اللواء الركن المتقاعد ياسين سويد
كتاب مفتوح إلى وزير الأشغال
...
معالي الوزير.
تحية واحتراماً، وبعد:
تشدني إطلالاتك المتكررة، تفتح طريقاً أو اوتوستراداً، في أربع جهات الأرض اللبنانية، فأكبر فيك النشاط والهمة اللذين نفتقدهما لدى العديد من أمثالك المسؤولين، خصوصاً في هذا الموقع الحيوي والمهم، الذي يفتح سبل التقدم والنمو والازدهار في مختلف نواحي الوطن، إلا أنني أفتقدك، وأحن إلى إطلالتك، في موقع تشدني إليه ذكريات حميمة، حيث نشأت وترعرعت، في قرية في أقاصي لبنان الجنوبي، في جنوبي الجنوب، على مقربة من حدود الكيان الفلسطيني المغتصب.... في العرقوب اللبناني.
أنا، يا معالي الوزير، من «العرقوب» الواقع بين الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية جنوباً، والحدود اللبنانية ـ السورية شرقاً، والذي يشكل، في غالبيته، قضاء حاصبيا، ويضم البلدات والقرى الممتدة من حاصبيا وشبعا شمالاً، إلى الفرديس وراشيا الفخار والسلامية غرباً، بلدات وقرى من جميع الطوائف والملل التي يتكون لبنان منها، ويتكنّى، مع الأسف الشديد، بها، والعرقوب، في التعريف اللغوي، الأرض الصعبة أو ما يسمى «خراشيم الجبال أو الطرق الضيقة في متونها» ـ أي في متون الجبال ـ (البستاني، محيط المحيط)، أو هو «الكعب والعقب» (أنيس فريحة، معجم أسماء المـدن والقرى اللبنانية).
وهكذا يبدو كم هي صعبة الحياة في هذه المنطقة، من لبنان، النائية عن حضارته، والغائبة عن فكر مسؤوليه واهتماماتهم، فقد قاسى أهله (أهلنا) من إهمال الوطن لهم، ما لا يقاس، ولا يزالون يقاسون. ومن ذكرياتي الصعبة والمؤلمة انني كنت واخوتي (كما غيرنا من أبناء العرقوب) نسير، على الأقدام، أو على الدواب، وقبل بزوغ الفجر، من قريتنا «كفرحمام» الواقعة في السفح الغربي لجبل الشيخ، إلى «سوق الخان» حيث نصل إلى الطريق المعبدة التي تصل حاصبيا بمرجعيون، عند مفترق «سوق الخان» لكي نلحق «بالبوسطة» التي تقلنا إلى مرجعيون ومنها إلى صيدا، لنلتحق بمدارسنا، ذلك ان الطرق التي تصل قرى العرقوب كلها، بالطريق المعبدة (حاصبيا ـ مرجعيون) لم تكن معبدة، فهي، إذن، لا تصلها السيارات، التي يستعاض عنها بالدواب (الحمير والبغال) أو بالسير على الأقدام التي تنهكها المسافة وصعوبات الطريق. وكان هذا هو دأبنا طوال سني مراهقتنا ويفاعتنا، وذلك ما بين الأعوام 1930 و1950 من القرن المنصرم، أي إلى مطلع عهد الاستقلال، حيث شقت، إلى قرى العرقوب، طرق ضيقة وصعبة المسالك، رغم انها كسيت بشيء من «الزفت» الذي لم يجعلها، بعد، طرقاً معبدة، ولا تزال.
لقد تفاءلنا خيراً، ذات يوم مضى، عندما وصل «الأوتوستراد الجنوبي» إلى صور ساحلاً، والى النبطية باتجاه الجنوب شرقاً، إلا انه توقف، منذ سنوات عدة، عند «كفررمان»، ولا يزال متوقفاً، بينما لا نزال نقاسي المشقة إذا ما أردنا الوصول إلى مرجعيون (عن طريق الليطاني) ثم الوصول إلى العرقوب، كأنما كتب علينا، في كل مرة نحاول أن نصل إلى أهلنا في هذه المنطقة النائية من الوطن، ان نتحمّل من العناء والمشقة ما يجعلنا نكفر بعدالة الحكم ونزاهته، ونلعن الحظ الذي قادنا إلى هذا المصير.
وهكذا، وبينما نشاهدكم، على التلفاز، تدشنون الأوتوسترادات، في مناطق مختلفة من لبنان، في عكار وفي صيدا، وفي البقاع والجبل، نرى انه لم يخطر ببالكم، أبداً، ان في الجنوب طريقاً تمتد من النبطية إلى مرجعيون فقرى العرقوب، في جنوبي الجنوب، بحــــاجة إلى عنايتكم، والمؤسف أن نوابنا الكرام لم يكونوا، أبداً، في مستـــوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه هذه المنطقة من الوطن.
..
اللواء الركن المتقاعد ياسين سويد
تعليقات: