مشهد من الوثائقي يشير فيه سوري الى تداخل الاراضي السورية - اللبنانية.
دمشق:
خلص الوثائقي «حدوديون - أكثر من جيران» الذي بثته قناة «الجزيرة الوثائقية» أمس الأول، الى التأكيد على أن الحدود بين أي بلدين (ولا سيما سورية ولبنان) ترسمها أو تسقطها الحياة الاجتماعية: رجل سوري يتوسط أفراد عائلته، ويشير إلى أمه على يمينه، ليقول إنها ابنة لامرأة لبنانية، وزوجته على يساره ليقول إنها لبنانية أيضاً. في مكان آخر يبتسم اللبناني عمر حسين الشوم، وهو صاحب فرن على الأراضي السورية، وهو يخبرنا بأنه زوج لامرأة سورية وابن لامرأة سورية أيضاً.
في موضع آخر من الوثائقي تتحرك الكاميرا بهدوء، لتستعرض وجوهاً يعرّفنا عليها لبناني يتوسط مجموعة رجال: «أنا لبناني وهذا ابن عمي سوري، وهذا ابن خالي سوري أيضاً..» هكذا تنتقل الكاميرا بين الأراضي السورية واللبنانية. تتعدد الوجوه والأصوات، وجميعها تنتهي عند العبارة ذاتها: ما من شخص يقيم على الحدود السورية – اللبنانية، إلا ويرتبط بصلة قرابة مع آخرين على الضفة المقابلة.
يلتقط الوثائقي صلات القربى تلك ليذهب بعيداً في تأكيد مقولته التي تصدرت عنوانه: «أكثر من جيران». فتجول كاميرته ما بين قريتين حدوديتين: «مزرعة دير العشاير» وهي «قرية سورية تحيط بها قرى لبنانية من ثلاث جهات»، حسب التعبير المستخدم في الفيلم، و«دير العشاير» وهي «قرية لبنانية تحيط بها قرى سورية من ثلاث جهات أيضاً». وما بين القريتين لا يتتبع الفيلم صلات القربى فحسب، بل تداخل الأراضي بينهما وتقاطعهما في كثير من تفاصيل الحياة اليومية.
ويتناول الوثائقي نموذجاً ثانياً من خلال قريتي «طفيل» اللبنانية و«عسال الورد» السورية. وفي الأخيرة يتقاسم العيش فيها سوريون ولبنانيون، ويتقاسم أبناء العائلة الواحدة جنسية كل من البلدين. أما في «طفيل» اللبنانية فيعتمد أهلها في معيشتهم على سورية، البلد الأقرب إليهم: سواء في مدارسها أو في المعاملات التجارية والحياتية، وصولاً الى الماء الذي يشربونه، باعتباره ذا مصدر سوري، على حد تعبير شهادات من أهل القرية. وهنا يتساءل أحد أبناء المنطقة، وهو حفيد لامرأة سورية: «كيف لسياسي أن يجعلني ألغي قرابتي بجدتي؟» وتبدو هذه العبارة موجزاً لما أراد القيمون على الفيلم قوله، وقد أكدوه في أغنية المطربة فيروز الختامية: «سوا ربينا».. حتى لو كره بعض السياسيين!
لعل القيمين عل الوثائقي لم يبذلوا الكثير من الجهد «لالتقاط» الناس ممن يؤكدون هذه المقولة، ذلك لأن وحدة الشعبين على الحدود اللبنانية - السورية تفرض نفسها كأسلوب حياة فطري. وهو ما حرصوا على إظهاره عبر رصد تفاصيل الحياة اليومية «للحدوديين»، وعبر إغفال آراء أي من الجهات الرسمية في البلدين، والاكتفاء بالحديث مع مخاتير القرى.
ولكن كاميرا الوثائقي نجحت في التقاط «الفطرة» التي تقوم عليها تلك الحياة المشتركة على طرفي الحدود. فقدمت صورة غنية بالتفاصيل، أقرب إلى تلك الصورة الشاعرية التي تستهوي عادة صناع السينما الروائية، وقد ساعد في ذلك بالإضافة إلى غنى المنطقة الطبيعي، خبرة المخرج العراقي قيس الزبيدي في مجالي الفيلم الوثائقي والروائي (كتب سيناريو الفيلم ايضاً).
يعود الفيلم الوثائقي «حدوديون – اكثر من جيران» ليلتقي بالسينما الروائية مجدداً، وهذه المرة على صعيد المضمون الفكري لا الصورة، حيث يتنحى التعليق تماماً لصالح سيناريو تصوغه حوارات الناس وشهاداتهم. وبذلك يتقدم الفيلم خطوة عن الأفلام الوثائقية الكلاسيكية باتجاه أفلام الروائية. كما انه يحاكي من جهة أخرى تجربة أفلام «الديكودراما»، ولكن من دون الاستعانة بمشاهد تمثيلية، وذلك مع توافر الحوارات الغنية والبليغة التي يستطيع البناء عليها.
أعد الوثائقي الزميلان الناقد بشار ابراهيم وعبد الحميد السويس، ووضع له الموسيقى أيمن زرقان، وأشرف على تنفيذه الزميل ماهر جاموس. وهو من تنفيذ شركة «ليث للإنتاج المرئي والمسموع».
تعليقات: