تلّوث مياه الحاصباني بزيبار الزيتون يسممّ المزروعات.. والخسائر تتراكم

قناة الري الرئيسية في الحاصباني بعد تلوثها
قناة الري الرئيسية في الحاصباني بعد تلوثها


حاصبيا ـ

توقف مزارعو حوض الحاصباني عن ريّ بساتينهم المشجرة وحقول الخضار، في محاولة بدت ضرورية وملزمة لحماية ثروتهم الزراعية وإنتاجها، من سموم زيبار الزيتون الذي لوّث ولا يزال مياه النهر وأقنية الريّ الرئيسية والفرعية المرتبطة به، محولاً المياه من صافية إلى سوداء كالحة، بحيث باتت وحتى إشعار آخر غير صالحة للريّ، بل مصدراً للأوبئة والأمراض، لتنكد الحياة العامة في هذه المنطقة التي نالت شهرة سياحية وزراعية، ناهيك عن كونها مصدر عيش لمئات العائلات الحاصبانية.

«ضربة موجعة تلقتها مزروعاتنا في حوض الحاصباني في العام الحالي»، كما يقول المزارع جميل الحمرا، وهو يشير إلى أشجاره التي باتت تميل إلى اليباس، ومزروعاته الصيفية التي ذبلت بثمارها قبل أوانها. يضيف: «وكأن انحباس الأمطار وارتفاع الحرارة غير المسبوق لا يكفيان لضرب مواسمنا الزراعية في هذا الحوض، وإن كانت تلك هي إرادة الله والتي نقف عاجزين خاشعين أمامها، لتأتينا مشكلة من صنع أيدينا، وهي مشكلة زيبار الزيتون التي تجاوز ضررها كل ما سبق، لتدخل مواسمنا الزراعية الصيفية، إضافة إلى البساتين المروية والبعلية دائرة الخطر، بالتزامن مع انخفاض غير مسبوق في منسوب مياه ينابيع الري، وخاصة نبع الحاصباني الذي وصلت مياهه إلى ادنى حد منذ العام 1963».

ويؤكد الحمرا أن «قسماً من أتعابنا ذهب هدراً، فالخسائر هنا كبيرة ومتكررة ومتعددة الأسباب، مرة كانت بسبب العدوان الإسرائيلي وقذائفه، ومرة بسبب الجفاف والطقس الحار، إننا ننتظر الموسم يوماً بعد يوم، وجاءنا زيبار الزيتون ليضاف بدوره إلى تلك العوامل، والنتيجة القضاء على كل أمل لنا بالربح، في ظل عجزنا عن تسديد الديون المتراكمة التي نقترضها على الموسم».

ويصف مختار حاصبيا أمين زويهد تلوث الحاصباني «بالإهمال المزمن، وعدم المسؤولية لأصحاب المعاصر وللجهات المعنية، التي يجب أن تضرب بيد من حديد وتوقف الاستخفاف بقضايا الناس ولقمة عيشهم، فالتلوث يؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي لمئات العائلات التي خسرت أكثر من نصف مواسمها الزراعية». ويشير زويهد إلى أن «البلدية وجهات أخرى بذلت، جهوداً حثيثة من أجل حماية النهر، وكانت خطوات ميدانية، نجحت في بعض الأماكن وفشلت في أخرى، ما سمح ولا زال بتسرب كميات من الزيبار إلى النهر»، داعياً «الجهات المعنية لبذل المزيد من الجهد، وتفعيل إجراءاتها علّها تنجح في معالجة الوضع خلال الفترة المقبلة».

ويصف المزارع لبيب الحمرا الوضع بالكارثي، «فقناة الريّ الرئيسية ومتفرعاتها التي تروي معظم بساتين الحاصباني باتت ملوثة، زيبار الزيتون يتسرب إليها بين فترة وأخرى خاصة خلال ساعات الليل، ما جعل المزارع الحاصباني يوقف ريّ بساتينه ومزروعاته منذ أكثر من أسبوعين، وذلك للحفاظ على أشجاره التي ستتيبّس حتماً بسبب سموم الزيبار، ولإبقاء إنتاجه الزراعي خارج أي تلوث، ويبدو أن الوضع سيستمر طيلة موسم عصر الزيتون والمحدد بشهرين، وفي حال استمر انحباس المطر، سوف ينعكس سلباً على البساتين المثمرة بشكل خاص وعلى الوضع الزراعي في المنطقة بشكل عام».

وتبلغ مساحة حوض نهر الحاصباني، وفق دراسة أعدها «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» 516 كيلو مترا مربعاً، وطول المجرى الشتوي أعلى النبع 34 كيلومترا، والمجرى أسفل النبع 21 كيلومترا. وجاء في الدراسة أن «إجمالي الاستهلاك الحالي للري يتجاوز الأربعة ملايين متر مكعب في السنة، في حين المطلوب بحدود ثلاثين مليون متر مكعب. ويصل عدد قرى الحوض إلى 47 قرية يتجاوز سكانها السبعين ألف نسمة. أما المساحة الإجمالية للحيازات الزراعية تقدر بحوالى 8500 هكتار، والمساحات المزروعة 3630 هكتاراً، والمروي منها بحدود الثمانمئة هكتار».

وحول مواسم البطيخ والشمام، يشير المزارعون إلى وجود «ثمانية آبار في السهول تعمل على المازوت وعلى مدار الساعة، وتكلفة ساعة الضخ الواحدة تصل إلى خمسين ألف ليرة. ويضاف ذلك إلى الأسمدة التي ارتفعت بنسبة ثلاثة أضعاف، وكذلك الأدوية أربعة أضعاف للموسم الحالي». ويشيرون إلى صعوبات جمة في تصريف الانتاج، فموعد قطاف الشمام والبطيخ بات قريباً وخلال فترة أقل من شهر، فيما يتراوح وزن البطيخة بين خمسة عشر وخمسة وعشرين كيلوغراماً، يتساءل المزراع: «بكم سيكون ثمنها في سوق المفرق؟ وهل سيشتريها رب العائلة ان تجاوز سعرها ثمن اوزة ؟».

ويشير رئيس بلدية الماري إلى أن البلدية وبتمويل من «الاتحاد الأوروبي»، و«صندوق التنمية الاجتماعي» انجزت «دراسة، وأعدت ملفاً يقضي باقامة قناة ريّ من الباطون المسلح، لجرّ مياه الحاصباني من نقطة جسر الشقعة، وحتى سهول الماري بطول حوالى خمسة كيلومترات، وبكلفة تصل الى مئتين وخمسين ألف يورو. على أمل أن تنتهي الأعمال في نهاية الصيف، نكون بذلك أمنا مياه الري لسهول الماري حتى فترة نهاية حزيران تقريباً».

وفي بساتين الحاصباني «القريبة من النبع يبدو الوضع مقبولاً حتى اليوم»، كما يشير رئيس «الجمعية التعاونية الزراعية» رشيد زويهد. ويرى أن «مياه الريّ انخفضت إلى النصف تقريباً نسبة إلى الفترة نفسها من العام الماضي، لكن المهم أن المياه لا تزال تصل إلى البساتين كافة وبكمية أقل من المطلوب. والمزارعون هنا باتوا يحسبون ألف حساب لشح متواصل وسريع في المياه، تصبح معها عملية الري صعبة ومعقدة في ظل عدم وصول المياه إلى البساتين في الطرف الجنوبي، التي تبعد عن النبع مسافة أربعة كيلومترات». ويشير زويهد إلى ان «العديد من الخبراء الزراعيين أبدوا تخوفاً، من ذبول زهر الزيتون بسبب الحر والجفاف، خاصة أن تلك الأشجار لم تتحمل العطش لأكثر من شهرين حيث بدأ انحباس المطر، ما سيضرب موسم الزيتون، علماً أن العام الحالي موسم الحمل لهذه الشجرة».

ويذكر الشيخ مهدي سعسوع بأن «الجفاف بدا جلياً على العديد من الأشجار المثمرة في حوض الحاصباني، فأصفرت أوراق عشرات الأشجار كما مئات النصوب الحديثة، وخاصة نصوب الزيتون التي يبست وبنسبة عشرين بالمئة. واذا لم يسارع المزارع إلى ريّها بواسطة الصهاريج فإن نسبة اليباس فيها قد تجاوز الثمانين بالمئة. علماً أن ثمن صهريج المياه تجاوز الخمسة وعشرين ألف ليرة، وهو يروي خمسين غرسة فقط، ومثل تلك النصوب يلزمها الري كل عشرين يوماً».

ويرفض خالد الزهران، من وادي خنسا، الحديث عن الوضع الزراعي المتدهور في سهوله، لأنه «مع هذه الدولة الحكي خسارة». ويضيف اليوم خسارة جديدة إلى خسائره المتراكمة على مدى السنوات الثلاث الماضية والمقدرة بأكثر من ثمانمئة الف دولار، وهي ناتجة عن عدوان تموز وعن عوامل الطبيعة. ويختصرالزهران «قولوا لهم نحن من صمد على خط النار هنا، ليعطونا حقوقنا ومنها بدل خسائرنا الزراعية خلال حرب تموز والناتجة عن قذائف العدو وغاراته الجوية، وليأخذوا منا عشرة مواسم زراعية»... ويختم بقوله «لكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟».

تعليقات: