قلعة الشقيف كما تبدو من الجو

النبطية:

تعكس ورش الأشغال والتأهيل القائمة في قلعة الشقيف - النبطية اليوم، صورة مشرقة لإعادة الإعتبار لصرح تراثي ? تاريخي، لم يقوَ العدوان ولا الإحتلال الإسرائيلي ولا الإهمال الرسمي ولا الخراب بفعل الطبيعة ويد الإنسان، من النيل من شموخه، الذي يبقى رابضاً كما هو على مرتفع شاهق يطل على معظم المناطق الجنوبية، وسيرسم بفعل هذا المشروع الذي تموّله دولة الكويت عبر <الصندوق الكويتي للتنمية الإقتصادية> طريقاً جديداً لخارطة السياحة في الجنوب اللبناني··

الورشة التي انطلقت منذ مطلع شهر أيلول الماضي، تولتها شركة <ورد للإعمار>، وكانت تتويجاً لمساعي وزارة الثقافة ومديرية الآثار ونواب وفاعليات المنطقة، وهي لم تتوقف منذ إندحار العدو الإسرائيلي عن إحتلاله لقلعة الشقيف في أيار 2000، وأثمرت موافقة غير مسبوقة من قبل <الصندوق الكويتي للتنمية> على تبني مشروع لأول مرة خارج آلية عمله التي تنحصر - على الأقل في لبنان - بالعمل الإنمائي والخدماتي والعمراني، وأضيف لها مع قلعة الشقيف البعد التراثي··

بهبة كريمة من دولة الكويت عبر <الصندوق الكويتي للتنمية> وبمساهمة من وزارة الثقافة و<مجلس الإنماء الإعمار> وبرعاية السيدة رندة عاصي بري، تم وضع حجر الأساس لمشروع ترميم وتأهيل قلعة الشقيف ? النبطية بتاريخ 28 آب 2010، بحضور عدد من الوزراء والنواب والفاعليات··

نسلط الضوء على اعادة الترميم والتأهيل عبر عدد من اللقاءات مع المعنيين··

الحصن الجميل تُعرف قلعة الشقيف في المراجع التاريخية بإسم قلعة بوفور أي - الحصن الجميل، وهي قلعة قائمة على صخر شاهق <شيار> يُشرف على نهر الليطاني وسهل مرجعيون ومنطقة النبطية من جهة أخرى· لكن هندستها التي تلتوي مع الجبل، وتشييد جدرانها بالصخور المحلية، تجعلها تبدو كأنها <مخبأة> بين حنايا الصخور، فيما يُرى المعلم من على بعد مسافات بعيدة· وهي قلعة قديمة بناها الرومان وزاد الصليبيون أبنيتها، ورممها فخر الدين المعني الثاني·

تعرضت القلعة للتخريب من قبل العدو الإسرائيلي، إذ تم قصفها عدة مرات قبل إجتياح العام 1982، وقد استهدفتها قوات الإحتلال الإسرائيلي بقصف مركز أثناء اجتياحها الأول لجزء من الجنوب في العام 1978، مما أدى إلى تعرضها لعشرات غارات الطائرات الحربية الإسرائيلية التي لم تتمكن من إصابتها، نظراً لموقعها الجغرافي المهم·

وبين العامين 1975 و1982 تعاقب على التواجد في القلعة <جيش لبنان العربي> و<أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية> والتنظيمات الفلسطينية المختلفة، وخلال هذه الفترة تعرضت القلعة لشتى أنواع الإعتداءات الجوية والبرية الإسرائيلية العنيفة، التي أدت إلى تدمير معظم آثارها ومعالمها التاريخية الهامة·

ومع بداية الإجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، قدّمها رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن هدية لقائد المليشيا العميلة سعد حدّاد، تقديراً لخدماته تجاه العدو ضد أبناء منطقته، ثم استخدمت كموقع عسكري من جانبهم· وعملت حينها قوات الإحتلال الإسرائيلي بجهد على تدمير معالم هذه القلعة، حيث تداعت وتشققت جدرانها بسبب تحرّك الآليات العسكرية داخل حرمها، أضف إلى ذلك التغيير في شكل القلعة الهندسي، فالغارات والقصف المدفعي دمرا البرج الرئيسي والجدران الخارجية للقلعة قبيل سنِي الإحتلال· ولكن يبقى ردم الخندق المحيط بتلة شقيف أرنون، من أكثر عمليات التشويه التي عرفها الموقع، فالخندق الذي حفره الصليبيون، والذي يهدف إلى تأمين مركز دفاع عن القلعة، ردمه الإسرائيليون أولاً بالإسمنت، ثم شيّدوا تحصينات في داخله·

وقبل الإنسحاب كانت قوات الإحتلال الإسرائيلي تنوي تفجير المنشآت داخل الخندق مما كان سيؤدي حتماً إلى تدمير الموقع، لكن التوسط عبر <منظمة اليونسكو> ? آنذاك - أوصل إلى تغيير في طرق التفجير، أدت بالطبع إلى زيادة التصدّع في الجدران·

إعادة التأهيل سيتم إعادة المشهد الطبيعي والتاريخي إلى موقع قلعة الشقيف، ضمن مشروع للمديرية العامة للآثار في لبنان بتمويل وإشراف <الصندوق الكويتي>· وسيُعاد بناء ما دُمّر أخيراً، وخصوصاً البرج والجدران، حيث أن الحجارة لا تزال موجودة في الموقع، كما أنه ستدعّم الجدران المتصدّعة، وبهدف إعادته كنقطة مشهدية تُرى من على مسافات، فإنّه ستضاء القلعة ليلاً، كما سيجري تنظيم الحركة السياحية فيها عبر بناء مركز للزوّار، مجهز بقاعة للإستقبال وبكافيتيريا· وهذا المركز سيكون مخبأ تماماً عن المشهد العام، لأنه سيُبنى في جورة حفرتها قوات الإحتلال الإسرائيلي لا يصل سقفها إلى مستوى الأرض· وفي داخل القلعة، ستطوَّر الممرات الداخلية وتحسَّن لضمان سلامة الزوار وتسهيل التحرك داخل المعلم، الذي يُعدّ الإقبال عليه الأعلى في جنوب لبنان·

باتت تحمل قلعة شقيف - أرنون أكثر من هوية فهي:

- أوّلاً: تاريخية بإمتياز·

- وثانياً: باتت رمزاً للصمود في وجه جيش الإحتلال· لذا، سيُحافَظ على بعض المعالم المدمّرة في قلب القلعة، لكي لا ننسى ما شهده هذا الموقع في التاريخ المعاصر·

النائب جابر عضو <كتلة التحرير والتنمية النيابية> النائب ياسين جابر، أبدى <إرتياحه لإنطلاق البوصلة في روزنامة العمل الثقافي والتراثي على المستويين الرسمي والأهلي في منطقة النبطية خصوصاً والجنوب عموماً>·· مشيراً الى <أن الجهود المتتالية التي بُذلت منذ العام 2000 لإعادة الإعتبار لقلعة الشقيف، التي زارها وتفقدها معظم وزراء الثقافة الذين تعاقبوا في الحكومات منذ ذاك الـ 2000 وحتى اليوم، وتابعنا الأمر مع المنظمات الدولية المعنية، التي أن أتت بركات <الصندوق الكويتي للتنمية> التي تشهد له مناطق الجنوب بعطائه الوافر، وتؤسس لبداية تضافر الجهود بين القطاعين الرسمي والأهلي في لبنان في عملية إحياء التراث الثقافي بمختلف مكوناته، لأن مبتغانا هو صيانة هذه المواقع، بإعتبارها ذاكرة وطنية جماعية والارتقاء بها كي تمسي عناصر داعمة ومحركة للاقتصادات المحلية>·

وختم النائب جابر بتفائله <أن يكون للجنوب في الأعوام السياحية المقبلة، الإعتبار على خارطة وزارتي الثقافة والسياحة، فهي كل عام تستقبل آلاف المغتربين الذين يأتون من أصقاع الأرض لزيارة أهلهم، وبالتالي يُمكن أن تكون محطة من محطات السياح العرب والأجانب إذا ما لحظت وزارتي الثقافة والسياحة هذا الواقع بشكل جدي ومدروس عبر ما يعدونه من برامج وتشجيع سياحي موجه>·

صادقي الممثل المقيم لـ <الصندوق الكويتي للتنمية> الدكتور محمد صادقي، يفتخر <بمساهمة بلاده، دولة الكويت ودعمها لمثل هذه المشاريع التراثية والثقافية، التي تأتي من إيمان راسخ بأن هذا المخزون الثقافي في لبنان ثروة لا تنضب>، مشيداً بـ <ثقة الجهات الرسمية اللبنانية بـ <الصندوق الكويتي>، الذي سيكون أميناً وحريصاً على بذل كل الجهود لتنفيذ مشروع إعادة تأهيل قلعة الشقيف، من أجل تحقيق أهدافه، لما لها من آثار إيجابية في الحفاظ على الإرث الثقافي وما له من أبعاد ثقافية، إقتصادية وسياحية في منطقة الجنوب>·

واعتبر <أن هذا المشروع ذات دلالة تاريخية مهمة جداً على أن يكون النواة لإعادة بناء كل القلاع في لبنان، وأن مسؤولية هذا المشروع تقع على عاتق الجميع>·· مؤكداً على <الشراكة في تنفيذه مع مديرية الآثار، وزارة الثقافة ومجلس الإنماء والإعمار>·

ولفت صادقي الى أن المشروع يأتي على مرحلتين:

- الأولى: تتمثل في إعادة التأهيل لإستقبال الزوار·

- الثانية: فستأتي من الجهات الرسمية كوزارة الثقافة ومديرية الآثار للحفاظ على هذه القلعة وتأمين الرعاية الدائمة لها·

وأشار الى <أن كلفة مشروع إعادة التأهيل والترميم تبلغ ما يقارب 3 ملايين دولار أميركي سيتكفل الصندوق الكويتي منها بنسبة تُقارب 70%، والبقية ستقع على عاتق الجهات الرسمية اللبنانية>، موضحاً <أن الكلفة سترتفع الى 5 ملايين إذا ما لحظت إقامة مرافق كمبنى بجانب القلعة يحتوي على غرف إدارة وصيانة وحراسة، إضافة الى مكتبة صغيرة مفتوحة للزوار، وتحتوي على كل ما يختص بتاريخ القلعة والجنوب اللبناني، كما سيتم تجهيز كافتيريا وموقف سيارات وحدائق متنوعة وعلى مساحات تعكس جمالية اضافية للمعلم التاريخي>·

وختم صادقي بالقول: إن مرحلة إنجاز المشروع ستنتهي بغضون سنتين - أي في أيلول من العام 2012، شارحاً بعض من آليته والتي تتضمن: تدعيم المنشآت المتصدعة، وتنقيب أثري لإزالة الردم الذي يغطي أقسام من القلعة وترميم بعض الأقسام وتصريف المياه وحماية القلعة من سيول الأمطار وإعادة المظهر التاريخي للقلعة وإنارتها ومد الشبكة الكهربائية وتنظيم الحركة السياحية والثقافية في القلعة·

قاطبي رئيس بلدية أرنون فواز قاطبي، وجّه الشكر الى <دولة الكويت على تبنيها مشروع إعادة تأهيل قلعة الشقيف>، لافتاً الى <أن هذا المشروع وإن تأخر قليلاً ما هو إلا إعادة الإعتبار لهذا المعلم التراثي والتاريخي الذي حررته دماء الشهداء الزكية التي واجهت العدو الإسرائيلي أثناء إحتلاله لأرضنا بصلابة وارادة، فتحررت الأرض واستعدنا ترابنا وقلعتنا، واليوم نجدد الإعتزاز بهذا النصر، بنصر آخر يُعيد للقلعة مجدها، وهي التي ستبقى رمزاً لهزيمة العدو الإسرائيلي>·

قلعة الشقيف من إتجاه آخر

حفل انطلاق أعمال تأهيل قلعة الشقيف برعاية السيدة رندا برّي

رندة بري وعدد من الوزراء والنواب خلال إطلاق إعادة تأهيل قلعة الشقيف