بري وساركوزي
ساركوزي لبري: متمسكون بالمحكمة.. لكننا سنبقى على اتصال
باريس:
تنشغل باريس هذه الأيام بالعديد من الملفات الساخنة التي تشغل بال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ومساعديه. داخلياً، فرضت حركة الاحتجاج النقابي على رفع سن التقاعد إيقاعها على الحياة العامة الفرنسية، وخارجياً، جاءت تهديدات (زعيم تنظيم «القاعدة») أسامة بن لادن الموجهة الى فرنسا مباشرة، لتضيف الى سلة الهموم المتراكمة همّاً آخر.
ولكن هذا الازدحام في جدول الاعمال لم يحل دون ان تأخذ زيارة الرئيس نبيه بري الى باريس مداها السياسي واستقبال ساركوزي له صباح أمس في قصر الاليزيه. وكان لافتاً للانتباه تقديم الرئيس الفرنسي لبري هدية هي عبارة عن لوحة تعكس التراث الفرنسي.
والتقى بري ساركوزي في قصر الاليزيه بحضور الدكتور محمود بري وسفير لبنان لدى باريس بطرس عساكر. تعددت عناوين البحث خلال الاجتماع الذي دام قرابة الساعة، وتراوحت بين ما هو إقليمي ولبناني. وبطبيعة الحال شكل مأزق القرار الظني والمحكمة الدولية «عصب» النقاش.
وعُلم ان ساركوزي كان مستمعاً جيداً لبري الذي قدم توصيفه لتعقيدات الازمة، متناولاً فضائح ملف شهود الزور وانحراف مسار التحقيق عن الوجهة السليمة، ما أوجد أزمة ثقة مع المحكمة الدولية التي كانت قد حظيت بالإجماع الوطني على طاولة الحوار، برغم ان قرار إنشائها تجاوز المسارات الدستورية الملزمة، لافتاً الانتباه الى ان ما حصل لاحقاً من اتهام لسوريا وسجن للضباط الاربعة بشكل تعسفي أفقد المحكمة مصداقيتها لدى الكثيرين في لبنان.
وبعد هذا العرض، طرح بري تصوراً للحل، لاقى تجاوباً سريعاً من سيد الإليزيه، كما أكد بري الذي قال لـ«السفير» ان الرئيس الفرنسي تبنى كل الافكار التي قدمها، من دون ان يفصح عن طبيعتها، وإن تكن المعطيات التي توافرت حول مضمون لقاءات رئيس المجلس في باريس قد أوحت بانه ركز على وجوب تصحيح مسار العدالة في موازاة تأكيده ان كل اللبنانيين ملتزمون بمبدأ العدالة.
وقد أبلغ ساركوزي ضيفه اللبناني انه مستعد للبقاء على تواصل مستمر معه وان بإمكانه ان يتصل به مباشرة، ساعة يشاء، في إطار استكمال التشاور بين الرجلين. كما أبدى رغبته واستعداده لاستضافة الاطراف اللبنانية، كلٌ على حدة، في سياق الاستماع الى جميع وجهات النظر.
وأثار بري مع ساركوزي واقع القضية الفلسطينية في ظل تمادي اسرائيل في سلوكها العدواني والانحياز الاميركي اليها، مشدداً أمامه على ان أي تسوية لقضية الشرق الاوسط لا يمكن ان تتم من دون سلام عادل وشامل على كل المسارات، داعياً باريس الى ان تؤدي دوراً أكثر فاعلية في هذا المجال، كما توقف بري عند التفاهم السوري - السعودي، منوهاً بأهميته سواء بالنسبة الى الاستقرار اللبناني ام بالنسبة الى معالجة ملفات المنطقة.
وبعد اللقاء، قال بري: الجلسة كانت مناسبة مكررة لتوجيه الشكر الى فرنسا وخصوصاً الى الرئاسة الفرنسية للعناية الدائمة والحرص على استقرار لبنان وعلى السلام في لبنان وعلى الدعم الاقتصادي الذي تمثل اكثر ما تمثل بباريس 1 وباريس 2 وباريس 3، والحرص على الاستقرار في مواجهة ما يحصل من اعتداءات على لبنان.
وأضاف: لذلك، كانت فرنسا دائماً مشتركة في قوات «اليونيفيل» المتواجدة في الجنوب، كما كان هناك حرص كبير في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان على ان نتبادل الآراء في كيفية حماية السلم الاهلي وحماية الوحدة بين اللبنانيين، هذه الوحدة التي هي جزء لا يتجزأ من الوحدة في المنطقة. كذلك كان هناك نقاش محدد حول موضوعين: الموضوع اللبناني، وقضية الشرق الأوسط الاساسية التي هي قضية فلسطين والفلسطينيين، استطيع ان اقول ان النتائج كانت ممتازة.
وأوضح ان الحديث تناول المحكمة الدولية، مشيراً الى انه تكلم خلال اللقاء عن حل لبناني عام، «واتفقنا على ابقاء هذا التواصل مع الرئيس ساركوزي في سبيل هذا الامر». واضاف: الوضع مريح، واعتقد ان الرئيس ساركوزي له نية ايضا في ان يزور لبنان ان شاء الله. واشار الى انه تحدث معه عن مخاوفه على وحدة اللبنانيين ازاء مسار التحقيقات.
وتابع رداً على سؤال حول ما اذا كانت فرنسا متمسكة بالمحكمة: لا أحد ضد العدالة، ولكن الأهم هو كيفية الوصول الى العدالة.
وأفاد قصر الأليزيه في بيان صادر عنه، ان ساركوزي أكد خلال استقباله بري دعم المحكمة الخاصة بلبنان، موضحاً ان بري كرر موقفه من المحكمة الدولية وتحدث عن قضية شهود الزور وان ساركوزي موقفه «داعم للمحكمة».
وفي حين لم يتم التطرق الى حادثة «العيادة النسائية» اثناء اللقاء، أكدت الرئاسة الفرنسية انه من المهم ان يواصل مدعي عام المحكمة عمله «والا يؤدي ذلك الى اضطراب الوضع في لبنان». كما اعتبر المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو ان «محاولات عرقلة عمل المحكمة الخاصة بلبنان غير مقبولة». وأدان بحزم منع المحققين الدوليين من دخول العيادة، مؤكداً ان «اعمال التخويف لن تحول دون إنجاز المحكمة مهمتها».
شطب الديون
وكان سفير لبنان في فرنسا بطرس عساكر، أقام مساء أمس الأول حفل استقبال على شرف بري والوفد المرافق، بمشاركة أبناء الجالية اللبنانية.
وألقى عساكر كلمة ترحيبية ثم قال بري: اننا جميعاً في لبنان نريد الحقيقة والعدالة ولأننا كذلك فإننا نرفض الاستمرار في حرق الوقت وصرفه على النحو الذي جرى تحت ستار التحقيقات التي استبعدت في اساسها الكثير من المستفيدين من الجريمة، من اجل وضع لبنان امام احتمال الفوضى والفتنة ومنعه من ان يكون منافساً اقتصادياً في نظام المنطقة وجعله رصيفاً للاجئين في اطار مشروع الترانسفير الجديد.
وتابع: برغم التوترات السياسية والمتنوعة لإيقاع لبنان في آتون الفتن إلا انني أؤكد لكم أن لبنان لا يمكن ان يعود الى الوراء ليتقابل على خطوط تماس، ولن يحتكم الى حروب استتباع صغيرة او كبيرة، وان مشروع الدولة في لبنان سينتصر حتماً، وأن أشقاءنا العرب وفي الطليعة سوريا والسعودية سيستمرون في اقامة مظلة امان عربية فوق لبنان، وكذلك أصدقاؤنا في الجوار الاقليمي الاسلامي وفي الطليعة ايران وتركيا، وهذا ما يؤكد ضرورة سلوك خارطة عنوانها: العدالة والطائف.
وإذ لفت الانتباه الى ان المشكلة المركزية تكمن في ارتفاع وتيرة الدين العام، ناشد اشقاء لبنان واصدقاءه المبادرة الى شطب ديونه، «ذلك اننا نستحق مبادرة دولية وعربية لمسح الديون والا فإن الوقائع الاقتصادية ستبقى تضغط على لبنان وتفتح ابواباً لأموال تشغيلية لتغذية الارهاب والجريمة المنظمة وتبييض الاموال».
وختم: لا أخفي عليكم ان اسرائيل تستخدم المفاوضات لكسب وقت لتنفيذ استراتيجيتها تجاه شطب حقوق الفلسطينيين، والاستعداد للدفع بالأمور على المسارين اللبناني والسوري نحو حرب جديدة للانتقام من نتائج حرب 2006، ما يستدعي المزيد من الوحدة لمواجهة اي تحدٍّ او استحقاق.
تعليقات: