متظاهرون يحطمون سيارة البث المباشر الخاصة بقناة «الجزيرة» في ساحة النور في طرابلس
محاصـرة إعـلامييـن بالنـار والـرصـاص وإحـراق سيـارة لـ«الجـزيـرة»
إنه «يوم الغضب» على الصحافيين. هكذا ترجم أنصار «تيار المستقبل» احتجاجاتهم على عدم «تجديد» السلطة لزعيمهم. إنه يوم حصار الإعلاميين، وتهديدهم، وإضرام النار على بعد خطوات منهم. إنه يوم ممارسة العنف والشغب بحق المصورين والمراسلين ورميهم بالحجارة والعصي، وترويعهم بالرصاص. إنه يوم استهداف أبناء ما يسمى «بالسلطة الرابعة»، وقد نالت قناة «الجزيرة» النصيب الأكبر منه، لدى حرق سيارة البث الخاصة بها في طرابلس، وبث الذعر في نفوس أفراد طاقمها المحاصرين وغيرهم من الزملاء ممن كانوا معهم. فيما لم يسلم عدد من مراسلي القنوات المحسوبة على فريق 8 آذار من الاعتداءات التي اتخذت أشكالاً مختلفة.
ولم تنحصر تداعيات الغضب بطبيعة الحال في طرابلس، بل عبر الغاضبون عن ولائهم لزعيمهم على طريقتهم في مناطق عدة، سيما في بيروت، وصبوا جام غضبهم من نتائج الإستشارات النيابية على صحافيين عزل، الا من كاميرات يحاولون حمايتها بأجسادهم. وقد نقل عدد من الشاشات أمس، مشاهدهم وهم يهرولون في الشوارع والطرقات متأبطين كاميراتهم، كمن يحاول أن يظفر بسلاحه المهني.. ربما قبل سلامته الشخصية.
مرة جديدة، يتحول الصحافيون في لبنان الى «كبش محرقة»، الى مادة لتصفية الحسابات السياسية. وقد باتوا أمس أيضاً، بنظر الحانقين في الطرقات، فريقاً سياسياً تجدر محاسبته بلغة الشارع. يصعب في بلد مثل لبنان، تحييد الإعلامي وصون حريته ودوره المهني. ولم تنفع كل أساليب الشجب والإستنكار عقب كل مرة يتعرض فيها بعضهم، وفي مناسبات مختلفة، الى الضرب والاعتداء ومصادرة كاميراتهم.
ولعل التعرض للجسم الإعلامي أمس بلغ مداه، مع تعرض كل من الزميلة في «أو تي في» شيرين ناصر الى الضرب في طرابلس، وكذلك زميلها في القناة غابريال مراد في الكولا. وهي المنطقة التي شهدت اعتداءات مماثلة على كل من مصور «الوكالة الوطنية للإعلام» محمد الساحلي الذي منع من تأدية مهامه، ومراسلة قناة «أن بي أن» الزميلة رشا الزين، التي حاول متظاهرون نزع حجابها بعد إصابتها بجرح في رأسها نتيجة رميها بالحجارة.
كما تعرض أحد مراسلي «سي أن أن» الى استجواب من قبل شباب من «تيار المستقبل» في الطريق الجديدة، لدى سؤاله عما إذا كان يعمل لصالح قناة «نيو تي في»، ولم يخل سبيله الا بعد تدخل الجيش، بحسب رواية مراسلة «نيو تي في» سلمى الحاج.
ومن جديد، تدفع «الجزيرة» ضريبة قيامها بدورها المهني. فوقائع يوم أمس مرت ثقيلة على القناة القطرية. وقد نقلت شاشتها حيثيات تعرض فريقها الإعلامي للتضييق والتهديد. فيما تعرضت سيارة البث الخاصة بها الى الحرق بعد تحطيمها، ليحاصر فريق القناة وغيره من الزملاء في مبنى تم تطويقه من قبل مئات المتظاهرين. وعكف مراسل القناة في طرابلس ماجد عبد الهادي من بين المحاصرين الى نقل رسائل صوتية، يطالب فيها بإنقاذهم، ويستغرب «عدم تدخل الجيش الذي هو على بعد أمتار فقط» بحسب قوله.
ومع إضرام المتظاهرين النار على مدخل المبنى، ومحاولة اقتحامه. تحولت شاشة القناة الى مساحة لبث النداءات للجيش اللبناني من أجل إنقاذ الصحافيين المحاصرين، وعددهم بين 10 الى 15 صحافيا. فيما أعلنت المذيعة غير مرة: «طاقم «الجزيرة» معرض للإعتداءات والهجوم. وهناك خطورة على بعض الصحافيين في ساحة «النور». ونسأل عن سبب عدم وصول الجيش لإخراج المحاصرين من المبنى!» ثم سألت النائب عقاب صقر عبر الهاتف: «مسؤولية من أن يتعرض الصحافيون لهذا التهديد المباشر في «يوم الغضب»؟
فجاءها الجواب: «ربما أضرم المتظاهرون النار، لدى علمهم بوصول الجيش. أردناه يوم غضب صامت، فإذا بالناس تنفجر بهذه الطريقة المسيئة».
ثم اتصل الزميل عبد الهادي بالقناة ليعلن خروج الصحافيين من المبنى. في وقت كانت النار قد أتت بالكامل على سيارة القناة!
ويروي الزميل مالك الشريف من قناة «نيو تي في» لـ»السفير» ظروف حصاره وزملائه الثلاثة من القناة في المبنى، مع طاقم «الجزيرة»، ومصور من «المستقبل» ومسؤولين من مكتب الوزير محمد الصفدي. ويقول «إن المتظاهرين كانوا يطلبونني بالاسم، مع ذكر اسم قناة «الجديد»، لكن المسؤولين في مكتب الصفدي أغلقوا باب المبنى لحمايتنا. فحاول المتظاهرون خلعه، ولم يتمكنوا، عندها قاموا بإشعال المدخل».
والشريف الذي تعرض «لقطوع» كبير، يشير الى أن عنصراً أمنياً أنقذه من رصاصة مرت فوقه، بعدما دفعه من رأسه نزولاً كيلا تصيبه. ويصف ما حدث «بحالة رعب كبيرة، استخدمت في ظلها الحجارة، والنيران، والرصاص، وتعرضت فيها معداتنا للتحطيم».
ويلفت الى تعرض عناصر من مخابرات الجيش للحجارة، لدى محاولته إخراجنا من المبنى، فيما كان مكتب الصفدي في المبنى يحترق. وقد نقلنا الى مركز المخابرات في طرابلس، قبل أن نعود أدراجنا الى بيروت.
وفي عزّ «محنة» الصحافيين المحاصرين، سألت مذيعة «الجزيرة» النائب أحمد فتفت عبر اتصال هاتفي: «هل ستدعون الى يوم غضب آخر؟» فيجيبها وقبل أن يعود المتظاهرون من الشارع: «الأمور مرهونة بأوقاتها!»
ولم تكن الأمور في بيروت أفضل حالاً. فمراسلة «الجزيرة» سلام خضر اضطرت للعودة الى إستديو القناة لبث رسائلها، بسبب تعرض فريقها للإعتداءات في الشارع.
الى ذلك، أسف المكتب الإعلامي للرئيس سعد الحريري، في بيان له، «لكل أعمال الشغب والتعديات التي استهدفت المؤسسات الإعلامية ومراسليها، الذين كانوا يقومون بواجبهم المهني في تغطية الأحداث»، وأكد وقوفه وتضامنه الكامل معهم.
كما استنكر وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال الدكتور طارق متري «أعمال العنف التي تعرض لها عدد من الإعلاميين»، ودعا الى احترام حقهم في ممارسة واجباتهم المهنية.
ودان كل من نقابة المحررين، و»المجلس الوطني للإعلام» و «الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة – لبنان»، ومركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية «سكايز» ما تعرض له الجسم الإعلامي أمس، كما طالبت أحزاب مثل «المردة» و»الشيوعي» و»السوري القومي»، بحماية الصحافيين ومحاسبة المعتدين والمحرضين عليهم.
متظاهرون يحطمون سيارة البث المباشر الخاصة بقناة «الجزيرة» في ساحة النور في طرابلس ..ويحرقونها
قوى الجيش في مواجهة المحتجين أمس عند مدخل الطريق الجديدة من جهة منطقة الكولا
تعليقات: