أسعار الخضر والفاكهة تضغط على اللبنانيين.
احتجاجات بلا تأثير في غياب الأحزاب وسبات النقابات العميق
عاش اصحاب الدخل المحدود والأكثرية الساحقة من اللبنانيين تجربة صعبة خلال الاسابيع الفائتة مع الارتفاع غير الطبيعي لأسعار الخضر والفاكهة، وسط صمت حزبي شبه كامل وانشغال القادة والأفرقاء السياسيين بترتيب "الجبهات المفترضة للكباش المقبل".
وبعيداً من الصخب السياسي المتكئ الى المناكفات والسجال غير المجدي بين طرفي التصادم الداخلي، فإن ما يؤرق المواطن العادي عدم الاكتراث الرسمي والحزبي. بروفة الإرتفاع الجنوني لأسعار بعض الخضر والفاكهة في المدة الاخيرة، خصوصاً البندورة التي لامس سعر الكيلوغرام الواحد منها الـ 3 دولارات اميركية اي 4500 ليرة لبنانية، وهو أعلى سعر تعرفه البندورة في لبنان. وحتى في شهر رمضان حيث يتربص بعض التجار خلف مكارم الشهر الفضيل لم يتجرأ هؤلاء على رفع السعر الى هذا الحد.
ويأتي هذا الإرتفاع بعد اسابيع من الانقضاض جهاراً على ربطة خبز الفقراء، فصادر اصحاب الأفران بمباركة وزارة الاقتصاد والتجارة رغيفاً كامل الأوصاف من الربطة التي يتناقص وزنها منذ اعوام عدة بحجة ارتفاع أسعار القمح عالمياً، علماً ان الطحين ما زال مدعوماً. ووصل وزن الربطة اليوم الى 1000 غرام بعدما كان 1500 غرام في ظل استخفاف واضح بعقول المواطنين، لأن المعنيين بالطحين والخبز يعلنون انه لا يمكن التلاعب بسعر ربطة الخبز، وبالتالي هو ثابت في وقت تراجع فيه وزن الربطة. وفي عملية حسابية بسيطة نرى ان سعر ربطة الخبز قد ارتفع اكثر من 30 في المئة في الأعوام الأخيرة لأن ربطة الخبز فقدت ثلث وزنها، اي 500 غرام.
هذه الصورة ترسم ملامح قاتمة عن المستقبل المنظور وما ينتظر اصحاب الدخل المحدود من ازمات تهدد البنية الاجتماعية لا بل المنظومة الاجتماعية، لما لها من اثار سلبية على الفقراء في غياب ممثلي الشعب عن متابعة همومهم، وبعد استقالة الحركة النقابية من مهماتها الاساسية وتفرغها للمناكفات السياسية وانصهارها في الاصطفاف المذهبي والطائفي اللبناني، باستثناء قلة لا حول لهم ولا قوة، الذين رغم الاصطفافات وشح مصادر التمويل، صدحت حناجر هؤلاء مطالبين بـ "الخبز والعلم والحرية" وحضوا العامل والطالب والمعلم على رفع الصوت احتجاجاً.
البندورة حلقت ...وغطت بسلام
ربما هي المرة الاولى في تاريخ لبنان التي يلامس فيها سعر كيلو البندورة الـ 4500 ليرة لبنانية، مما يرفع سعر طبق "السلطة العادية" أو "الفتوش" الى اكثر من 10 آلاف ليرة. وعند الاستفسار عن السبب يأتيك الرد من المعنيين ان حرارة الطقس حرقت المزروعات في لبنان كما في معظم الدول العربية، فضلاً عن الشائعات التي طالت موسم العام الماضي وامتدت الى هذه السنة لارتباطها بتلوث المنتجات بالمبيدات والاسمدة الكيميائية، مما جعل المزارع يُهمل عدداً كبيراً من الاصناف الزراعية الاساسية، ويتجه الى زراعة اصناف اخرى او الامتناع عن الزراعة، وليس للأمر أي صلة بالسياسة وهذا مما يعد سابقة في هذا البلد.
الصحوة المتأخرة
يجاهر بائع الخضر أن "آخر همه الإنتماء السياسي والطائفي للزبون وكل ما يعنيه ان يدفع هذا الأخير ثمن البندورة أو البطاطا أو الخيار... الخ، وان لا يطلب تسجيل الحساب بالدفتر والانتظار حتى اخر الشهر، وكل ما عدا ذلك تفصيل بسيط. فآدم سميث أحد منظري نظام السوق القائم على العرض والطلب لم يذكر ما اذا كان اصحاب الطلب ينتمون الى الموالاة او المعارضة، الى اليمين او اليسار، فجلّ همه كان منصباً على "اشباع رغبة هؤلاء عبر نظام السوق المتكئ الى صفات الفرد الحميدة". هذه المؤشرات التقطها بعض اليساريين المنضوين تحت لواء الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان وايضاً شباب في اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني وشرعوا في تنفيذ التظاهرات والاعتصامات في مناطق لبنانية عدة من دون ان تنجح احتجاجاتهم في حجز مكان لها على الشاشات وبعض الصفحات لانشغال اصحاب الحل والربط بقضايا اكثر اهمية من جوع الناس، لعل بعضها يتصل بمستقبل البشرية على المريخ. وهكذا يصح القول المأثور "كما تكونوا يولى عليكم" لأن الشعب الذي يختار ممثليه عليه تحمل تبعات خياراته حتى لو حرم اطفاله وعائلته من الخيار او البندورة.
التوفير حاضر والمسؤول غائب
ام عماد (48 عاماً) ربة منزل تستغرب عدم اكتراث المسؤولين بأحوال الشعب رغم ارتفاع الاسعار، "هم يعيشون في رفاهية ولا يعيرون اي اهتمام للمواطنين. يتذكرون فقط، ان هناك بشراً حولهم قبل الإنتخابات، وكل 4 سنوات يزوروننا طمعاً بأصواتنا".
كلام السيدة المتذمرة من ارتفاع الأسعار يردده الناس في اكثر من منطقة في بيروت وضواحيها وبعض هؤلاء يدعون للتقليل من شراء الخضر والفاكهة في حال عادت موجة الغلاء، وفي هذا السياق يقول طارق حبلي (52 عاماً)، "ان ليس من سبيل امامنا الا التوفير وعدم الإسراف في الإستهلاك، واذا استمر الوضع على ما هو عليه سيأتي يوم نصبح فيه مثل الأوروبيين نشتري الفاكهة بالحبة واللحم بالغرام، وربما نستغني عن الخبز...".
في المقابل، رأى عدد من المواطنين ان الوسيلة الأنجع للضغط على التجار لخفض أسعار بعض السلع تكمن في مقاطعتها، علماً ان ارتفاع الأسعار لم تقتصر على عدد محدود من السلع، وفق بعض الإقتصاديين، مما دفع بعض الوزراء الى رفع الصوت لإعادة العمل بمراسيم تحديد نسب الأرباح (حددت هذه المراسيم هامش الأرباح بـ 27 في المئة) وهو ما اقره مجلس الوزراء قبل مدة من اصابته بشلل قسري.
تعليقات: