ضابط إسرائيلي يقف جانب نصب تذكاري للجنود الإسرائيليين
الذين قتلوا في حرب تموز (أرشيف - أ ب)
المرحلة الثانية: 19ـ 31 تموز
أسفر الأسبوع الأول للعدوان عن مقتل 14 جندياً إسرائيلياً و15 مستوطناً، وسُجل، بحسب مصادر العدو، سقوط نحو 900 صاروخ في العمق الإسرائيلي. اهتمام العدو تركز على وقف الكاتيوشا، لكن السبيل الذي اعتمده إلى ذلك لم يكن متناسباً مع الهدف. فمع قيد الامتناع عن الاجتياح البري الواسع، انصب جهد العدو على تحقيق الهدف من خلال السعي إلى التأثير على إرادة الصمود لدى المقاومة ودفعها إلى الانكسار المعنوي فالسياسي فالميداني بالتوالي. اعتقدت القيادة العسكرية في إسرائيل أن تحقيق ذلك يتم عبر ضرب أهداف ذات طابع رمزي لدى حزب الله وتسجيل انتصارات موضعية فيها. يمكن القول إن الجيش الإسرائيلي انشغل في هذه المرحلة بـ«صياغة وعي العدو»، أي إيصال المقاومة إلى حالة الانهزام النفسي أمامه من دون أن يضطر إلى منازلتها فعلياً.
وهكذا انطلقت العمليات البرية المحدودة التي كانت قد أُقرت في هيئة الأركان وداخل مجلس السباعية الوزارية في جلسة 19 تموز. تجاوز الهدف هذه المرة تطهير الحافة الأمامية إلى احتلال قرى تشكل مصداقاً للرمزية في وعي حزب الله، وكانت بنت جبيل نموذجاً لذلك. بداية المحاولة كانت في مارون الراس، في 19 تموز، وفي ضوء نتائجها القاسية (6 قتلى) صدر الأمر من حالوتس مباشرة باحتلال بنت جبيل عبر اتصال هاتفي بقائد المنطقة الشمالية أودي آدم في 23 تموز، وبدأ الهجوم على البلدة فجر 24 تموز لينتهي بنتائج لا تقل قساوة عن حصيلة مواجهة مارون (4 قتلى و30 جريحاً) ، ثم كانت المحاولة الثانية لدخول بنت جبيل في 26ــــ27 تموز أيضاً بأمر مباشر من حالوتس، لتنتهي بثمانية قتلى (بينهم ثلاثة ضباط) و22 جريحاً وفقاً لاعترافات العدو نفسه.
إلى ذلك تركز السعي إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله، فكانت الغارات المكثفة على مجمع سيد الأوصياء في 19 تموز. وفي السياق تكرر الحديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن اهتمام الجيش بالحصول على صورٍ لأسرى أو شهداء من المقاومة من أجل توظيفها في استعراضات معنوية تخدم تكتيك المرحلة.
الفشل الذريع الذي أفضت إليه كل هذه المحاولات، في ظل استمرار سقوط الكاتيوشا (200 صاروخ في 20 تموز بحسب مصادر العدو) أدى إلى بداية تحول في الموقف الإسرائيلي. ففي 23 تموز، وفي خضم القتال، أبلغ أولمرت وزيرة خارجيته موافقته على فكرة القوة المتعددة الجنسيات في جنوب لبنان، بعد أن كان قد رفضها بشكل قاطع، قبل ذلك بخمسة أيام، خلال اجتماع مع مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية. يمكن القول إن هذا التاريخ يمثّل انعطافة مهمة لجهة اعتماد «استراتيجية خروج سياسية» من الحرب، بعد أن كان أمر كهذا مستبعداً في الأيام العشرة الأولى منها رهاناً على الحسم الميداني.
برغم ذلك، يتجند الأميركي لإمداد الإسرائيلي بالوقت، فتعلن رايس في تل أبيب (25 تموز) دعمها المطلق لإسرائيل، كما تُفشل أية محاولة لوقف النار في مؤتمر روما (26 تموز). يمكن اعتبار مؤتمر روما المصداق الأبرز للتحول الذي طرأ على مقاربة العملية العسكرية إسرائيلياً وأميركياً. فلم يعد هدف العملية القضاء على حزب الله، وإنما توفير مدخل ورافعة لعملية سياسية دولية ترمي إلى فرض تطبيق القرار 1559. يعني ذلك عملياً أن الحل انتقل من عهدة الجيش الإسرائيلي إلى مسؤولية المجتمع الدولي، كما يجسّد بداية انزياح معاكس، نزولاً هذه المرة، لسقف الأهداف الإسرائيلية المعلنة، وهو انزياح نتج من ارتطام الرهانات العسكرية المجنحة بواقع بطولات المقاومة. لاحقاً، سيشهد هذه السقف خفضاً آخر، يصل إلى مستوى العزوف عن نزع سلاح المقاومة (كما يقتضي الـ1559) والقبول بإبعاده عن منطقة جنوبي النهر. الملاحظة الأهم التي يجب التأمل فيها ملياً هنا هي بداية الافتراق بين الخط البياني للعمل العسكري الذي بقي متصاعداً، وبين الخط البياني لأهداف الحرب، الذي بدأ يجنح نحو الأسفل. من هذه النقطة وحتى نهاية الحرب، ستشهد الزاوية بين الخطين مزيداً من الانفراج والتباعد.
في 27 تموز عقدت السباعية الوزارية اجتماعاً عكس حالة المأزق التي بدأ يدرك العدو تورطه فيه. الموقف العربي بدأ يشهد تحولات ضاغطة، أما الجبهة الداخلية في إسرائيل فقد بدأت تتململ، والتابو الإعلامي فيها أخذ يتصدع سامحاً بتسرب انتقادات لإدارة الحرب. ليفني تشير خلال الجلسة إلى أن منسوب الردع الذي تحقق بداية الحرب بدأ بالتراجع، وأن إسرائيل آخذة في خسارة النقاط التي راكمتها. أولمرت يتحدث، للمرة الأولى، عن عامل الوقت، فيما الجيش يثير، للمرة الأولى أيضاً، احتمال الحاجة إلى عملية برية واسعة، ويطرح تجنيد الاحتياط احتياطاً. في نهاية المطاف، وبعد سجال طويل، يقر المجلس السباعي طلب الجيش تجنيد ثلاث فرق احتياط، برغم أن التحفظ على العملية البرية ورفضها طغى على أجواء النقاش. إشارة إلى أن هذا القرار مثّل محطة إضافية في مسار تدحرج الحرب. لاحقاً، كشفت مصادر العدو الإعلامية أن الجيش كان بدأ يعد للعملية البرية ابتداءً من 29 تموز، أي مع التحاق الاحتياط بالثكنات، ومن دون مصادقة المستوى السياسي.
رايس تعود إلى المنطقة، وتلتقي أولمرت في 29 تموز، وتعرض عليه مسوّدة الخطة الأميركية التي تتضمن نشر قوة متعددة الجنسيات في الجنوب وكذلك على الحدود مع سوريا. في اليوم الثاني (30 تموز) تحصل مجزرة قانا فتُجهض جولة رايس في المنطقة، بعد أن تنجز وقفاً للغارات الجوية لمدة 48 ساعة. مصادر العدو تعتبر أن مجزرة قانا أدّت إلى سقوط المبادرة الأميركية للحل، وصعود المبادرة الفرنسية إلى الواجهة. ليفني تؤكد أمام لجنة الخارجية والأمن (1 آب) حصول تآكل في التأييد الأوروبي، وتعد المجزرة نقطة تحول سياسية جوهرية ولدت «تفاعلاً إشكالياً» ضد إسرائيل، وتوضح أيضاً أن ثمة موقفين يتنافسان على الحلبة الدولية: الأميركي والإسرائيلي ـــــ الذي يطالب بأن يكون وقف النار جزءاً من إطار شامل لسلسلة خطوات لإنهاء الأزمة، وبقية الدول التي تطالب بوقف إطلاق نار فوري تليه مفاوضات للتوصل إلى الأهداف المطلوبة. أولمرت يعلن في خطاب أمام الكنيست (31 تموز) أن الحرب لن تتوقف لأن الأهداف لم تتحقق.
في الخلاصة، يمكن القول إن الارتجال والتخبط وانعدام التخطيط كانت السمة البارزة لأداء العدو الميداني، وبالتالي السياسي، في هذه المرحلة. الإنجازات الميدانية تدهورت بشكل حاد، ومعها التوقعات السياسية، عدا عن الالتفاف الشعبي والتأييد الدولي. المطلوب إسرائيلياً الآن أصبح إنجازاً ميدانياً يمكن الأميركيين من تثميره في المداولات السياسية، ويؤمِّن بالتالي مخرجاً لائقاً حيال العجز العسكري الفاضح الذي انكشف عارياً أمام المقاومة.
المرحلة الثالثة: 1ـ 11 آب
البحث عن مخرج في ظل هذه الأجواء، وسعياً إلى تزويد الأميركيين بالرافعة الميدانية المطلوبة لتحقيق إنجاز سياسي، اتخذ المجلس الوزاري المُصغر (ليلة 1 آب) قراراً بتوسيع العملية البرية. الخطة سُميت «تغيير الاتجاه 8» وتقضي باحتلال «حزام أمني خاص» بعمق 6 إلى 7 كلم. أجواء النقاش في الجلسة الوزارية نحت نحو التشكيك في قدرة الجيش على إنجاز الهدف. بن إليعزر عبّر عن ذلك خلال الجلسة بالقول: «الشعور هو أنه لا يوجد لا حسم ولا تغيير اتجاه». المصادقة على الخطة حصلت برغم معارضة الوزراء الضمنية لها. كالعادة، قاد أولمرت وبيرتس زمام المبادرة ودفعا باتجاه إقرار الخطة.
في الفاتح من آب تبدأ القوات الإسرائيلية، من بينها للمرة الأولى ألوية احتياط، بالتقدم على عدة محاور. في نفس اليوم يلقي أولمرت خطابا أمام كلية الأمن القومي يتحدث فيه عن «النجاح الكبير للجيش» و«إنجازاته التي لا سابق لها» والتي قادت نحو تغيير وجه الشرق الأوسط. ويشير أولمرت في خطابه إلى أن إسرائيل ستوافق على وقف إطلاق النار عندما يكون الوضع في جنوب لبنان «مغايراً» لما كان عليه عشية الحرب (لم يوضح ماذا يعني ذلك)، ويشدد على أنه لم يتعهد للجمهور في بداية الحرب بوقف سقوط الكاتيوشا. المراقبون يُجمعون على أن خطاب أولمرت شكل جرعة تمهيدية أمام الرأي العام الإسرائيلي لخفض سقف التوقعات الذي كان قد رفعه في بداية الحرب.
بيرتس يأمر الجيش (2 آب) بالاستعداد لعملية تشمل الوصول إلى خط الليطاني. في موازاة ذلك تواصل السعي إلى تسجيل إنجازات معنوية: إنزال بعلبك (1/2 آب)، إنزال صور (5 آب). في 6 آب يعلن حزب الله رفضه لمسوّدة القرار الذي توصل إليه الفرنسيون والأميركيون، التي تتضمن وقفاً غير فوري لأعمال العنف مع حفظ حق إسرائيل بالرد، وتعزيز اليونيفيل بقوات متعددة الجنسيات ونزع السلاح جنوبي النهر وإطلاق سراح الأسيرين دون شرط. في اليوم نفسه تقر السباعية الوزارية في إسرائيل توسيعاً إضافياً للعمليات العسكرية.
المشهد في إسرائيل يتلخص في هذه المرحلة بالتالي: فضائح ميدانية بدأت تتكشف حول تجهيز قوات الاحتياط والتخبط في إصدار الأوامر، الصحافة الإسرائيلية تحللت إلى حد كبير من فترة السماح التي منحتها للحكومة وبدأت تصعد انتقاداتها لها بشدة وحدة لافتتين، الكاتيوشا ما زالت تتساقط ورقعة الاستهدافات توسعت، حزب الله هدّد بقصف تل أبيب وبعث برسالة صاروخية نحو الخضيرة، مقتل 15 جندياً في يوم واحد (6 آب ـــــ 12 منهم في كفار غلعادي)، نحو مليون مستوطن من سكان الشمال موزعين بين نازح وقابع في الملاجئ في ظل الحر ونقص الأدوية والأغذية، الخلافات احتدت وتصاعدت داخل قيادة الجيش (حالوتس ـــــ آدم) وداخل الحكومة (أولمرت ـــــ بيريتس) وبينهما. تقارير إسرائيلية تشير إلى أن سلوك المسؤولين الإسرائيليين في هذه الفترة كان مسكوناً بهاجس المساءلة أمام لجان التحقيق التي بات من شبه المؤكد أنها ستتشكل في المستقبل.
برز في هذه الفترة أيضاً ارتفاع منسوب الحذر الإسرائيلي من دخول سوريا الحرب، فحرص قادة تل أبيب على إبلاغ دمشق صراحة بعدم وجود نية لاستهدافها. يمكن القول إن مستوى الحرص الذي أبداه الإسرائيلي في هذه المرحلة عكس خشية واضحة من التورط في حرب مع سوريا في ضوء إخفاقات الجيش في لبنان. ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال التحول الذي طرأ على الخطاب الإسرائيلي تجاه سوريا بين بداية الحرب وهذه الفترة: من التحذير والتهديد والوعيد (لسوريا من مغبة دخولها الحرب) إلى المحاذرة والطمأنة وتأكيد عدم وجود رغبة ولا نية ولا مصلحة إسرائيلية في توسيع الحرب تجاهها.
في ظل كل ذلك، باتت إسرائيل في سباق مع الزمن، وتحول المشهد إلى لعبة تجاذب وعض أصابع. في 7 تموز يجتمع وزراء الخارجية العرب في بيروت ويتبنون سباعية السنيورة الذي بكى أمامهم. عشية اليوم نفسه تقر الحكومة اللبنانية نشر 15 ألف جندي جنوبي النهر. في اليوم التالي (8 آب) تقود فرنسا مسعى إلى تعديل مسوّدة القرار التي سبق أن اتفقت عليها مع الأميركيين. يرفض الأميركيون، ويتزامن رفضهم مع قرار حكومي إسرائيلي (9 آب) باحتلال منطقة جنوبي النهر اتُخذ تحت ضغطٍ، وُصف بالوحشي، من الجيش وبيرتس، بأغلبية تسعة وزراء وامتناع ثلاثة (بيريز، موفاز، أوفير بينيس). المجلس الوزاري يفوّض إلى أولمرت وبيرتس تحديد موعد وحدود تنفيذ العملية التي سُميت «تغيير الاتجاه 11».
جلسة المجلس الوزاري الإسرائيلي في 9 آب كانت أكثر الجلسات صخباً وسجالاً وحدة، وقد انعقدت في ظل إحساس متراكم بالخيبة والإحباط من الأداء الميداني. التقارير التي عرضت فيها تحدثت عن سوء وضع إسرائيل وضعف إنجازاتها وعن تراجع معنويات الجمهور الإسرائيلي. التقرير الذي قدمه رئيس الموساد مئير داغان كان سوداوياً وكشف عن ضعف الضربات التي وُجهت إلى حزب الله وأدواته القتالية. ورأت بعض التقييمات التي استعرضت أن الهدف الأساس الذي قامت الحرب من أجله وهو ترميم قدرة الردع الإسرائيلية لم يتحقق، فضلاً عن أن هدف تغيير الوضع جوهرياً في الجنوب اللبناني بات في الواقع الراهن أمراً بعيد المنال. المراسلون الإسرائيليون قالوا إن الحكومة ورئيسها جُروا جراً لاتخاذ قرار كانوا جميعهم تقريباً يرفضونه. والمهم أن القرار اتخذ في ظل إحساس بتراجع الفرصة لتحقيق إنجاز سياسي مهم بعد تغيّر المزاج الفرنسي والروسي. وتخلل الجلسة اتصال هاتفي طويل لأولمرت مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، وصفته المصادر الإسرائيلية بأنه كان قاسياً وأحيانا قاتماً. وأشار عدد من المعلقين إلى أن قرار توسيع الحرب اتخذ أصلاً على خلفية إحساس متزايد بأن صورة إسرائيل ومستقبلها باتا على المحك، فيما رأى معلقون آخرون أن الانطباع الذي خلفته المعارك البرية التي دارت حتى ذلك الوقت، وخصوصاً في بنت جبيل، يؤكد أن بالوسع إلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي، ولذلك لا مفر أمام الجيش من إظهار قدراته وتحقيق حسم واضح للمعركة يبدّد الانطباع المتولد حتى الآن.
في 11 آب، تتحدث التقارير الإعلامية الإسرائيلية عن مشروع مسوّدة قرار جديدة توصلت الولايات المتحدة وفرنسا إليها، لا تتضمن إشارة إلى الأسيرين الإسرائيليين ولا إلى تجريد حزب الله من سلاحه ولا تحدد صلاحيات القوات الدولية التي سيتعزز انتشارها في جنوب لبنان. تثور ثائرة إسرائيل، فتأمر الحكومة الجيش باجتياح جنوب لبنان حتى نهر الليطاني. الخطوة الحكومية كانت في الأصل استعراضية ورمت إلى توليد ضغط سياسي يقود إلى تعديل مسوّدة القرار، بالتنسيق مع الأميركيين. إلا أن ضغط العسكر، وبيرتس، حالا دون التراجع عنها بعد تحقيق الهدف المتوخى وإنجاز التعديل المطلوب.
خلاصة القول في هذه المرحلة أن الجيش الإسرائيلي عجز عن حسم الحرب عسكرياً أو تأمين نقطة خروج مقبولة منها، فتولى الأميركيون إطلاق ديناميكية سياسية لم تعكس في توازناتها الواقع الميداني المائل لكفة المقاومة، وإنما الأرجحية السياسية الأميركية في الحلبة الدولية. في هذا الإطار وجدت إسرائيل نفسها في وضع اضطرت فيه إلى التنازل عن أغلبية الأهداف التي حددتها في بداية الحرب، وعلى رأسها إطلاق سراح الأسيرين ونزع سلاح حزب الله.
لاحقاً سيخلص تقرير إحدى أهم لجان التحقيق التي تشكلت بعد الحرب (لجنة شومرون) إلى استنتاج أن الحرب، حتى التاسع من آب، لم يكن لها أي هدف عسكري محدد، وقد أديرت وفقاً لنظرية «روافع الضغط وردود الفعل» التي تراهن على انهيار العدو تحت ثقل الضغوط السياسية المقرونة بضربات عسكرية نوعية، وذلك عوضاً عن التفكير بالانتصار العسكري عليه بالمفهوم الكلاسيكي البسيط والمعروف.
المرحلة الرابعة: 11ـ 13/ الهروب إلى الأمام
لا يمكن تفسير الاندفاعة العسكرية المتهورة في هذين اليومين ضمن أي سياق سياسي، عدا، ربما، الحسابات الشخصية لصناع القرار الساسة في إسرائيل، لجهة خشية كل منهم (وخاصة أولمرت) من اتهامه ـــــ أمام الرأي العام ولجان التحقيق ـــــ بالوقوف في وجه الجيش ومنعه من تحقيق الحسم العسكري بعد أن أعد الأخير له عدته اللازمة. الجيش، من جهته، وضع القيادة السياسية، بدعم من بيرتس، أمام أمر واقع هو وجود القوات في محاور تقدم داخل أرض العدو، ما يعني تعريضها للخطر حال التوقف مكانها. الجيش أراد ببساطة أن يثأر لكبريائه الجريحة ولعنفوانه المهشم أمام شعبه وحكومته والأصدقاء والأعداء وبقية العالم. اعتقد، خاطئاً، أن بالإمكان فعل ذلك من خلال إطلاق العنان لآلته العسكرية، مراهناً على فرض وقائع ميدانية تُمَكِّن من تجاوز مفاعيل وقف إطلاق النار بذرائع الضرورات الميدانية. إلا أن المقاومة كانت بالمرصاد، فكانت نتيجة المعارك والمواجهات التي خاضتها ضد قوات العدو في هذين اليومين كارثية عليه: 33 قتيلاً وعشرات الجرحى.
يوم الأحد، 13 آب، صادقت الحكومة الإسرائيلية على قبول القرار 1701. أجمل بيرتس خلال الجلسة مقاربته لنتائج الحرب قائلاً: «لم نخسر؛ لم يكن ثمة انتصار، لكننا لم نخسر في أي حال من الأحوال. حتى لو لم ننتصر، إلا أننا لم نخسر»!!!
تسيبي ليفني (أرشيف - أ ف ب)
عامير بيريتس (أرشيف -أ ب)
تعليقات: