نجدي منقذاً بعض حاجياته
خلال الحرب (أرشيف - مروان طحطح)
يجلس محمد عبد الحسن نجدي، أبو بلال، على مدخل إحدى مؤسسات بيع الأدوات الإلكترونية. يشغل الرصيف بنارجيلته «العجمي»، يتأمّل المارة، فلا يسلم أحد من سكان الحيّ من تحيته.
نعرض عليه صورة فوتوغرافية التقطت له في حرب تموز. ينظر باستغراب، يبتسم، يتمتم كلمات غير مفهومة «يومها كنت آخذ بعض الملابس واللوازم من المنزل» يقول. يومها أيضاً كانت المقاتلات الإسرائيلية تحلّق فوق رؤوس المواطنين، و«أم كامل» تلاحقهم من زاوية لأخرى.
يبدأ المصوّر بالتقاط بعض الصور، فـ«يعرّم» أبو بلال على الكرسي البلاستيكي، من دون النظر إلى عدسة الكاميرا، ويروح يستعيد أحداث الحرب.
في ليل 12 تموز، نقل أبو بلال زوجته وأولاده الخمسة من منزله في منطقة حارة حريك إلى منزل أحد الأقارب في «حيّ السلّم»، وبقي وحيداً في بيته يتابع الأخبار عن غارات إسرائيلية يتعرّض لها مطار بيروت.
في اليوم التالي عادت العائلة إلى المنزل، لأنّ القصف على مطار بيروت الدولي لم يعد يحتمل «انتقلت والعائلة إلى إحدى المدارس في منطقة برج أبو حيدر بالقرب من جامع الأحباش».
في المدرسة، كان أبو بلال يصبّح زوجته يومياً بعبارة «أريد أن أتمشى قليلاً في الحديقة»، كأنه يطمئنها إلى مكان وجوده، ثم يتوجه مباشرةً إلى الضاحية ويتفقّد الأضرار ويتابع آخر تطوّرات المعالم الجغرافية للمنطقة، ليعود عصراً إلى المدرسة حاملاً بعض اللوازم والمواد الغذائية.
وصف الدمار والأضرار اللاحقة بالممتلكات أمر بديهي، إلا أنّ أبو بلال استبدل الإحساس بالخوف بالشعور بالانتصار، فـ«السيّد وعد بالانتصار وتحقّق الوعد». يشكر للسيّد حسن صدقه «مهما تحدّث، كلامه جوهرة والله يطوّل عمره».
عمل أبو بلال طوال فترة وجوده النهاري في الضاحية على مساعدة أهالي المنطقة في استخراج لوازمهم «لم أسمح لأي شخص غريب بالاقتراب من المنازل أو سحب أي غرض». خلال العدوان، استهدفت الطائرات الإسرائيلية قرية صريفا، فاستشهد عدد كبير من أقارب أبو بلال.يقول «أردت التوجه إلى الجنوب»، إلا أنّ زوجته لم تسمح له بـ«ضرب جنون» كهذا، فصادرت أوراقه الثبوتية وشلّت حركته، فاكتفى بزيارة عدد من أقاربه النازحين إلى «الجبل».
في الضاحية، شاهد الصواريخ الاسرائيلية تنهمر على المباني، وكان أكثرها ألماً سقوط المبنى المقابل للمؤسسة حيث يعمل. تهاوت الطبقات بالقرب منه وتصاعد الدخان. لا يمكن وصف تلك اللحظات، لكن يمكن تصوّر المشاعر التي انتابته حينها، الطائرات لا تزال في الجوّ فلا يمكن الهرب، والمباني تتهاوى في المحيط. انتظر محمد دقائق عديدة قبل أن يتمكن من الخروج إلى أوتوستراد هادي نصر الله والعودة سالماً إلى عائلته حاملاً ربطة خبز وبعض المأكولات.
لدى أبي بلال كلمة أخيرة للإسرائيليين: «أأطلب من الله أن يذلّهم؟ فقد أُذلّوا ذلّ الكلاب».
وها هو عاد اليوم إلى المكان نفسه
(مروان طحطح)
تعليقات: