مثول السيّد: جهود تُسابق التصعيد

مدّعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا
مدّعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا


مثول السيّد: جهود تُسابق التصعيد

استدعاء المدير العام السابق للأمن العام، اللواء الركن جميل السيّد، للمثول أمام القضاء، أدخل ملف شهود الزور في مرحلة دقيقة، لا تجعله يكتفي ببعد قضائي فحسب، بل أيضاً ببعد سياسي. ولم يقتصر توجيه الاستدعاء للمثول على السيّد فقط، بل شمل حزب الله وسوريا أيضاً

يعود المدير العام السابق للأمن العام، اللواء الركن جميل السيّد، إلى بيروت من باريس غداً السبت. وإلى أن يعود، يُنتظر أن تشهد الساعات القليلة المقبلة تصعيداً حاداً بين الأفرقاء المعنيين بمثول السيّد أمام القضاء، وقد اتسعت مروحتهم إلى الحدّ الذي يُخشى معه أن تكون البلاد مقبلة على أزمة حقيقية، وعلاقة رئيس الحكومة سعد الحريري بدمشق أمام اختبار مؤلم.

منذ الثانية بعد ظهر أمس تلاحقت الجهود بين بعض أركان المعارضة، وشملت خصوصاً الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله والرئيس ميشال عون، إلى اتصالات مفتوحة مع السيّد في باريس، في موازاة تحرّكين حيال دمشق: أحدهما عبر اتصال أجراه مسؤول بارز في المعارضة بالقيادة السورية لوضعها في وقائع ما حصل في الساعات المنصرمة، والآخر تكليف موفد زيارة العاصمة السورية لمناقشة تطورات قضية السيّد الذي تبادل رسائل غير مباشرة مع نصر الله والقيادة السورية. ورغم اعتقاد المعنيين بالاتصالات الجارية أن دمشق لن تتخذ موقفاً علنياً إزاء ما حدث، واقع الأمر أنها في صدد توجيه رسائل حازمة إلى مَن تعدّها جهات مسؤولة عن وصول الوضع إلى ما بات عليه من تشنج وإجراءات تلقتها باستياء، وهي معني رئيسي بشهود الزور، وحضّت على استعجال طيّ هذا الملف.

وليلاً تلاحقت اجتماعات قيادات المعارضة سعياً إلى موقف مشترك من التطورات الأخيرة، وانتهت، تبعاً لمصادرها، إلى تأكيد تعاملها مع مثول السيّد أمام القضاء على أنه جزء من مشكلة وليس المشكلة برمتها. وتالياً ربطها الموقف من الرجل بموقف مماثل من ملف شهود الزور ومن المسؤولين المعنيين مباشرة بهذا الملف بغية وضع الجميع تحت سقف القانون، رافضة كذلك أي محاولة لإجراء مقايضة بين الأمرين.

وتنبئ الاتصالات الأخيرة بتصعيد بغية دفع مشكلة شهود الزور، لا مثول السيّد أمام القضاء فحسب، إلى حافة الانفجار سعياً إلى تسريع إيجاد حلول لها، انطلاقاً من تجاوز استدعاء المدير العام السابق للأمن العام إلى القضاء. ويبدو في ظنّ أوساط بارزة في المعارضة أنه لن يمثل أمام القضاء، في إشارة إلى توقع التوصّل إلى حلّ يُوقف مفاعيل هذا المثول قبل عودة السيّد إلى بيروت غداً، في ظلّ مخاوف لم تكتمها أوساط المعارضة، مفادها أن توقيف السيّد غداً واحتجازه من دون التحقيق معه السبت والأحد بذريعة العطلة الأسبوعية، ومن ثم إبقاؤه محتجزاً إلى الاثنين، يتوخى توجيه رسالة مزدوجة إلى المعارضة، لا تحجب رغبة في إذلالها وكذلك في إذلال اللواء المتقاعد. الأمر الذي يحمل المسؤول البارز في المعارضة على القول إن السيّد قد لا يمثل أمام القضاء، وإن المشكلة انتقلت ـــــ أو تكاد ـــــ كي تصبح بين يديْ رئيس الحكومة وسوريا، على الأقل بإزاء تعهّدات كان الحريري قد قطعها للأسد بمعالجة شهود الزور من ضمن آلية قضائية.

وهو مغزى التصعيد المرتقب الذي أسقط اتفاقاً على التهدئة أبرمه الحريري مع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين خليل أواخر آب الماضي، مع شعور الطرفين بأنهما لم يتبادلا مذ ذاك احترامه تماماً.

والواضح أن الأمر بات يتوقف على الإيحاءات التي سترسلها دمشق إلى مسؤولين لبنانيين لمعالجة المشكلة.

ويقارب المسؤول البارز في المعارضة الذي عمل على خط الاتصالات الداخلية، ومع دمشق، ما حدث في الساعات الأخيرة على أن قوى 14 آذار، عبر استدعاء السيّد للمثول أمام القضاء بدعوى التهجّم على رئيس الحكومة والقضاء وتهديدهما، رمت إلى توجيه أكثر من إشارة سلبية إلى سوريا في توقيت مربك للحريري:

أولاها، إظهار مفاعيل الحديث الذي أدلى به رئيس الحكومة لصحيفة الشرق الأوسط في 6 أيلول، واعترافه بشهود الزور بعد تخليه عن اتهام سوريا باغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، كأنها مجمّدة أو غير ذات جدوى. ويخوض هذا الجانب من المواجهة فريق من تيّار المستقبل لم يتلقّ بترحيب حديث الحريري إلى الجريدة السعودية وكذلك القوات اللبنانية. وأتى المؤتمر الصحافي للسيّد الأحد وحملته العنيفة على رئيس الحكومة، ما جعل هذا الفريق يتسلّح بمبرّرات صحة عدم موافقته على تنازل ثمين قدّمه الحريري للرئيس السوري، بناءً على طلب الأخير في سحور دمشق نهاية الشهر الماضي.

ثانيتها، التعامل مع استدعاء السيّد إلى القضاء على أنه ردّ مقابل للخطوة السورية المتوقعة خلال ثلاثة أسابيع على الأرجح، وهي مذكرات التوقيف الغيابية التي سيصدرها القضاء السوري في حقّ شخصيات سورية ولبنانية استناداً إلى دعاوى السيّد عليها لدى القضاء السوري منذ أكثر من سنة. وكان زوار لبنانيون لدمشق قد تيقنوا من الرئيس السوري جدّية صدور مذكرات التوقيف الغيابية في نطاق معالجتها ملف شهود الزور الذين أفضت إفاداتهم الكاذبة إلى اتهام سوريا بالضلوع في اغتيال الرئيس السابق للحكومة.

لكن صدور مذكرات التوقيف الغيابية ينطوي، في الوقت نفسه، على أكثر من دلالة سورية على أن علاقة الحريري بالأسد تمر بامتحان محرج، وتحمل بدورها أكثر من مطلب:

هل رمى استدعاء السيّد إلى موازاة مذكرات التوقيف السورية؟

ـــــ معالجة ملف شهود الزور لدى القضاء اللبناني في موازاة الإجراءات الجارية في سوريا. يتقاطع هذا المطلب مع ما يتردّد عن أن الحريري لم يشأ انعقاد مجلس الوزراء هذا الأسبوع، تفادياً لمواجهة بين وزراء 8 و14 آذار حيال ملف شهود الزور. تقاطعت كذلك معلومات أخرى في حوزة المعارضة ودمشق، عزت إحجام مجلس الوزراء عن الخوض في الملف إلى انتظار قرار قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية دانيال فرانسين استجابة طلب السيّد في جلسة المحكمة في 13 تموز تسليمه وثائق إفادات شهود الزور للمضي في ملاحقتهم أو لا. وفي ضوء قرار فرانسين يقرّر مجلس الوزراء خطوته التالية.

ـــــ حضّ الحريري على إجراء تبدلات في فريق عمله تشمل بعض معاونيه والمحيطين به، وبينهم مَن ستشمله مذكرات التوقيف السورية. وتقول دمشق إن هؤلاء يسيئون إلى علاقته بدمشق، كما إلى العلاقات اللبنانية ـــــ السورية.

ـــــ لا يسع الحريري، كرئيس للحكومة، ممارسة الحكم من غير تعويله على قاعدة متينة من الاستقرار لا يزال يفتقر إليها، بسبب مواقف بعض حلفائه الذين يضاعفون من هوّة التناقض بينهم وبين رئيس الحكومة في نظرة كل منهما إلى سوريا وتأثيرها في لبنان.

ثالثتها، تلقت دمشق بكثير من الامتعاض التصريح الأخير الذي أدلى به الشاهد محمد زهير الصديق لصحيفة السياسة الكويتية، وبدا كأنه أُخرِج فجأة من مخبئه في كندا كي يخوض في موضوع بالغ الحساسية، يتوخى اتهام سوريا بالضلوع في اغتيال الحريري الأب، وذلك بقوله إنه يملك وثائق وتسجيلات زوّده إياها وزير الداخلية السوري اللواء الركن غازي كنعان قبل انتحاره عام 2005، وتؤكد اتهام حزب الله باغتيال الرئيس الراحل وتظهر دوراً غير مباشر للاستخبارات السورية في جريمة الاغتيال.

لاحظت دمشق أيضاً في إحياء دور الصدّيق وكشفه للعلن، محاولة متعمّدة لتأكيد وجود شهود الزور، لكن من غير سوقهم إلى القضاء اللبناني، بل استخدامهم في الاشتباك الداخلي على هذا الموضوع. وهي وجدت تناقضاً صارخاً بين اعتراف الحريري بشهود الزور وبين تعويم الصدّيق، وإصرار العاملين في ظلّه على استمرار المواجهة مع سوريا وقوى 8 آذار في آن واحد.

ميرزا: وزير العدل طلب الاستجواب

«كلّ شيء سيكون وفقاً لما ينصّ عليه القانون. لن أخوض في التفاصيل أكثر، حتى لا يُفهم الكلام خطأً»... هكذا ردّ المدّعي العام لدى محكمة التمييز، القاضي سعيد ميرزا، على سؤال «الأخبار» عمّا يمكن أن يحصل إذا رفض اللواء جميل السيّد المثول أمامه، للاستماع إلى إفادته في بعض ما قاله في مؤتمره الصحافي الأحد الفائت. وعند سؤاله عمّا إذا كان سيدّعي شخصياً على اللواء السيّد، أجاب: «المسألة ليست عندي، فوزير العدل هو طلب الاستجواب بما له من صلاحية، أنا ليست لديّ صلاحية الادّعاء في هذه القضية، وبكل الأحوال في البداية يحصل استجواب، وعلى أساسه ننظر في الأمر، ثم تحال القضية على النيابة العامة المختصة، وهذه الأخيرة هي التي تقرر ما إذا كان سيحصل ادّعاء أو لا».

وأكّد ميرزا أنّ طلب مثول السيّد أمام النيابة العامة جاء بطلب من وزير العدل إبراهيم نجّار، الذي «عمل بمقتضى حقّه، وذلك بعد اطلاعنا على الشريط المسجل للمؤتمر وتفريغه حرفياً، وهذا الحق منصوص عليه في المادة 14 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذ تنص على أنّ لوزير العدل أن يطلب إلى النائب العام التمييزي إجراء التعقبات بشأن الجرائم التي يتصل خبرها بعلمه».

في المقابل، شدد السيّد لـ«الأخبار» على عدم مشروعيّة أيّ إجراء قضائي بحقّه صادر عن ميرزا، بسبب الخصومة الشخصية بينهما، وهو ما يؤدي قانوناً إلى ضرورة تنحي ميرزا عن اتخاذ أي قرار يتعلق بالسيد.

ورداً على سؤال عمّا سيقوم به، قال السيّد: «أنا عائد طبيعياً إلى بلدي في التوقيت الذي حددته سابقاً (غداً السبت)، وأنا تحت القانون، ولست مستعداً لأي مقايضة». وذكرت مصادر مقربة من السيّد أنه قد يعقد مؤتمراً صحافياً في بيروت الأحد المقبل، يعلن فيه موقفه من الإجراء القضائي الجديد.

وفي السياق ذاته، علمت «الأخبار» أن دورية من المباحث المركزية توجهت أمس، للمرة الثانية خلال يومين، إلى منزل السيّد في منطقة السمرلاند، طالبة مقابلته لتبليغه طلب الحضور إلى مركز المباحث في قصر العدل ببيروت. ولما ردّ حرّاس منزل السيّد بأنه غير موجود في منزله، طلب أفراد الدورية الصعود إلى المنزل و«تبليغ الموجودين»، فرد الحراس بأنه ممنوع على أي كان دخول المنزل في ظل غياب السيّد، فغادرت الدورية.

وبحسب قانونيين، فإن الأصول المتبعة في حالات التبليغ تقضي ببذل كل جهد ممكن لتبليغ الشخص المعني في مكان إقامته. وفي حال تعذُّر ذلك، يُلجأ إلى طرق التبليغ الأخرى، كالإبلاغ لصقاً. وفي حال تمنُّع الشخص المعني عن الحضور، تصدر بحقه مذكرة إحضار إلى الدائرة العدلية.

وحاولت «الأخبار» الاتصال بوزير العدل إبراهيم نجار طوال يوم أمس، إلا أن الوزير لم يجب على هاتفه.

من جهته، رأى عضو كتلة المستقبل، النائب هادي حبيش، أن خطوة القضاء «جاءت متأخرة، لكن أن تأتي الآن خير من أن لا تأتي أبداً»، مستغرباً تأخر القاضي ميرزا في هذا الإجراء، وخاصة أن اللواء السيّد «كان قبل شهر قد نعت ميرزا بالمجرم، وقبل ذلك أيضاً هدد وتهجّم، فلماذا لم يلاحق منذ ذلك الحين؟». وعن رأيه الشخصي في ما إذا كان اللواء السيّد سيقبل بالمثول أمام ميرزا، قال حبيش: «هو ليس أكثر من ضابط سابق، هو الآن مواطن عادي، فالدولة اللبنانية بأمها وأبيها على المحك إن لم تستطع أن تجبره على المثول، في حال رفضه ذلك من تلقاء نفسه».

في سياق آخر، أعلنت الناطقة الرسمية باسم المحكمة الدولية، فاطمة العيساوي، أمس خلال حديث إذاعي أن قرار قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان دانيال فرانسين بشأن طلب اللواء الركن جميل السيّد تسليمه مستندات عن «شهود الزور» سيصدر «في وسط الأسبوع المقبل»، علماً بأن فرانسين كان قد ذكر في جلسة الاستماع العلنية التي عقدها يوم 13 تموز الماضي أنه سيصدر قراره بهذا الشأن خلال الجزء الأول من شهر أيلول الجاري. وتساءلت مصادر معنية بالقضية عمّا إذا كان تأخير قرار فرانسين مرتبطاً بضغوط من الأمم المتحدة عليه تطالبه بتسليم الأدلة والمستندات إلى القضاء اللبناني لا إلى اللواء السيّد، علماً بأن قانونيين أكدوا عدم جواز تسليم هذه المستندات إلى المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، بسبب الخصومة بينه وبين اللواء السيّد.

تعليقات: