب وحركة الضباط الأحرار في مصر بقيادة المغفور له جمال عبد الناصر وترافق هذا مع ظهور عدد من الأحزاب القومية كحزب البعث وحركة القوميين العرب مع تنامي نفوذ عدد من الأحزاب القائمة كالحزب السوري القومي الإجتماعي والحزب الشيوعي وغيرها...
وقد طرحت هذه الأحزاب والحركات شعاراتها من معاداة الإستعمار والمناداة بتحرير فلسطين إلى جانب القضايا الإجتماعية.. كما انضوى أبناء فلسطين في هذه الأحزاب مؤملين في العودة إلى وطنهم فقد كان لشباب الخيام وشاباته نصيب كبير وكانوا في الطليعة كرد فعل طبيعي على محاربة الإقطاع ورفع الظلم الإجتماعي من جهة وكاستجابة إلى النضال ضد النفوذ الأجنبي الإستعماري سبيلاً إلى تحرير فلسطين التي لم تغادر ذاكرتهم.
ولذلك، عندما انطلق العمل الفدائي كان الجنوبيون ومن بينهم الخياميون المبادرين إلى احتضان هذه الإنطلاقة.. وعندما أقامت المقاومة الفلسطينية قواعد لها في الجنوب "العرقوب" تبارى الخياميون في تقديم مختلف أشكال الدعم والمؤازرة..
وللتاريخ نذكر أن أول مكتب لحركة فتح كان في الخيام.. كما احتضن شباب الخيام وشاباته هذا المكتب وأحاطوه بالرعاية... وقد دفعت الخيام الثمن غالياً لقاء تضامنها مع المقاومة حيث تعرضت للقصف والتدمير على أيدي البرابرة الصهاينة أكثر من مرة. وسقط منها الشهداء ومن منا لا يذكر الشاب المناضل الشهيد علي محمد سويد كذلك الجرحى ومنهم السيد جوهر علي قاسم الذي شاءت العناية الإلهية أن يظل على قيد الحياة.
لقد كانت الخيام دوماً هدفاً للعدو الغادر... وكان يتحين الفرصة للإنقضاض عليها والإنتقام منها... وعندما سنحت الفرصة له ولعملائه صبّوا حقدهم المكبوت ودمّروا البلدة وقاموا باغتيال من بقي فيها من عجائز وكبار السن وألقوا بجثثهم في الشوارع. كل ذلك لأن الخيام كانت شوكة في عيونهم... وستظلّ بإذن الله!
وهل يمكن أن ننسى الشهيد المناضل الدكتور شكرالله كرم؟
هذا البطل الذي أبى أن يغادر بلدته الأم رغم إدراكه لما يحيط بها من مخاطر.. والذي يروى عنه كذلك أنه رفض أن يغادر االبلدة في الحرب العالمية الثانية وظلّ صامداً يداوي الجرحى والمصابين... أليست هذه جريمة العصر؟
لقد حاول الصهاينة وعملاؤهم أن يزرعوا الذلّ في نفوس الخياميين... وبئس ما كانوا يضمرون....
لقد اضطرّ الأهالي إل مغادرة البلدة وتشتتوا بالفعل في أرجاء لبنان بحيث لم نجد بلدة أو مدينة أو قرية إلا وفيها من أبناء الخيام... وكما انتصر الخياميون على الظلم وصمدوا في وجه الطغيان فقد بقيت هاماتهم مرفوعة وأنوفهم شامخة وأثبتوا أنهم أشداء على الضيم.
وعندما قام العدو باجتياح لبنان وانطلاق حركة المقاومة الوطنية اللبنانية كان للشباب الخيامي مساهمته في صفوف المقاومة... وسقط منهم الشهداء الشجعان أذكر منهم الشهيدين قاسم باشا وابراهيم عقيل...
كما كان للخياميين مساهماتهم السياسية والعسكرية في جبهة المقاومة الوطنية وعندما انطلقت حركة المقاومة الإسلامية كان أبناء الخيام في الصفوف الأولى مع إخوانهم الذين وهبوا أنفسهم لله وآمنوا بأن الجهاد في سبيل الله هو الطريق إلى الجنة... ولم يبخلوا وكانوا الأوفياء للعهد... ويكفي الخيام اعتزازاً أن تكون أرضها هي التي احتضنت الأسرى وارتبط إسم "معتقل الخيام" كرمز للنضال الوطني والإنساني... والحمد لله الذي حوّل هذا المعتقل بعد التحرير إلى "محجة" يتبارك به الوافدون إليه من كافة البلدان وشتى المناطق.
وكان عدوان تموز.. وما أدراك ما عدوان تموز... وكان أبطال المقاومة الإسلامية في الخيام على موعد مع الوفاء بالوعد الذي أطلقه حسن عبدو صالح...
ففي ساحة المرج تذكّر الأبطال فلسطين ووعدهم لها... وكانت ملاحم البطولة حيث حطموا العنجهية الصهيونية وبددّوا صورة الجيش الذي لا يقهر إلى الجيش المنهار تحت قبضات الثوار... وكما في كل المعارك قدمت الخيام الشهيدين البطلين فؤاد عواضة وأحمد الشيخ علي إلى جنّة الخلد... وما بدّلوا تبديلا...
ولقد أصابت الهستيريا الصهاينة بعد هزيمتهم فصبّوا على الخيام حقدهم بالتدمير الممنهج الذي لم يسلم منه حجر وقد فاتهم أن يدركوا بأن الخيام في كل مرة تعود أبية ، عصيّة على الدمار وأن أبطالها وأهلها كانوا وسوف يستمرون أوفياء للقسم وأمناء على نهج المقاومة وأنهم اليوم أكثر استعداداً لتقديم المزيد من الشهداء على طريق النصر الكامل والتحرير وأنهم على موعد مع اليوم الموعود الذي يأذن فيه الله بزوال دولة الظلم ورفع راية الحق وعودة أبناء فلسطين إلى ديارهم يتقدمهم أبناء الخيام إلى حيفا مرددين أهزوجتهم:
يا فلسطين الشقيقة إرفعي الأعلام واستبشري.. بالفرح ضاءت لياليكي
منذ البداية آمن الخياميون أن المقاومة وحدها هي ضمانة النصر والتحرير وعلى النهج متابعون.
1- قد يكون سقط سهواً أسماء بعض الشهداء... فأعتذر
2- شكراً من القلب للأخ المهندس أسعد رشيدي والقائمين على الموقع لهذا الإنجاز الحضاري... وإلى الأمام!
3- شكراً لدولة قطر الشقيقة أميراً وحكومة وشعباً... أقول هذا على الرغم من أنني ما زلت أنتظر التعويض عن الأضرار التي لحقت ببيتي بسبب سوء التقدير واعتراضي منذ ثلاث سنوات، و قد أكون الوحيد بين أبناء الخيام الذي حرم من تعويض الأثاث ظلماً.
المحامي محمد علي حسين الباشا
(384946-3-961 +)
ألبوم صور عائلة المحامي محمد الباشا
تعليقات: