سوق الحريقة في دمشق
أيام قليلة ويعود اللبنانيون ليتجولوا في سوق الحميدية، يقلّبون كنزات التريكو، ويفردون المناشف ويتفحصون الأقمشة.
أيام قليلة، وسيتلقى اللبنانيون الآخرون أكبر مفاجأة يمكن توقعها، سيجددون واجهات محلاتهم، ومقاعد الانتظار في مصارفهم، سيطبعون كميات إضافية من (فورمات) عقود التأمين، وسيمسح صرافو شتورا الغبار عن الإطار الداخلي لأنصاف الدوائر في زجاج محلاتهم الصغيرة، وسيجلسون بانتظار عودة السوريين الذين لن يعودوا هذه المرة.
فما لا يعرفه اللبنانيون أن السنوات الخمس الماضية كانت الفرصة التي انتظرها الاقتصاد السوري ــ دون أن يدري ودون أن يقصد ــ ليبني نفسه، ويلبي حاجاته الضرورية، ويستغني (مضطراً) عن شقيقه الأكثر مرونة وعصرية.
سيأتي اللبنانيون ليكتشفوا أنه صار للسوريين مصارفهم وحوالاتهم ودفاتر شيكاتهم وعقود تأمينهم، سيكتشفون أنهم صاروا يستوردون الفناجين بأنفسهم، بل ويصنعون بعضها، لديهم عقود مع شركات كثيرة لاستيراد التبغ، وعقود امتياز لتصنيع أنواع شركات أخرى.
وأنهم لم يعودوا بحاجة ليهربوا شيئاً من لبنان، ولا أن يقفزوا عبر الحدود ليرسلوا أو يستقبلوا حوالة، ولم يعد ملحاً إرسال أبنائهم لدرسوا في جامعة بيروت العربية أو الأمريكية، فلدى السوريين جامعاتهم الخاصة.
سيكتشفون الشكل الجديد لمرفأي طرطوس واللاذقية، وسيشعرون أن مرفأ بيروت لن يعود بعد اليوم مسترخياً.
العقود الطويلة التي اتكأ فيها السوريون على الاقتصاد اللبناني انتهت، وهي العقود ذاتها التي صمم خلالها اللبنانيون اقتصادهم على أساس أنهم 25 مليون نسمة (مجموع مواطني البلدين عام 2005) واختصوا بجزء من اقتصاد هؤلاء الـ 25 مليون، وهو تحديداً الجزء المتعلق بالاقتصاد الحر، لكنه الجزء المتعلق أكثر بحاجات الناس التي لا يلبيها اقتصادهم التقليدي ذو النزعة الاشتراكية.
اليوم لن يعود كافياً للبنانيين أن يجلسوا في متاجرهم وشركاتهم ومصارفهم، لينتظروا زبائنهم السوريين، وعليهم إذا ما أرادوا أن يعملوا لسوريا، أن يأتوا إلى سوريا.
وقريباً سنرى (إضافة إلى بعض البنوك اللبنانية التي أدركت هذه الحقيقة باكراً) مستثمرين وشركات لبنانية ستفتتح فروع في سوريا، وقريباً ستأتي الشركات العقارية اللبنانية لتصبح (مطورين عقاريين سوريين).
مستوردو المشروبات اللبنانيين، سيشعرون بالارتباك وهم يدفعون ضرائب سوريّة، وموردو المشروبات الغازية سيبلبلهم أن البيبسي صارت تصنّع في اللاذقية والكوكا في ريف دمشق.
المفاجأة التي حضرها الاقتصاد السوري للبنانيين، تشبه أباً غاب عن ابنه في رحلة طويلة لخمس سنوات، وعاد يحمل إليه ألعاب كثيرة، لكنه ولسوء متابعته، وصل ليجد شاربيه وقد رسما خطاً يظلل شفتيه.
نما اقتصادنا خلال السنوات الخمس الماضية بطريقة لا نستطيع تمييزها نحن، لأننا نعيش داخله ونراه كل يوم، لكن عائداً مثل أخوتنا اللبنانيين سيتلقى المفاجأة، ويجعلنا ننتبه إليها، وندرك ــ للوهلة الأولى ربما ــ أن ما فعلناه هو مفاجأة.
المصدر - جريدة الخبر
تعليقات: