ابحث عن زيت الزيتون ولو في أستراليا
لا تصدره بل تخصصه للاستعمال المحلي
باروسا ( أستراليا ):
لا يوجد مكان، اليوم، في العالم كله، لا يوجد فيه زيت زيتون. والأصح، أنه لا توجد سوبر ماركت، على الأرجح. لا تبيع زيت الزيتون، بأنواعه المختلفة ونكهاته المتعددة والمتفاوتة في حلاوتها وحدتها وخفتها الى ألوانها التي تتأرجح بين الأخضر الغامق وذلك الفاتح وصولاً الى الأصفر الخفيف والنقي. ولإن كان الزيت الزيتون، على الدوام، وما يزال، أحد المكونات الأساسية في جميع مطابخ العالم بإستثناء الآسيوية، وبعض الأمريكية. فإنه والحال هذا من المواد التي يطلبها كل من تذوق مطبخ البحر المتوسط وبعض المطبخ الأوروبي المطل على المتوسط وذلك الغارق في قلب أوروبا. لكن والحق أن الحصول على زيت ممتاز وبجودة عالية، مهمة لا يمكن تأديتها في سوبر ماركت. ولا حتى في متجر جانبي، يبيع الى جانب الزيت كل مواد التغذية. فحتى في البلاد التي يكثر فيها الزيت والزيتون، ثمة خبراء في الزيت، وثمة أكثر من خبراء، أولئك الذين لا يترددون في إعطاء أرائهم بأصنافه، على أساس أنهم عارفون بخبايا نوعياته وأبجدياته كلها. وثمة آخرون ما أن يتم الحديث عن الزيت، في موسمه، حتى يبدأون في الأحاديث عن الغش وطرقه وأساليبه ولا يدخرون نصيحة إلا ويرمونها كأنهم أساتذة في النوعية ولا يمكن أن يغشهم بائع. مع العلم أن قاعدة التجار عامة تفيد بأن أكثر الزبائن خبرة هو الشخص الذي يمكن غشه بسهولة ويسر.
في أستراليا، وبحسب الدليل السياحي ( petit futé ) فإن ولاية جنوب أوستراليا مشهورة بزراعة أشجار الكرمة والزيتون، وبالتالي فإن زيت الزيتون موجود بكثرة على ما ذكر. لكن هذه الولاية بحجم مصر جغرافيا وأكثر قليلاً، والبحث عن الأشجار فيها مسألة صعبة، فضلا عن كونها مكلفة، فمن الصعب البحث عن شجرة زيتون في قلب الغابات من جهة والصحاري من جهة ثانية. لكن من يبيعون الزيت هنا، خبراء عن حق، وليس على طريقة الخبراء في بلادنا. ورغم أن الكتاب السابق الذكر، يفيد بأن الزيتون متوفر كثيراً، إلا أنه غير ذلك بالحقيقة. فهو متوفر لكنه يكفي فقط الإستهلاك المحلي، وأستراليا لا تصدر الزيت ولا الزيتون الى خارج حدودها أبدا بل تستخدمه محلياً. وثمة مصانع عديدة تنتج الزيت بكميات هائلة للإستهلاك التجاري. بينما المميز هنا، أن بعض المزارعين، الذين لا يطمحون لبيع كميات الزيت التي تخرج من أرضهم للإستهلاك التجاري، يؤلفون جمعيات أو متاجر خاصة لبيع الزيت والزيتون وما يشتق عنهما مثل الصابون والأدوية وبعض الكريمات وعلاجات البشرة. كما يتمتع باعة الزيتون وزيت الزيتون بمعرفة إستثنائية في الأنواع والأصناف والفوائد وعمر الزيت وكذلك الى جانب هذا كله بالعناصر الكيميائية التي يتألف منها الزيت ووظيفة كل عنصر من هذه العنر وتأثيره على الجسم. رحلة البحث عن زيت زيتون بكر وغير تجاري، ليست بالأمر السهل. فالمحال التي تبيعه قليلة جداً، والمسافات التي على الباحث أن يقطعها طويلة وبعيدة، لكنها مع ذلك ممتعة. فهي من جهة رحلة للتعرف على جغرافيا الولاية المتنوعة بين مناخ متوسطي ومداري أحياناً في غربها وجنوبها وشرقها وصحراوي في شمالها حيث مناجم الذهب التي لا زالت تعمل حتى اليوم الى جانب مناجم الأوبال ( Opal ) وهو حجر كريم غير موجود سوى في هذه المنطقة من العالم، تقترب أسعاره من الزمرد والياقوت في كثير من الأحيان وتفوق سعر الذهب بكثير. بالقرب من أدلاييد، عاصمة الولاية ومركزها التجاري والسياسي، تقع أهم منطقتين في الولاية لزراعة الزيتون والكرمة. وادي باروسا ( Barossa valley ) و وادي ماكلارين ( McLaren valley ) لكن يوجد محل واحد فقط لبيع الزيتون والزيت على أنواعهما، يقع على بعد ستين كيلو متراً شرق أدلاييد، في الطرف الجنوبي لوادي باروسا في قرية تدعى ترورو ( Truro ). هذه القرية اكتشفت في أواخر القرن الثامن عشر، أساساً، لم تكن قرية، كانت منجماً بني بالقرب منه منازل للعمال، لكن المنجم أغلق منذ سنوات عديدة وبقيت المنازل. الملفت في هذه القرية النائية أن معظم بيوتها بنيت في في الفترة التي كان المنجم يعمل بها، وبعد ذلك بدأ العمال أنفسهم بالعمل في مجال الزراعة خاصة الزيتون، على الرغم أن المناخ فيها أقرب الى الصحراوي منه المتوسطي حيث ينمو الزيتون. وبهذا فإن زيتون المنطقة يتميز عن باقي المناطق بنكهة حادة جداً إضافة الى أنه صغير الحجم بسبب أنه يترك دون ري بل فقط يروى عبر الأمطار.
المتجر الصغير، الذي تأسس العام 2003 يشغل منزلاً بني في أواخر القرن التاسع عشر، مؤسساه مارتين وأوريل رايت وابنتهما ميل سويني يشغلان هذه المؤسسة الصغيرة، التي تعنى بتخزين الأصناف الفاخرة من الزيت الذي ينتج في جنوب أوستراليا، ويبيعونه في هذا المتجر دون غيره. لذلك فعلى من يريد أن يبتاع زيتاً من النوعية الفاخرة أو حتى زيتوناً بإنواع مختلفة لا يمكن العثور عليه في أي مكان، عليه أن يتوجه الى هذه القرية. وهذا ببساطة أمر شاق قليلاً على من لا يجد في حياته الوقت للسير مسافات طويلة لشراء زجاجة من زيت الزيتون. وإضافة الى هذا، لا يمكن للجميع أن يتحملوا ثمن ليتر واحد من الزيت حيث يصل ثمن الليتر الواحد الى حوالي ثلاثون دولاراً. كما يمكن أن يصل ثمن المئة غرام من الزيتون الى حوالي عشرة دولارات، وهو مبلغ كبير نسبياً إذا أضفنا له عناء المسافة. لكن والحق بأن هذا المتجر الصغير المنزوي في قرية من الصعب العثور عليها بسهولة، يلقى إقبالاً مميزاً، خاصة من السياح الذي يأتون الى المنطقة فقط لشراء الزيت على ما قالت ميل سويني التي كان استقبالها حاراً ومميزاً. يتميز هذا المتجر بأنه المكان الوحيد الذي يمكن فيه تجربة كل أنواع الزيت والزيتون المحلي، التي تصلب الى تسعة أنواع من الزيت بدرجاته وأولوانه المختلفة، وكذلك نكهاته التي تترواح بين الحلو والحاد والقليل الحموضة وكثيرها. كما فيه غرفة خاصة للتجربة، هي عبارة عن طاولة صغيرة مرصوف عليها عدة زجاجات من الزيت، الى جانب عدة صحون فيها أنواع كثيرة من الزيتون المنتج محلياً، سواء في منطقة وادي باروسا أو وادي ماكلارين القريب مسافة مئة كيلو متر. في هذه الغرفة، الصغيرة والمطلة على حديقة البيت، التي تتحول صيفاً الى مقهى صغير، يقدم الفطور الذي قوامه الزيتون والأجبان المحلية، الى بعض أنواع الشاي التي تنتج من خلطة أعشاب محلية معظمها صحراوي. على غير عادة البلدان أو المناطق التي تنتج زيت الزيتون بكثرة وهو داخل في نظامها الغذائي. يبدو زيت الزيتون الأوسترالي، مادة تشبه في طريقة الإعتناء بها والبحث عنها الذهب الذي يكثر في قاع الأرض. فرحلة البحث التي استمرت أربعة ساعات في طرقات جبلية تارة وأخرى صحرواية عن الزيت. ما هي سوى الرحلة التي كان يقوم بها الذين قدموا الى هذه البلاد بحثا عن الذهب والحظ والثروة. ومع أن زيت الزيتون لا يوازي الذهب في تحقيق الثروة إلا أنه يفيد الصحة التي هي أهم الثروات.
تعليقات: