تقسيم فلسطين و.. الكيان الصهيوني
غداً يكون قد مضى على قرار تقسيم فلسطين ثلاثة وستون عاماً. كما يفترض غداً ان تحتفل الامم المتحدة بيوم "التضامن مع الشعب الفلسطيني" كأن هذا التضامن يمثل تعويضاً معنوياً للشعب الفلسطيني الذي لا يزال يعاني الشراسة المتنامية للمشروع الصهيوني. وكان قرار الامم المتحدة بتقسيم فلسطين احد نتائج التقاسم بين بريطانيا وفرنسا والذي قضى بقيام نظام الانتداب في كل من سوريا ولبنان وفلسطين. لكن التقاسم الذي حصل استولد لعنة التقسيم الذي لم تكتف الوكالة اليهودية بما اقتطعه لليهود اي 52 في المئة من الارض، اذ اخذ المشروع الصهيوني مباشرة بالتمدد الاستيطاني وما انطوى عليه من مجازر لاسيما في دير ياسين، فعندما اعلن بن غوريون في ايار عام 1948 قيام "دولة اسرائيل" كانت مساحتها حوالى 78 في المئة من ارض فلسطين التاريخية. وفي حين نحتفل بيوم التضامن مع الشعب الفلسطيني يستمر التمدد الاستيطاني بلا هوادة في الاراضي المغتصبة بعد 5 حزيران 1967. السؤال: حتى متى ستبقى هذه الازدواجية قائمة؟ واسرائيل في منأى عن الكلفة، واذا طولبت بـ"تجميد" مستوطناتها ثلاثة اشهر في مقابل مكافأة، نعم مكافأة، تتمثل بهبة 20 طائرة 35 F وبوعد ان الادارة الاميركية سوف تمارس حقها في نقض اي مشروع قرار امام مجلس الامن يؤول الى خطوة في اتجاه ممارسة الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير.
في مناسبة ذكرى قرار تقسيم فلسطين لا مفر من الاعتراف بأن ما انطوى عليه كان لعنة لا تزال تعزز في شكل متواصل التقسيم تلو التقسيم في معظم ارجاء الامة العربية حتى يكاد يساورنا شعور بأن مجرد استعمال تعبير "لمحة عربية" يخرجنا من اي صلة بالحالة السائدة.
لعنة التقسيم آخذة سلبياتها واضرارها في التعاظم وبنسب متفاوتة، ونرى ان لبنان بعدما اختبر مراراً الاقتراب الخطير من حافة التقسيم لا يزال يعاني لعنة الانقسامات التي اختبر مراراتها ايضاً وعانى الكثير من تجلياتها المحبطة والمآسي التي لوثت قيمه وأحبطت طاقاته وحددت استقلاله وحرّفته عن توظيف طاقات شعبه الحيوية مما سهّل التدخلات السافرة وعطل الى حد كبير تلقائية التداخل مع من يشاركونه وحدة الثقافة والمصير.
ما ساهم في اقتراب لبنان من حافة التقسيم وخطورة ان تمسه لعنته هو احتمال اصدار القرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما قد ينطوي عليه من تداعيات قد يصعب ضبطها نظراً الى هشاشة مناعة الوحدة الوطنية. واقول هشاشة نظراً الى جعل القرار الاتهامي بمثابة ادانة في حين انه اشتباه من جهة، وجعل المحكمة كأن الحرص عليها هو حكر على فريق دون آخر من جهة، ثم اعتبار المحكمة بمثابة حكم مما يوحي ان المحاكمة هي الى حد كبير صورية في حين ان المحكمة هي الآلية التي تتم من خلالها المحاكمة ومن ثم صدور الحكم. من هنا تسيست "المحكمة" وتسيّس القرار الظني وكان الانشطار الذي استدعى ثنائية السعودية - سوريا لضبط الازمة وهذا أفرز املاءات وتهديدات متبادلة من دون اعتبار لاستقرار السلم الاهلي الذي يبقى أولوية والحرص عليه هو التزام بديهي يجب تحصينه حتى يكون لبنان محصناً، وبالتالي ناضجاً بما فيه الكفاية لادارة حكيمة وشرعية لأي احتمالات.
وبما ان هذا المستوى من النضج والشعور بالمسؤولية كان أقل من المرغوب فيه، ونظراً الى النقص الذي ظهر في التعامل مع الازمة المتفاقمة لا مفر من ادراك ان ما تنطوي عليه التهديدات المتبادلة داخل النظام الطائفي الهش يدفع دولاً اقليمية مثل تركيا وايران الى المسارعة لاتخاذ الاجراءات الرادعة لفلتان خطير لن يكون محصوراً في لبنان. ومن هنا أهمية زيارتي محمود أحمدي نجاد ورجب الطيب أردوغان اللتين دعمتا واحتضنتا ما تقوم به السعودية وسوريا.
***
الصحيح ايضاً ان الزيارتين الاخيرتين لكل من أحمدي نجاد وأردوغان برز فيهما وإن بتفاوت التذاكي في التعامل مع ما يبدو انقساماً طائفياً حاداً وظهر ذلك جلياً في تباين المواضع الجغرافية بعد إكمال الوجه الرسمي للزيارتين - وهذا مؤسف - إلا ان وحدة المصطلحات التي ميزت خطابات الرئيسين التركي والايراني في ما يتعلق بعدوانية اسرائيل ومستلزمات المقاومة أفرزت نوعاً من التكامل في النتيجة، بمعنى ان لبنان اصبح محصناً أكثر ومرشحاً للابتعاد التدريجي عن حافة التقسيم ولعنته.
يبقى أن يكون ابتعاد لبنان، وإن تدريجاً، عن حافة اللعنة ممهداً بدوره لتتحرر فلسطين من لعنة التقسيم.
وإن كان وعد التهدئة يقترب فتبقى لعنة التقسيم سائدة العديد من اقطار الأمة العربية، وتبقى جاثمة وبالتالي محتملة. والسؤال الذي يطرح نفسه أين مصرنا الحبيبة التي أجازت ملء فراغ غيابها؟
تعليقات: