شجرة الزيتون.. تلك الشجرة المباركة
بكَّروا في قطاف الزيتون بسبب التغيُّرات المناخية وتأخر المطر...
حاصبيا:
بكَّر مزارعو الزيتون في منطقتي حاصبيا والعرقوب هذه السنة في قطاف زيتونهم مستبقين بأسابيع الموعد المعتمد منذ زمن بعيد للبدء بموسم القطاف وكأنهم في سباق مع الوقت للتعويض عما خلفته التغيرات المناخية وفي مقدمها موجة الحر الشديد التي ضربت المنطقة خلال هذا الصيف في ظل إنحباس طويل وغير مسبوق للأمطار دام أكثر من سبعة أشهر بشكل متواصل ما رتب انعكاسات سلبية لم يعرف المزارع مثيلاً لها من قبل على شجرة الزيتون وعلى ثمارها أيضاً وما شجعهم في عملية القطاف المبكر الشتوة الوحيدة لهذا العام في الأسبوع الأول من تشرين الجاري·
تشكل زراعة الزيتون في منطقتي حاصبيا والعرقوب مورداً أساسياً عند الكثير من المزارعين في هاتين المنطقتين وهناك مساحات واسعة من الأراضي المشجرة بالزيتون وتشير آخر الإحصاءات التي أعدتها التعاونيات الزراعية بالتعاون مع بعض المؤسسات المعنية بهذا الشأن أن هناك أكثر من مليون ونصف المليون شجرة زيتون في قضاء حاصبيا بينها ما يقارب الـ 225 ألف شجرة معمرة يعود بعضها للعهد الروماني وما قبله وهي منتشرة في كافة قرى وبلدات القضاء بما فيها مزارع شبعا التي ما زالت تحت الإحتلال الإسرائيلي فهي غنية ببساتين الزيتون أيضاً· وبحسب هذه الإحصاءات تقدر كمية الزيت المنتج في موسم الحمل بحوالى 150 ألف صفيحة ويتدنى هذا المعدل إلى ثلث الكمية في سنة المحن ويشتهر الزيت الحاصباني كما زيتونه بجودته العالية ويعتبر من أفضل الزيوت العالمية نظراً لطبيعة المنطقة ومناخها الجيد وتربتها الصالحة لمثل هذه الزراعات وهذه المواصفات أكدها أكثر من مهندس وخبير زراعي زارالمنطقة وخاصة من الدول الأوروبية الغنية بزراعة الزيتون ويصف مزارعو الزيتون موسمهم لهذا العام بالجيد قياساً للمواسم السابقة لجهة الحمل إلا أن حساب البيدر لم يتطابق مع حساب الحقل بالنسبة لحبات الزيتون التي تأثرت بشكل كبير بالعطش الذي لحق بالشجرة الأم ما أخر نموها إلى درجة أنها باتت عاجزة عن إكمال الدورة الزراعية المطلوبة لنضوج ثمارها بحيث باتت حبيبات الزيتون عرضة للتلف أو التساقط وعندها تقل نسبة إنتاج الزيت ويصبح المزارع وحده الضحية في ظل غياب تام للجهات المعنية وفي مقدمها وزارة الزراعة التي عليها تقع مسؤولية دعم المزارع وإرشاده في تخطي العقوبات والصعوبات التي تعترضه في مثل هذه التغيرات المناخية· ويقول المزارعون نحن نتقبل حكم الطبيعة مهما كان لكن ما نخشاه مع بداية هذا الموسم هو الوقوع مجدداً في المشكلة التي نواجهها منذ سنوات في عدم تصريف الإنتاج وأن يبقى زيتنا أسير الخوابي أمام تهريب الزيتون وزيته الى الأسواق اللبنانية وضرب الإنتاج المحلي خاصة وان البداية مشجعة حيث تباع صفيحة الزيت اليوم بحدود الـ 200000 ليرة وكيلو الزيتون ما بين الـ 4000 والـ 5000 ليرة ومع ذلك يشكو المزارعون من كلفة اليد العاملة حيث يتقاضى العامل يوم القطاف 30 دولاراً أميركياً فيما تتقاضى العاملة في جمع الحبات 25000 ليرة وهذ أجر مرتفع قياساً بنسبة سعر مبيع المنتوجات ناهيك عن التكاليف الباهظة التي يتكبدها المزارع على مدى عام كامل لجهة العناية بالشجرة من حراثة وتقليم ورش أدوية زراعية لحمايتها من العديد من الامراض أخطرها عين الطاووس الذي بدأ ينتشر مؤخراً بشكل لافت في العديد من بساتين الزيتون في حوض الحاصباني والمواقع المجاورة·
المزارعون وفي جولة على بعض الورش المنتشرة في بساتين الزيتون يصف المزارع عاطف أبو عمر الموسم هذه السنة بالجيد قياساً للموسم السابق إلا أن موجة الحر التي ضربت المنطقة خلال فصل الصيف وقلة الأمطار على مدى سبعة أشهر متتالية أصابا الموسم بالصميم نتيجة التأثير الذي لحق بحبة الزيتون وحجمها بحيث بات المزارع مضطراً إلى عصر زيتونه وبيعه زيتاً وهذا يرتب أعباء إضافية على المزارع·
ويلفت المزارع وديع ملحم الى أن أكثر ما يتخوف منه المزارع في هذه المنطقة هي التقلبات المناخية التي طرأت خلال السنوات الثلاث الماضية وخاصة هذا العام فلهيب حرارة الطقس المرتفعة وقلة المتساقطات بدآ يهددان هذه الشجرة المباركة بشكل مباشرة بحيث حد من نموها وقلل من انتاجها وباتت عرضة لأمراض لم نعرفها من قبل مما يجعل المزارع في حيرة من أمره رغم كل الجهد والتعب اللذين يبذلهما من أجل العناية بهذه الشجرة والمحافظة عليها إلا أن حكم الطبيعة هذه المرة كان أقوى·
ملحم تساءل عن دور الدولة ومسؤولياتها تجاه المواقع المر الذي يعيشه المزارع في المناطق النائية التي تنعدم فيها مقومات الحياة أمام شريحة كبيرة من المواطنين في حال تخلوا عن الزراعة آملاً أن يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان·
أبو قاسم القادري في العقد السابع من عمره من بلدة كفرشوبا اعتبر أن أصعب المشاكل وأخطرها التي يواجهها المزارع في منطقة العرقوب هي القنابل العنقودية التي خلفها عدوان تموز 2006 في بساتين الزيتون والتين والكرمة كما في احراج الصنوبر حيث هناك الآلاف من هذه القنابل وغيرها من القذائف الغير متفجرة ما زالت منتشرة في أملاكنا وتهدد حياتنا في أية لحظة مما اضطر بالعديد من المزارعين الى ترك جنى أرزاقهم تتساقط على الأرض وتتلف أمام ناظريه هرباً من خطر هذه الموبوءات·
القادري أشار إلى أن المكتب الوطني لنزع الألغام في الجيش اللبناني وبعض المنظمات الأخرى عملت على تنظيف مساحات لا بأس من الأملاك العامة والخاصة لكن هذه المشكلة تتطلب متابعة حثيثة·
من جهته رئيس التعاونية الزراعية في بلدتي عين قنيا وشويا فايز خفاجة وصف شجرة الزيتون برمز الصمود وعنوان الكرامة لأبناء هذه المنطقة منذ أمد بعيد وأن غالبية الناس تعتمد في معيشتها على هذه الزراعة وبعض الزراعات الأخرى·
خفاجة أبدى أسفه باسم المزارعين لهذا التجاهل التام من قبل الدولة تجاه المزارعين كما التعاونيات الزراعية التي تعتمد على مبادرتها الذاتية من أجل دعم ومساعدة المزارعين ضمن الإمكانات المتاحة لها·
خفاجة أشار إلى أنه من خلال الإتصالات التي قام بها مع العديد من المؤسسات والجمعيات المحلية والدولية المعنية بالشأن الزراعي تمكن من الحصول على بعض الخزانات المخصصة لإستيعاب الزيت كي تحافظ عل جودتها مع مختبر لفحص الزيت وعلى جرَّار زراعي وبعض المعدات الأخرى وكذلك على أدوية لمكافحة الأمراض التي بدأت في بعض الأماكن تفتك بشجرة الزيتون بهدف مساعدة المزارع والتخفيف عن كاهله خاصة في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي يواجهها·
خفاجة طالب الدولة وبخاصة وزارة الزراعة الإهتمام بالمزارعين وإيجاد الحلول المطلوبة للمشاكل التي تعترضهم وإلا سيأتي اليوم الذي يجد فيه هذا المزارع مضطراً الى ترك أرضه والبحث عن عمل آخر لتحصيل لقمة عيشه، كما طالب وزارة الإقتصاد بحماية المنتوج المحلي ووقف استيراد الزيوت الأجنبية·
< سامر هلال صاحب احدى المعاصر الحديثة في منطقة حاصبيا وصف انطلاقة موسم الزيتون لهذه السنة بالجيدة باعتبارها سنة حمل· إلا أنه شكا من كلفة اليد العاملة ومن ارتفاع اسعار قطع الغيار والمحروقات في ظل ضعف دائم للتيار الكهربائي وتقنين عشوائي ما يضطرنا الى استخدام مولد خاص مما يرتب علينا اعباء اضافية لا يمكن تحميلها للمزارعين الذين بغالبيتهم يفضلون دفع أجار عصر زيتونهم زيتاً بدل النقود وذلك بسبب الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد منذ سنوات عدة·
هلال طالب الدولة مساعدة المزارعين وأصحاب المعاصر في تصريف انتاجهم وحمايته من منافسة الزيوت المستوردة·
تعليقات: