نقابة المحررين بين حقوق مسلوبة وامتيازات ضائعة

نقيب المحررين السابق المرحوم ملحم كرم
نقيب المحررين السابق المرحوم ملحم كرم


جولات لاستعادتها ووعود حكومية بتثبيتها قانوناً

يعيد تعرض الاعلاميين لأنواع الاعتداء الأسبوع الماضي في مناطق عدة وخصوصاً في طرابلس، إلى الضوء موضوع الجسم النقابي الذي يجمعهم ويحميهم ويدافع عنهم في الشدائد، ويوفر لهم بعض الامتيازات كعاملين في مهنة المتاعب. واذا كان عنصر الحماية مسؤولية مشتركة للنقابة، كل نقابة، مع أفراد قوى الأمن، فإن الامتيازات الموعودة تبقى ضائعة مع ضياع النقابة.

في جميع بلدان العالم، ومهما يكن نوع النظام المتبع، يعتبر الانتساب الى النقابات عنصراً أساسياً لحماية المنضوين تحت جناحيها، وللمحافظة على حقوقهم ومكتسباتهم، والعمل على تحسين أوضاعهم وتطوير مهنتهم وتعزيزها، ولتشكيل قوة ضغط سياسية واقتصادية واجتماعية ذات مفعول وتأثير في الأمور والقضايا التي تتعلق بالبلد والمجتمع.

في لبنان عشرات النقابات في مختلف القطاعات، منها للمهن الحرة ومنها للموظفين وأخرى للعمال، بعضها منقسم على بعضه، وبعضها الآخر متماسك، وبعضها الثالث له فروع في أكثر من مدينة، ولكل عضو منتسب حقوق وعليه بالطبع واجبات.

ومن أبرز هذه النقابات، نقابة المحررين التي يرفع أعضاؤها لواء الحريات وحقوق الانسان، ويحملون هموم الناس ويتبنون قضاياهم ويلاحقون مشكلاتهم. لكن من يدافع عن هؤلاء الصحافيين ويحمي حقوقهم ومصالحهم؟ وكيف يقون عائلاتهم العوز ويؤمنون مستقبلهم؟ وما هي المكتسبات أو الامتيازات الحاصلين عليها؟

الجواب بكل بساطة: لا شيء على الاطلاق. فان يكون الصحافي منتسباً الى نقابة المحررين او غير منتسب، أمر سيان، إذ ليس هناك أي امتيازات أو تقديمات يحصل عليها، لا بل ان مكتسباته القليلة قد تم سحبها من تحت بساطه بخبث ورياء كبيرين، ورغم كل الوعود الحكومية باعادتها، إلا أنها لا تزال كلاماً في الهواء.

حقوق النقابيين

في مقارنة ما، بينها وبين النقابات الأخرى التي تتمتع مثلها بصفة "Ordre"، يبدو الفرق واضحاً: نقابة المحامين التي تعد نحو 8700 عضواً، يتمتع المحامي أولاً بحصانة تمنع أياً كان من إقامة دعوى عليه من دون إذن النقابة، إلا في حال الجرم المشهود، إضافة الى تمتعه وعائلته والعاملين لديه بتأمين صحي من الدرجة الأولى بفضل عقد جماعي تؤمنه النقابة، مقابل بدل سنوي مخفض، ومعاش تقاعدي شهري لمن بلغ 60 عاماً وبعد 30 سنة خدمة يبلغ مليون و200 ألف ليرة لبنانية، وتستفيد منه عائلته بعد وفاته ضمن شروط محددة، فضلاً عن بعض التقديمات، مثل منحة وفاة تبلغ 20 مليون ليرة وسلفة زواج تبلغ مليون ونصف المليون ليرة ومنحة ولادة تبلغ 750 ألف ليرة لأول مولودين... كل ذلك مقابل اشتراك سنوي يبلغ 800 ألف ليرة يسددها المحامي للنقابة.

أما في نقابة المهندسين التي ينتسب اليها 30 ألف عضو، فيتمتع المهندس بتأمين صحي من الدرجة الأولى له ولعائلته مع امكان ضم والديه والموظفين عنده، اضافة الى معاش تقاعدي يبلغ 600 دولار شهرياً، في مقابل اشتراك سنوي يبلغ 1200 دولار يشمل بدل التأمين الصحي وصندوق التقاعد والاشتراك في النقابة.

وفي نقابة الصيادلة التي تعد 6000 عضو، يبلغ الاشتراك السنوي 100 دولار، وينال المنتسب معاشاً تقاعدياً يبلغ 1300 دولار بعد 30 سنة عمل، على أن يسدد 2% من راتبه الى صندوق التقاعد اذا كان موظفاً في شركة و0,5% من فواتيره اذا كان صاحب صيدلية. كما تؤمن النقابة للمنتسب تأميناً صحياً وتغطي 75% من قيمة البوليصة للدرجة الأولى له ولعائلته.

أما في نقابة المحررين فالأمر مختلف، فهي لا توفر أي تقديمات الى المنتسبين ولا تقدم أي حوافز ولا تمنح أي ضمانات أو تأمينات أو تعويضات أو معاش تقاعدي أو غيرها، ولا تستوفي في المقابل أي اشتراك أو رسم، ولا يعرف أحد قيمته لأن النظام الداخلي بقي مخفياً وكأنه سر من "أسرار الدولة الكبرى" على مدى عقود، وتبين أخيراً أن هذا النظام الداخلي الذي تم تعديله وصدر في 10/3/1981 يحدد في المادة الثانية من الفصل الأول استيفاء رسم قبول يبلغ 3000 ليرة لبنانية أي ما يعادل 750 دولاراً في ذلك الحين، والمادة الثامنة من الفصل الثالث تحدد رسم الاشتراك السنوي بـ 250 ليرة أي ما يعادل 50 دولاراً في حينه. وفي اتصال مع "النهار" أكد نائب نقيب المحررين سعيد ناصر الدين أن مجلس النقابة الحالي "يعمل ما في وسعه لاسترداد بعض الحقوق والامتيازات التي تآكلت بفعل الظروف، ونهيئ الأرضية لتصحيح الأوضاع في النقابة لتسليمها بأفضل وضع ممكن في الوقت المناسب".

تخابر ورسوم

نقابة المحررين التي يضم جدولها نحو 1215 محرراً، كانت تكتفي ببعض التقديمات الصحية والاجتماعية، والتي كانت تتم بمبادرة شخصية من النقيب ملحم كرم الى "صحافي محتاج" وليس كحق مكتسب له، اضافة الى بعض الامتيازات التي كان يحصل عليها الصحافيون وسحبتها منهم بالكامل الحكومات المتتالية، رغم انها تمثل جزءاً أساسياً من عملهم وليست مجرد ترف، ومن ابرزها:

1 – كان حامل بطاقة النقابة يستفيد من حسم 50 في المئة على رسوم التخابر المحلي والدولي، ويحسم مباشرة من فاتورة التخابر والاشتراك في الهاتف الثابت بمعدل خط واحد في كل من المنزل والمكتب، بموجب المرسوم الرقم 11719 الصادر بتاريخ 4/1/1963 موقعاً من رئيس الجمهورية في حين الرئيس فؤاد شهاب ووزير البريد والهاتف رينه معوض. ثم عدل بمرسوم آخر يحمل الرقم 5034 صدر بتاريخ 19/7/1988 موقعاً من رئيس الجمهورية أمين الجميل ورئيس مجلس الوزراء سليم الحص ووزير البريد والمواصلات ووزير المال بالوكالة جوزف الهاشم، ويقضي بتثبيت هذه المكتسبات، إضافة إلى حسم 50 في المئة من حصة لبنان على رسوم التخابر الدولي.

ولكن في العام 2002، أقدم وزير المال في ذلك الحين فؤاد السنيورة على تعطيل العمل بهذا الحق من خلال الموازنة العامة. فاجتمع نقيب الصحافة محمد البعلبكي ونقيب المحررين ملحم كرم مع رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري الذي وعد بمعالجة الأمر واعادة الأمور الى نصابها، وأوعز الى وزير المال الرئيس فؤاد السنيورة أن يصرف مبلغاً سنوياً من الاحتياطي لهذه الغاية بقيمة 250 مليون ليرة لتغطية كلفة الـ 50 في المئة التي أجاز المرسوم حسمها لحساب النقابتين لتسديد الحسومات المستحقة للصحافيين. وبالفعل تم التزام هذا الأمر لمدة وجيزة لم تتعد السنتين ثم عاد وتوقف بحجة أن الاحتياط فرغ من الأموال.

وبعد لقاء عقد مع وزيرة المال الحالية ريا الحسن أكد نقيب الصحافة محمد البعلبكي أن "هذا الإجراء الذي كان يشمل أيضاً القضاة وضباط الجيش أعيد اليهم واستثنى الصحافيين، علماً أن الهاتف ليس وسيلة ترف للصحافي بل هو عدّة العمل،وبالتالي لفتنا الوزيرة الحسن الى هذا الأمر لتتخذ أي تدبير ممكن لإعادة الأمر إلى نصابه، وقد كان موقفها ايجابياً جداً وستدرس الأمر من كل جوانبه، وستنفذ ما يمكن فوراً. أما ما يحتاج إلى مزيد من الدرس أو إلى نصوص قانونية جديدة، فستعمد إلى تحضيرها، ونأمل في ان يكون الانصاف على يديها"... وحتى اليوم لا نزال على الوعد يا كمون!

يذكر ان رئيس الحكومة سعد الحريري سبق ان تسلم من النقيب الراحل ملحم كرم في 4/5/2010 مذكرة بمطالب عدة من بينها اعادة العمل بالمرسومين المذكورين، واذا تعذّر ذلك العمل بالحل الذي توصّل اليه الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالاتفاق مع نقابتي الصحافة والمحررين متداركاً الخطأ الفادح بإلغائهما والقاضي بتخصيص مبالغ مالية تقتطع قيمتها من احتياط الموازنة لحساب النقابتين لتسديد قيمة الحسومات المستحقة للصحافيين، والتي شملها الالغاء".

في المقابل، لم نتحدث بعد عن الخليوي الذي يطلب معظم السياسيين التحدث او اجراء المقابلات بواسطته كونه غير مراقب.. وادفع يا صحافي او يا جريدة!

2 - اعفاء مؤجل من دفع الرسوم البلدية : منذ تسلمه مهماته استمر وزير الداخلية الحالي زياد بارود بتطبيق العمل بقرار التريث في إستيفاء الرسوم البلدية على منازل المحررين ومكاتبهم، اسوة بالقرارات التي صدرت عن اسلافه. لكن هذا القرار لا يمكن اعتباره ثابتا ودائما، لا بل هو يخضع لاستنسابية المجالس البلدية التي يعمد بعضها حاليا الى استيفاء هذه الرسوم مستندا الى المراجعة التي قدمتها بلدية بيروت الى هيئة القضايا والتشريع، واعتبرت ان هذا الامر مخالف للقانون، علما ان التريث لا يعني الاعفاء بل ربما يؤدي الى مصيبة اكبر للصحافيين الذين تتراكم عليهم هذه الرسوم مع غراماتها لتدفع مرة واحدة، اذا لم يصدر قرار او قانون رسمي بالاعفاء، وقد لا يفيد هنا الرهان على سقوطها بفعل مرور الزمن اي بعد خمس سنوات من استحقاقها كما يعتقد البعض.

وفي اجتماع عقده مجلس نقابة المحررين اخيراً مع الوزير بارود وعد الاخير بتقديم اقتراح قانون معجل لاعفاء الصحافيين من الرسوم البلدية بدل التريث، وكذلك بت موضوع السماح لهم بوقف سياراتهم في الاماكن العامة خلال تأديتهم عملهم عملا بالقرار الصادر عن وزارة الداخلية الرقم 3787 بتاريخ 5/2/1973.

سفر وسياحة

3 - من الامتيازات المتبقية للمحرر المنتسب الى النقابة حسم 50% من قيمة تذكرة السفر على بطاقة الدرجة الاولى و35% على الدرجة السياحية عبر طيران الشرق الاوسط.

كذلك تسمح قيادة الجيش " للصحافيين حاملي البطاقة النقابية الصادرة عن "اتحاد الصحافة اللبنانية، وعائلاتهم بارتياد المسابح في كل من نادي الضباط – جونيه، المجمع العسكري – جونيه، والنادي العسكري المركزي – بيروت طوال ايام الاسبوع، في مقابل دفع البدل المادي المحدد" .

كذلك لا تزال النقابة تطالب بالبت في قضية تخصيص قطعة ارض من الاراضي التابعة للاملاك العامة للدولة لتشييد مقر لها ، في مقابل تنازلها عن الدعاوى التي أقامتها على وزارة البريد والاتصالات بعدما وضعت الاخيرة اليد على قطعة أرض عائدة اليها مخصصة من الدولة لهذا الغرض عام 1976.

باختصار، هذه هي "الحقوق والامتيازات" التي يتمتع بها الصحافيون والمحررون المحظوظون بالانضمام الى ملاك النقابة، والذين يتحملون مسؤولية وصولهم الى هذا المستوى من الحرمان والاهمال بفضل تقاعسهم وسكوتهم وقبولهم بالأمر الواقع، لا بل احيانا كانوا السبب والاداة لبلوغه من اجل حفنة من الدولارات او المصالح الشخصية والمآرب السياسية... فهل سيتمكن المجلس الحالي من اصلاح ما تآكل بفعل قرارات اعتباطية وظروف جائرة؟ وهل يصلح العطار ما افسده الدهر؟

تعليقات: