النيابة العامة هي الهيئة التي تنوب عن المجتمع فتنطق بلسانه وتسهر على مصالحه ويمثّلها النائب العام ووكلاؤه، ويطلَق عليها اسم «القضاء الواقف»، بينما يطلَق على قضاة المحاكم اسم «القضاء القاعد».
منذ انطلاق مهرجانات إدانة سوريا باغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005 وتولّي قوى 14 آذار حقيبة العدل، بدا القضاء الواقف في لبنان في كثير من الحالات، كأنه واقف على رجل واحدة، بحيث إنه ينوب عن فئة من المجتمع اللبناني وينطق بلسانها ويسهر على مصالحها. وفي المقابل، تُهمَل قضايا فئة أخرى من اللبنانيين ولا يجري التعامل معها بجديّة.
ما يحيّر في الأمر هو أنّ ذلك التمييز ينطلق على ما يبدو من قياس استنسابي لحجم القضايا الجنائية ومكانة الضحايا وأشياء أخرى. القضاء الواقف يغلق أبوابه أمام أناس سُجنوا نحو أربع سنوات عن غير وجه حقّ، بينما يستدعي أحدهم للتحقيق معه بحجّة أنه تجرّأ على التعبير عن غضبه، كما يعبّر كلّ من عانى آلام الظلم عبر الاحتجاز الانفرادي والتشهير ومحاولات الإذلال والتحقير.
لنجرِ عملية حسابية بسيطة لعدد الساعات لا بل الأيام والأشهر والسنين التي عمل خلالها القضاء الواقف على قضية اغتيال رئيس حكومة سابق و22 آخرين في عملية إجرامية إرهابية نُفّذت عام 2005 من جهة، وعدد الأيام لا بل الساعات والدقائق التي عمل خلالها القضاء الواقف اللبناني في قضية قتل 1191 إنسان خلال عدوان 2006.
في القضية الأولى شارك القضاء الواقف في عشرات الاجتماعات الجدية لإطلاق محكمة دولية لا سيادة للبنان عليها.
في القضية الأولى عمل القضاء الواقف إلى جانب محقّقين دوليين واستجاب لطلباتهم ونفّذ توصياتهم.
في القضية الأولى سلّم القضاء الواقف مئات ملفّات التحقيق التي أشرف عليها إلى جهات أجنبية.
أمّا في القضية الثانية، فأهمل القضاء الواقف البحث الجدي عن آلية دولية لملاحقة المجرمين.
في القضية الثانية، تجاهل القضاء الواقف صلاحيته في الطلب من الإنتربول إصدار مذكّرة دولية لتوقيف أشخاص يتحمّلون المسؤولية الجنائية عن قتل الأطفال في المستشفيات وفي سيارات الإسعاف.
في القضية الثانية، لم تنُب النيابة العامة، على ما بدا، عن المجتمع، ولم تنطق بلسانه ولم تسهر على مصالحه.
في القضيتين الأولى والثانية بدت النيابة العامة نيابة خاصّة تتحرّك وفق أمور لا تتناسب تماماً مع معايير العدالة والإنصاف.
القضاء الواقف على رجل واحدة. الرجل اليسرى تارةً واليمنى تارةً أخرى، حتى لا يتعب وينهار.
قضاء واقف على رجل واحدة، قد يصعب بواسطته الوصول إلى العدالة. ليس في قضية الحريري وعدوان تموز فقط، بل أيضاً في آلاف القضايا الجنائية الأخرى التي ينتظر ضحاياها وأقاربهم بتّها عدلياً.
تعليقات: