وئام وهاب
المكان في بئر حسن مزدحم. أسفل المبنى يكثر الشبان، جالسين وواقفين. وتكثر العوائق والسيارات المركونة. وفي المكتب ازدحام شبان يتحركون بين الغرف التي أولاها واحدة صغيرة مرفوع على جدار فيها صورة «رئيس تيار التوحيد»، بخديه الممتلئين.
ازدحام شبابي يكاد يوحي بسيطرة أمنية، لكنه غير مقنع. لا يبدو هؤلاء من المحترفين بقدر ما يبدو أنهم من المتفرغين الذين يحبون الزعيم.. ابن الضيعة مثلاً.
صورة «وئام وهاب» نفسها تضيع بين «رئيس تيار التوحيد» الذي يحتاج الواحد إلى جهد كبير وتسامح أكبر كي يقتنع بأن هذا التيار موجود حقاً، وبين «وئام وهاب» النجم الإعلامي المتنقل بين المحطات التلفزيونية بابتسامته الساخرة ولسانه الحاد، وبين «وئام وهاب» السياسي الدرزي «المعجزة» الذي قرر أن بامكانه شق طريقه المجنون في الجبل الدرزي ضد وليد جنبلاط، زعيم الجبل الأوحد، وشريكاً للأمير طلال في الموقف السياسي ومنافساً له في الشعبية والقاعدة شبه الواحدة.
الصحافي الذي انقلب سياسياً اقل ما يقال فيه إنه شرس، لديه سيرة ذاتية بصفته رئيس تيار التوحيد على موقعه الالكتروني. هذه السيرة تخلو من أي عبارة متواضعة، بدءاً من عنوانها «وئام وهاب المارد في زمن الأقزام» وانتهاء بسطرها الأخير: «وتسألون عن رئيس تيار التوحيد اللبناني؟ هوذا بعضه».
لا يُركن إلى هذا النص التبجيلي بالطبع في التعرف على وئام وهاب. وهو لن يقتبس منه ليجيب عن السؤال: لماذا أنت ظاهرة في السياسة اللبنانية؟
يعدد أسبابه: صراحته في طرح الأمور، وثبات موقفه وقراءته الصحيحة للتطورات، اضافة إلى أنه حالة تمرد لم تمر في تاريخ الطائفة الدرزية.
ماذا عن دوره «كمرسال مراسيل السوريين»؟ ينفي الزميل السابق في «السفير» و«الديار» و«نداء الوطن» و«تلفزيون المشرق». يقول إن مثل هذا الوصف لا يزعجه لأنه يعطيه بعداً أكبر، لكنه ليس كذلك. يكرر: هي قراءته الثاقبة لتطور الأمور، تجعل منه أشبه بجرس انذار مبكر، يقول ويضحك.
يعمل وحيداً. يقرر أنه ينبغي كسر الرهبة المحيطة بديتليف ميليس الذي كانت شخصيات في المعارضة تتوجس حتى من ذكره خوفاً من استدعائها واعتقالها. يصوغ العبارة التي ستكسر الهيبة قبل يومين من رميها: «المحكمة الدولية وصرمياتي سوا». هكذا، فجر ابن الجاهلية الشتيمة الدولية، وفي باله أنه سيواجه بالسلاح أي محاولة لاستدعائه من قبل لجنة التحقيق. طلب من الشباب تجهيز مغاور في الجبل بالطعام والعتاد اضافة إلى نصب كمائن على طريق الجاهلية لمن قد يأتي الى القرية بمهمة القبض عليه. لم نشهد وزير البيئة لأربعة أشهر متوارياً في الجبال محارباً لجنة التحقيق لأن هذه لم تستدعه. غير أنه يمكن لموقف مثل هذا أن يشهد على المقاتل في صفوف الحزب الاشتراكي في الثمانينيات، وهو يذهب إلى آخر أحد اللونين الضدين، لأنه لا يجيد الوقوف في المناطق الرمادية.
في جرأته الشديدة على الصمود أمام جبل وليد جنبلاط، لم يكن وئام وهاب انتحارياً. سوريا وحزب الله جدار قاس لمن يريد أن يستند اليهما. وئام وهاب قاد حربه لوحده، وعلى طريقته في التعبير. ومن كان واثقاً ومعتداً حتى في اسوأ ايام سوريا في لبنان، لن يكون بعد سنوات الجنون الخمس إلا منتشياً حد الثمالة بغلبة خطه على من يسميهم «العصابة». لا يبدو عليه أنه سيخفف من حدة خطابه السياسي، بعدما خاض حرب دفاعه عن سوريا في لحظة انتحارية كانت فيه دولة مهزومة ومحاصرة.
وهاب، اذ يجلس إلى الكنبة السوداء في مكتبه، ينتصب امامه جدار من دروع التكريم والسيوف المذهبة قدمتها له مدن وقرى سورية. هذا الجدار سند لحاضره ومستقبله السياسيين بالطبع. زعامة الجبل لم تعد أحادية، وهي ليست ثنائية «بعكس الوهم عند الأمير طلال ارسلان، لان الثنائية لا تكون بين سبعين بالمئة من جهة، وخمسة أو سبعة بالمئة من الجهة الثانية». السوريون مع التعددية هذه المرة. «الرئيس» يقول إنه يعمل على مأسسة تياره. يمكن الابتسام للطموح بالمأسسة، ويمكن التفكر أيضاً بأن وئام وهاب ظل يزرع طوال أكثر من خمس سنوات، وهو ينتظر، في الزمن الآتي، حصاداً وفيراً.
غير أن وئام وهاب لا يبدو مهتماً بهذا الحصاد الآن. لا يريد شيئاً، وأكثر ما يصل إليه الدرزي هو الوزارة، وقد صار وزيراً. كل ما حققه كان خارج الوزارة. الرجل صريح. يقول إنه استفاد من الظرف السياسي الذي مر. في خمس سنوات كثيفة حقق ما لم يكن ممكناً في عشرين سنة. لطالما تقدم في موقفه على حلفائه، ولطالما عاتبوه، وعادوا ليكتشفوا صوابية موقفه. السوريون، من جهتهم، لم يطلبوا منه يوماً ان يقول ولو كلمة. يحلف بأولاده. وحده كان يحدد السقف المسموح، لأنه ما كان يريد توريط دولة لها حساباتها المعقدة كسوريا في مواقف يطلقها هو. حزب الله لم يطلب منه أيضاً، بل على العكس، فإن الحزب يسعى دائماً إلى فرملته. هذا ليس بالضرورة موقف طائفة الحزب. وئام وهاب نجم يلتقط الناس في الضاحية وفي الجنوب الصور التذكارية معه. جمهور المعارضة يثني على ما يسمعه منه. كأن وئام وهاب جالس في قلوبهم، يسمع ما يدور فيها من كلام.
بعد ساعتين من الحوار، ينزل التعب والضجر على الرجل. ليس أمام عدسة بث مباشر وليس أمام خصم. يبدو أقل تحفزاً وأكثر هدوءاً. وجهه الممتلئ وابتسامته الحاضرة، وزيه «السبور» وشبه تمدده على الكنبة، لا يحيلان إلى زعيم، بقدر ما يحيلان إلى ابن قرية ارتمى في شأن عام في زمن صعب، وظل على قرويته، كلامه على رأس لسانه، وهو دائماً مستعد لخناقات كبيرة، غير محسوبة النتائج، دفاعاً عمن يتحمس في حبهم، وبحثاً عن مكان يمكن رؤيته منه، يقف عليه وحيداً موحداً.. نجماً بين الموحدين.
تعليقات: