البقاع الغربي وراشيا: المياه لا تصـل إلـى المنازل
البقــاع الغربــي وراشيــا: الميــاه لا تصــل إلــى المنــازل...
سقى الله أيام العين ...
البقاع الغربي:
على الرغم من أن مياه الشفة تحاصر عشرات القرى والبلدات في منطقتي راشيا والبقاع الغربي إلا أن وصولها إلى المنازل، يبدو وكأنه «سر الأسرار»، أو معضلة عصيّة على الحلّ.
ويعاني أهالي المنطقة من أزمة مياه مزمنة، تتفاقم عاما بعد عام، وتشتّد مع كل صيف، وتبدو «مستعصية» على كل محاولات الحلول على الرغم من تعدد الأطراف المعنية بحلها، من وزارة الموارد المائية والكهربائية مرورا بالهيئات الأهلية وصولا إلى السلطات المحلية. وليست الأزمة ناجمة عن شح المياه في مشروع مياه لوسي الذي يغذي المنطقة، أو في الآبار الارتوازية المحفورة، وإن كان بعضها قد نضب. إنما هي تنتج من عوامل بشرية، رسمية، أبرزها الاستهتار بحياة البشر، وبنوعية هذه الحياة وأساسياتها.
الأزمة ناجمة عن الإهمال، والغش، واهتراء الشبكات، وانقطاع الكهرباء، والمحسوبيات والاستنسابية وغيرها الكثير من أسباب أزمة المياه التي تعانيها المناطق كافة، إلى جانب الأزمات الأخرى التي خاواها اللبنانيون وخاوتهم.
وتتركز الأزمة في عدم انتظام ضخ مياه مشروع لوسي إلى خزانات السلطان يعقوب، ومن ثم توزيعها على القرى المستفيدة، تحت حجج وذرائع جاهزة تتلطى خلفها المصلحة المخولة إدارة المشروع قبل تعيين رئيس جديد لها منذ أشهر قليلة. وتبدأ الأعذار بتعطل محطات الضخ وتغاضي المتعهد عن إصلاحها أو استبدالها، وتمر في لامبالاة الوزارة في تلزيم صيانة المعدات وتشغيلها، وتعرج على تفجر قساطل التغذية الرئيسية، بسبب تآكلها واهترائها مع ما يستتبع ذلك من هدر للمياه، ولا تنتهي بإلقاء اللوم على التقنين الكهربائي وانقطاع التيار المتكرر، ولا تنسى التعديات المخفية على الشبكات الرئيسية، والتلاعب بالعدادات، وتوسع رقعة الأبنية السكنية في القرى، وتمددها على مساحات واسعة، مع ما يرافق ذلك من ازدياد في عدد السكان. ويتناسى المتذرعون بحجج مختلفة، استنسابية ومزاجية توزيع المياه على محاور المنطقة، تبعا لأهواء الموظف الوحيد المعني بذلك، بعيداً عن أعين المراقبة والمحاسبة، وأنهار المياه التي تغرق المشاريع الزراعية، ومعامل الحجر والمصانع، رافضين التجاوب مع المراجعات اليومية، والتدخلات المكثفة حتى من قبل النواب والوزراء، كل ذلك على حساب ظمأ المواطنين وعطشهم.
وتحل الأزمة المستفحلة ثقيلة عاماً بعد عام على أبناء المنطقتين، ما يدفعهم للجوء إلى تعبئة مياه الشفة من الينابيع القريبة من قراهم، أو إلى شراء صهاريج المياه بأسعار عالية وخيالية تتجاوز الثلاثين ألف ليرة للصهريج الواحد، لاستخدامها في الاستعمالات المنزلية، مع ما يترتب على ذلك من مصاريف ونفقات إضافية، ترهق كاهل المواطن، الذي ينوء تحت عبء الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، التي شلت حركته المعيشية، وقضت على قدراته الشرائية.
في ظل هذا الواقع، باشر مجلس الجنوب بوضع مخطط عام وشامل لتغذية قرى وبلدات القضاءين، من نبع مياه عين الزرقاء الواقع إلى الغرب من بلدتي سحمر ويحمر في البقاع الغربي. وبعد الانتهاء من تنفيذ منشآته في سهل مشغرة، وإقامة الخزانات الرئيسية في بعلول ولبايا وجبل عربة ومشغرة، وتركيب قساطل الجر الأساسية، قام الرئيس نبيه بري في 25 أيار من العام 2009 بتدشينه. ويعمل المجلس حالياً على تركيب محولات الكهرباء، تمهيداً لتشغيله وضخ المياه إلى القرى.
أعطال وتعديات
ويلفت مصدر مسؤول في إدارة مشروع مياه شمسين، إلى أن أزمة مياه الشفة التي تعانيها بعض القرى والبلدات في البقاع الغربي وراشيا، ناتجة إما «من بعض الأعطال الطارئة في محطات الضخ التي تدفع المياه إلى خزانات التجميع في بلدة السلطان يعقوب، أو نتيجة لتفجر قساطل الجر الرئيسية التي باتت مهترئة، نظراً لقدمها، وقد تأتي من التعديات على الشبكات نفسها، والتلاعب بالعدادات، إلى جانب التقنين في التيار الكهربائي، وضعف الطاقة المحمولة إلى محطات الضخ». ويؤكد المصدر «أن الإدارة الجديدة التي تم تعيينها منذ أشهر، تحاول حصر الأزمة، وتوفير المياه ضخ المياه في أوقاتها، كما أنها بدأت بوضع الموظفين تحت أعين المراقبة والمحاسبة».
وأمل المصدر من المواطنين التعاون مع الفنيين في المصلحة لوضع حدٍ للانتهاكات والتعديات على الشبكات الرئيسية والعدادات. وتثير الأزمة احتجاج المواطنين، محملين إدارة مصلحة مياه شمسين مسؤولية حرمانهم من «نقطة الماء» كما يقولون، باعتبارها المسؤولة المعنية عن إيجاد الحلول والمخارج السريعة، لأزمة استفحلت، وأضيفت إلى سجل مليء بالأزمات. وبلغت الأزمة حداً لا يطاق ولا يحتمل، خصوصاً أن مشروع مياه لوسي يعتبر مصدر المياه الوحيد الذي يغذي معظم قرى وبلدات البقاع الغربي وراشيا، إلى جانب بعض الآبار الارتوازية التي حفرتها وزارة الطاقة ومجلس الجنوب في بعض القرى. ويصف مختار بلدة ضهر الأحمر حسن بتديني مشكلة انقطاع المياه عن المنطقة بـ«المسرحية التي لم تنتهِ فصولها، فالمسرح جاهز لعرضها موسمياً مع مطلع كل صيف، وكأنه كتب على هذا الشعب أن يعيش فاقداً الاستقرار الأمني والحياتي». ويشبه المختار التبريرات والحجج التي يتلطى خلفها المسؤولون «بالبدع»، فتارة «تتعطل محطات الضخ بقدرة قادر، وطورا يتم تحميل مؤسسة الكهرباء المسؤولية، ومرة تلقى تبعات إغراق المشاريع الزراعية بالمياه، على موظف التوزيع الذي يعمل تحت سلطة المسؤول، دون أن ينسى هؤلاء اتهام المواطن الضحية في هدر المياه والتعديات على الشبكة». ويلفت المختار إلى أنه مهما كانت الأسباب فليس من حق المسؤول أن يعبث إلى هذا الحد بالأمن الحياتي للمواطن، ولا يجوز أن تترك الأمور على غاربها، فهناك مشكلة مستفحلة تطلب حلا سريعاً ومستديماً، وإلا فالناس من حقها أن تمارس دورها في استخدام الوسائل المتاحة كافة، لتنقذ حياتها من شر العطش. ويأمل بتديني «أن يكون مشروع مياه عين الزرقا حلاً مستديماً لمشكلة مزمنة، تحل ثقيلة سنوياً على شريحة واسعة من أبناء قرى البقاع الغربي وراشيا».
مشروع عين الزرقا
ويوضح رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان لـ«السفير»، «أن المجلس جرَّب كل الطرق لحل أزمة المياه في منطقة راشيا، وبعض قرى البقاع الغربي عن طريق حفر الآبار الارتوازية، ولكن لم تكن النتيجة كما نرغب وخاصة في منطقة راشيا». ومن أجل وضع حل نهائي للأزمة «توجه المجلس نحو المشاريع الكبرى على مستوى المياه، من أجل حسر التحكم بموضوع المياه ومركزته وتحديد مصادره وتحسين إدارته، خاصة بعدما وصلنا إلى نتيجة مهمة في الجنوب بنسبة تسعين في المئة عن طريق ستة أو سبعة مشاريع».
وبعد دراسة مستفيضة لأزمة المياه في راشيا «تبين للمجلس، وفق قبلان، أن مصادر المياه فيها سطحية، ولا تفي بالغرض المطلوب، فتم اعتماد عين الزرقاء مصدرا وافيا للتغذية في القضاءين، وهذا يعني توفيرا في الكلفة وفي الطاقة وفي المصاريف التي تتطلبها مجموعة الآبار والمشاريع الموزعة في المنطقة، فضلاً عن الاستفادة من مياه عين الزرقا التي تذهب إلى البحر». ويلفت قبلان إلى أن مشروع عين الزرقا قد يكون من أكبر المشاريع التي أنجزناها على مستوى لبنان، نظراً لطاقته التي قد نستغل نصفها في المرحلة الأولى، مشيراً الى أن التحاليل المخبرية قد أثبتت نقاوة مياه المشروع وجودته، وهو ما قد يقفل «ملف المياه في المنطقة»، وفق قبلان الذي يؤكد أهمية المشروع في تخفيف المصاريف عن المواطن كما على الدولة، عن طريق التعاون مع مصلحة الليطاني كون المشروع يقع في حرمها، ومع مصلحة مياه شمسين ومع مؤسسة كهرباء لبنان للاستفادة من أسعارها المخفضة.
ويؤكد قبلان أن الفرق الفنية تعمل حالياً على تركيب محولات الكهرباء لمشروع عين الزرقا، ومن المتوقع إنجاز العمل في خلال فترة لا تتجاوز بضعة أسابيع، عند ذلك لا مانع من تشغيل عمليات الضخ إلى الخزانات الرئيسية وتغذية العديد من القرى المستفيدة من الخزانات المنجزة بمياه الشفة، لافتاً إلى أن هناك مشروعاً يطال البقاع الغربي وراشيا، بات قيد التلزيم من قبل مجلس الإنماء والإعمار، وعلى نفقة الصندوق الكويـتي، لاستبدال شبكات الجر الرئيسية القديمة.
تعليقات: