مستشفى صور الحكومي: شهداء الجنوب في قلبه

 ورود على نعش الشهيدة نظيرة حسين برّو قبل دفنها كوديعة (م.ع. م)
ورود على نعش الشهيدة نظيرة حسين برّو قبل دفنها كوديعة (م.ع. م)


في اليوم التاسع على الحرب، امتلأت «برادات» مستشفى صور الحكومي وبعض الشاحنات المبردة بجثث المجازر المتنقلة من زبقين إلى مروحين وصور وعدد من قرى بنت جبيل وغيرها.

المستشفى الذي يديره الجيش اللبناني، يقع في وسط مخيم البص للاجئين الفلسطينيين. وقد تحول خلال أيام الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان، إلى ما يشبه محطة لإرسال مشاهد وصور الهمجية الإسرائيلية إلى كل أنحاء العالم، من استقبال جثث الشهداء والضحايا إلى دفن «الوديعة» إلى نقل الجثامين إلى بلداتهم وقراهم المترامية جنوبا وشمالا.

ولم تكن المهمة التي ألقيت على عاتق المستشفى سهلة خاصة أن أعداد الجثث التي وردت في سجلات التدوين بلغت 428 جثة غالبيتها من الأولاد والأطفال.

في خط مواز لعمل المستشفى ورئيسه الرائد سلمان زين الدين والكادر الطبي والممرضين والمساعدين، كان عناصر الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني يجولون على طرقات الموت لنقل الجثث العالقة في السيارات أو تحت ركام المنازل.

فاجأت ضخامة الحرب وما حصدته من شهداء، المعنيين بمتابعة ملف جثث الشهداء على الرغم من الإجراءات السريعة التي أخذها المستشفى الحكومي بالتنسيق مع المستشفيات الخاصة في كل من صور والزهراني. تراكمت جثث الشهداء مع استحالة دفنها، وحتى استحالة التعرف إلى أصحابها في كثير من المرات.

في 19 تموز ,2006 وصلت الأمور إلى طريق صعب. ضاقت البرادات بالجثث وباتت الروائح المنبعثة تشكل خطرا صحيا، وأصبح الحل مطلوباً.

اقترح احد العاملين القدامى في المستشفى دفن الجثث في محيط المستشفى مؤقتا لا سيما ان عدداً من الرفات لا تزال منذ الاجتياح الإسرائيلي في العام .1982 وهكذا كان، بعد قيام رئيس المستشفى والعاملين ورئيس لجنة دعم المستشفى رئيس بلدية صور عبد المحسن الحسيني بالوقوف على رأي أهالي الشهداء والمراجع الدينية التي افتت بجواز الدفن في مثل هذه الاحوال فكانت عملية دفن الوديعة الاولى في 21 تموز لـ72 جثة في مساحة من الارض قبالة ثكنة بنوا بركات التابعة للجيش اللبناني.

يستعيد المدير الاداري في مستشفى صور الحكومي الدكتور مصطفى جرادي عمل المستشفى وما رافقه من محطات ومخاطر وعذابات للأهالي الباحثين عن جثث شهدائهم.

يقول: عند بدء العدوان وقصف الجسور ادركت ادارة المستشفى ورئيسها الرائد زين الدين وجوب الاسراع بإجراء خطة عمل متكاملة، وهذا ما حصل بعدما دعي إلى الاجتماع ممثلون عن مستشفيات المنطقة، حيرام ـ نجم ـ جبل عامل ـ الصليب الأحمر ـ الدفاع المدني ـ جمعيتي الرسالة والمهدي وآخرين.

ويشير جرادي إلى اعتماد آلية عمل وزعت على محاور اولها تجهيز المستشفيات بكل المواد الطبية والغذائية اللازمة تكفي لاكثر من ثلاثة اشهر واخلاء المرضى العاديين واقامة غرفة طوارئ مركزية في المستشفى وتحضير البرادات لحفظ الجثامين في مكان واحد وهو المستشفى الحكومي لتسهيل التعرف على الشهداء وتأمين سيولة مالية للمستشفيات عبر وزارة الصحة اضافة إلى تجهيز الكادر الطبي الملائم.

وعن احوال مستشفى صور الحكومي يقول الدكتور جرادي قبل الحرب يقول: كانت لدينا مشرحة تتسع لثلاث جثث وكادر طبي مؤلف من ثمانية اطباء وأكثر من 30 ممرضا وعاملا صمدوا اثناء العدوان. ومع ارتفاع عدد الجثث وخاصة بعد مجزرتي زبقين ومروحين وصور واستقدام عشرات جثث الشهداء من القرى والبلدات استعنا ببراد من بلدية صور وبراد آخر أمنته الهيئة العليا للاغاثة. لكن جميع هذه البرادات توقف استيعابها لجثث الشهداء التي وصل عددها في الاسبوع الاول إلى اكثر من 150 جثة. ويضيف: عند قرار دفن «الوديعة» واجهتنا مشكلة تأمين النعوش الخشبية لا سيما ان كافة مناشر الخشب مقفلة. لكن، وبعد جهود رئيس بلدية صور وادارة المستشفى استطعنا تأمين الخشب من احد محال صور ومخيم البرج الشمالي حيث قام الجميع بمن فيهم الاطباء والمتطوعون بتجهيز النعوش وترقيمها ووضع بلوكات حديدية لتحديد هوية كل جثة.

وقال جرادي ان دفن «الوديعة» شمل اكثر من 140 جثة توزعت على ثلاث مراحل: 72 جثة في 21 تموز و33 جثة في 29 تموز و30 جثة عشية وقف النار في 13 آب. جميع هذه الجثث تم التعرف على اصحابها ولم يسجل اي خطأ او بقاء اي جثة مجهولة الهوية على الرغم من الاحتراق الذي اصاب العشرات منها وخصوصا شهدا ء مروحين.

يستذكر جرادي تأجيل عمليات الدفن التي تأجلت اكثر من مرة بسبب حالات منع التجول التي فرضها العدو الإسرائيلي في الايام الاخيرة للعدوان وتهديده قصف التجمعات البشرية.

أبو شادي

مشهد المستشفى يرتبط وثيقاً بصورة «ابو شادي».

نـــادراً ما خلت الصور الصحافية من وجهه. أبو شـــادي اســـم من الاسماء الـــتي ارتبـــطت بأيام العـــدوان والبحث والتدقـــيق في جثـــث الشهـــداء. هو عنصر في الدفـــاع المدني اللبـــناني. هو الذي كان يقـــوم بتقليب الجــثث وحــملها ووضــعها في البـرادات.

يقول ابو شادي: رائحة الموت استوطنت في داخلي وعندما امر من المكان احس بوجع كبير خاصة عندما استعيد صور الشهداء الاطفال الذين مزقت اجسادهم الصواريخ والقذائف الإسرائيلية. يضيف: عقلي تغلب على عاطفتي نظرا لحجم الكارثة التي كانت تستدعي التركيز والقيام بالواجب لجهة تحديد هويات الشهداء ونقلهم. يتابع ابو شادي ان الشيء المهم هو التعرف على كل الجثث.

تعليقات: