رصيف المدينة موقف لسياراتها
القانون يحدد المسموح به والممنوع ركنه.. ولكنه لا ينفّذ..
يقولون إن من بين الأسباب المختلفة لاندلاع أحداث برج أبي حيدر الأخيرة، وقوع خلاف على أفضلية ركن سيارة أو مرورها. وبغض النظر عمّا إذا كان ركن سيارة هو ما أطلق شرارة الأحداث، فإن ركن السيارات تحوّل الى أزمة فعلية، تتفاقم مع مرور الزمن، مما يدفع بالمواطنين، وبمبادرات فردية، الى تثبيت عوائق في الشوارع، يحجزون بواسطتها مساحات لركن سياراتهم.
وكانت هذه الممارسة، وهي مخالفة للقانون، في وقت من الأوقات، حكراً على أصحاب النفوذ، من سياسيين وضباط ورجال دين ومراكز حزبية، إلاّ أنها انتقلت لتطال مواطنين، من أصحاب سلطات «الأمر الواقع» على مستوى زقاق أو محلة أو زاروب وذلك، بعدما اختنقت المدينة بالسيارات المستمرة في التكاثر بلا أي رادع جدي بادٍ في الأفق.
باتت رؤية مواطن يحفر في إسفلت الطريق العام ليزرع عموداً حديدياً بقاعدة ثابتة، ويقفل العمود بالقاعدة بواسطة حلقتين مترابطتين، أو يزرع عمودين بسلاسل حديدية، أو غيرها من العوائق، حفظاً لما يظنه حقاً مكتسباً له، من المشاهد الشائعة والنافرة على حد سواء.
وصارت هذه «الزراعة» المدينية تسبب العديد من الإشكالات يومياً. فهنا، صاحب محل حجز مساحة بعدما عجز عن تأمين مكان لركن زبائنه، يمنع سيدة من التوقف فيها، لأن سيارتها تسدّ واجهة محله، أو تبعد الزبائن عنه، فيقعان في تلاسن يصل حد الشتائم. وهناك مواطن «احتل» مساحة على الإسفلت بواسطة حوضي مزروعات، ظناً منه أنه ورثها عن والديه، لأنه صودف وقوعها قرب منزله أو دكانه. وثالثٌ قرر، بمبادرة فردية، تنسيق مساحة لركن سيارته، بالتناوب مع جاره، يحجزانها بينهما، فغضب جار ثالث وناصبهما العداء.
عندما يعجز النظام عن تطبيق القانون على «كبار» المواطنين فإن المواطنين العاديين سيسلكون حتماً جادة الفوضى نفسها. ترابط النظام العام يشبه حبات الحلي في خيط العقد. انقطاع العقد وسقوط حبة من حباته يؤدي إلى سقوط الحلي كلها.
موقف.. بالقانون
تؤكد مصادر دائرة السير التابعة لمصلحة الهندسة في بلدية بيروت أنه بين الفترة والأخرى، يصدر محافظ بيروت مذكرة يتوجه فيها إلى قائد شرطة بيروت، طالباً إزالة العوائق غير القانونية. غير أن الطلب لا ينفذ بحسب ما هو واضح، لأسباب لا يعرفها إلا الضالعون في نفوس المسؤولين وسلطات النافذين.
وبين ما هو قانوني وما هو غير قانوني، تدور إطارات سيارة المواطن العادي، المؤمن بالنظام والقانون، ولا تجد مكاناً لتركن فيه في المدينة المحجوزة لـ«خوازيق» السلطة والأمن والأقوياء.
فقد فرضت المادة 19 من المرسوم الاشتراعي رقم 148، الصادر بتاريخ 16/9/1983، الخاصة بقانون البناء والمعدلة بموجب المادة الأولى من القانون رقم 523 الصادر بتاريخ 6/6/1996، إنشاء مرأب لوقوف السيارات في الأبنية التي تقام في جميع المناطق. وتستثنى من هذا الموجب، بعض الأبنية في حال وجود استحالة أو صعوبات فنية قاهرة تحول دون إنشاء المرأب، شرط أن يفرض في هذه الحالات رسم خاص تستوفيه البلدية أو المحافظة أو القائمقامية خارج النطاق البلدي. ويحسب الرسم على أساس المساحة المتوجبة للمرأب. وتوضع الرسوم المجباة في حساب خاص في موازنة البلدية أو في صندوق خاص في المحافظة أو القائمقامية، خارج النطاق البلدي، ولا يمكن استعمالها إلا لإنشاء مرائب جماعية. والمواقف الجماعية في بيروت تبقى أقرب إلى الخيال.
ويحظر القانون حجز المواقف الخاصة للأفراد والمؤسسات في الشوارع. أما المواقف المحجوزة التي يسمح بها القانون في بيروت الإدارية، فيجب أن تحصل على موافقة المحافظ، وتتوزع على عدة فئات. ولا يملك المجلس البلدي في بيروت صلاحية منح هذا النوع من التراخيص. إذ أن المحافظ هو رئيس السلطة التنفيذية في بلدية بيروت ورئيس الموظفين فيها. وفيما يدير المجلس البلدي ورئيسه الأملاك البلدية، يدير المحافظ الأملاك العامة من طرق وأرصفة.
النوع الأول من التراخيص التي يمنحها المحافظ هو «موقف للمعوق» الذي يقود سيارته بنفسه وتكون إعاقته حركية (في رجليه). الترخيص في المبدأ محق، لكن يتوجب التذكير بأن المادة 49 من القانون 220 الذي صدر بتاريخ 29/5/2000، والذي يشكل الإطار التشريعي العام لحقوق الأشخاص المعوقين في لبنان، تنص على التالي: «يحق لكل شخص مزود ببطاقة المعوق الشخصية وببطاقة الموقف الخاص أن يتقدم إلى البلدية (أو أي مرجع مختص) في مركز سكنه بطلب لحجز موقف واحد خاص له في الموقف المخصص لمركز سكنه الأقرب إلى المدخل، أو على مسافة أقصاها خمسون متراً إذا لم يتوفر موقف خاص، يمكن أن يكون على الطريق العام، شرط ألا يتعرض ذلك للسلامة العامة».
أي أن مادة القانون لم تخصص إعاقة على حساب أخرى. فيحق للشخص الكفيف مثلا أن يشتري سيارة لتلبية تنقلاته، وأن يسجلها باسم أحد أقربائه، لأنه لا يملك القدرة على قيادتها، ويبقى حقه ثابتاً في الموقف، مثل حق صاحب الإعاقة الحركية، غير أن هذا البند من القانون لا ينفذ.
أما النوع الثاني من التراخيص فيشمل موقفاً ثابتاً لسيارة عمومية أو سياحية، تابعة لمكاتب تأمين «التاكسيات» عبر الهاتف. فيتم دفع بدله بشكل سنوي، وترتبط القيمة المدفوعة بتخمين المتر البيعي للعقار الذي يتواجد فيه المكتب، فتختلف قيمة البدل بين منطقة وأخرى.
كما تُمنح التراخيص للصيدليات ضمن صيغة «موقف لحظة». وتم تخصيص هذا النوع من المواقف، بعد اتفاق بين نقابة الصيادلة ووزير الداخلية والمحافظ (هناك 217 صيدلية في بيروت الإدارية، بحسب نقيب الصيادلة زياد نصور)، ويشترط أن تظل السيارة المركونة قرب الصيدلية مفتوحة النوافذ ويحظر إقفالها.
كما أن هناك مذكرة صادرة عن المحافظ تمنع الوقوف أمام مداخل الفنادق، لكنها تسمح بتوقف الآليات (سيارات أو حافلات) لبرهة، من أجل إقلال الركاب وحوائجهم وإنزالها. وتشترط المذكرة أن يظل محرك السيارة شغالاً.
في السابق، كانت تراخيص المواقف الخاصة تُمنح لسفارات الدول والقنصليات، بعد مراجعة وزارة الخارجية، للتأكد من أن دول هذه السفارات تعامل السفارة اللبنانية على أرضها بالمثل.
وبحسب مصادر دائرة السير التابعة لمصلحة الهندسة في بلدية بيروت فإن عدد تراخيص «موقف لحظة» للصيدليات لا تزيد عن الستين، ومواقف المعوقين لا تزيد عن المئة، أما مواقف «التاكسيات» فبالكاد تصل إلى ستة أو سبعة.
قانون.. خاص
رغم ذلك، «يتزين» العديد من شوارع المدينة بأنواع من العوائق يعود القرار فيها إلى المحافظ نفسه. وتوضع بتنسيق ما بين «دائرة السير التابعة لمصلحة الهندسة» في بلدية بيروت، وشرطة بيروت. ومن هذه العوائق، تذكر الأعمدة الحديدية المزروعة عند أطراف الأرصفة، من أجل منع توقف السيارات عليها، والعوائق الحديدية من نوع «ربع دائرة» الهادفة إلى منع وقوف السيارات في النقاط التي تسبب ازدحاماً في الطرق الضيقة والرئيسية. لكن، أثبت هذا النوع من العوائق عدم جدواه، لأن السائقين يركنون سياراتهم بالقرب منها، ما يسبب بزيادة الازدحام بدلا من التخفيف منه.
وفي مناطق أخرى، يُزرع «ربع الدائرة» أو الكتل الإسمنتية لأسباب أمنية، كما هي الحال في منطقة «سوليدير»، أو في محيط دار الفتوى في عائشة بكار، أو في محيط السفارة المصرية، أو في منطقة المنارة حيث يقطن النائب مروان حمادة.. وتوضع هذه العوائق «الأمنية»، بعد استشارة كل من جهاز أمن السفارات وقيادة شرطة بيروت، التابعين للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، اللذين يعطيان رأيهما في الموضوع.
يجب ألا ننسى أيضاً عدادات السير المدفوعة، إذ يبلغ عددها في بيروت الإدارية وحدها نحو 685 (يعمل معظمها من التاسعة صباحاً حتى الرابعة من بعد الظهر، ويتواجد 85 عداداً من بينها في «سوليدير»، تدير عملية الوقوف منذ التاسعة صباحاً حتى الحادية عشرة قبل منتصف الليل). تخصص الآلة الواحدة من هذه العدادات لسبع سيارات، ما يعني أن 4795 مكاناً لركن السيارات في الشوارع بات مخصصاً للمساحات المدفوعة خلال النهار، باستثناء أيام الآحاد والأعياد الرسمية.
القاضي.. حرّ
القانون يمنع إقفال الزجاج وإطفاء المحرّك في موقف الصيدلية
تعليقات: