لقد تجاوز الإعلام في إسرائيل خلال الحرب في لبنان كل الخطوط الحمر وتصرف بانعدام مسؤولية وصل إلى حدّ التسيّب. وعلى طريقة إضافة الخطيئة إلى الجريمة، أبدى الكثير من الإعلاميين الارتياح لأدائهم وتبادلوا الثناء في ما بينهم. لقد رسمت الحرب الأخيرة خط انكسار واضح بين المستويين السياسي والعسكري الرفيع والمستوى الميداني المقاتل. وللأسف، لم تكن وسائل الإعلام في الجانب الصحيح من طرفي الخط.
إن الغضب والإحساس بالإحباط الذي يشعر به جنود الاحتياط في الميدان أكبر مما يمكن تقديره. وإذا كانت هذه المشاعر في الماضي حكراً على اليمين المتطرف وبعض المستوطنين، فإنها اليوم من نصيب الأغلبية. وإذا كان أحد الأحلام العذبة لأحد الجنود هو تحطيم كاميرا تلفزيونية، فإن الكراهية والشعور بالتنكر أكبر مما اعتقدنا. «إنهم يخاطرون بحياتنا» يقول هذا الجندي: «بالنسبة إلى حزب الله، هذه وظيفته، إما أن تعرضنا وسائل إعلامنا للخطر، فهذا ما لا يمكننا تحمله».
طوال فترة الحرب، كانت وسائل الإعلام تبثّ تقارير على شاكلة «في هذه الأثناء تستعد قوة من الجيش لمهاجمة المنطقة x»، أو «الوحدة الخاصة الفلانية ستغزو قريباً المنطقة y».
يمكن توجيه أصابع الاتهام إلى أبطال التسريب: الناطق باسم الجيش، والرقابة العسكرية. إلا أنه ليس بوسع وسائل الإعلام التملص من المسؤولية. لقد تجاوز المحررون ورؤساؤهم على ما نعتقد سن الثامنة عشرة، وبالتالي هم مسؤولون عن أفعالهم. لقد اعتقدنا، بسذاجتنا، أن الصحافيين هم قبل كل شيء مواطنون في هذه الدولة، وأن وسائل الإعلام (الإسرائيلية) ليست تابعة للأمم المتحدة.
أحد نماذج تسيب هذه الوسائل هو إعلانها الدقيق في الوقت الحقيقي مكان سقوط الكاتيوشا، كما حصل على سبيل المثال في حادثة كفار غلعادي القاسية.
كان من الأجدر بنا أن نعلم أن حزب الله يمتلك عشرات المتحدثين باللغة العبرية الذين يستمعون إلى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية في إسرائيل ويترجمون موادها في الوقت الحقيقي. لم يخطر على بال أحد أن يتحول الصحافيون الإسرائيليون إلى «ضباط توجيه ناري» في خدمة حزب الله. ينبغي أن يكون للحماقات حدود أيضاً. إن ضابط الاستخبارات التابع لحزب الله لن يجد صعوبة في إعداد كراس ضخم عن كل الوحدات الخاصة في الجيش الإسرائيلي، وكذلك ملف مهم لكل القادة الكبار، وكل ذلك بفضل وسائل الإعلام الإسرائيلية.
للأسف، لقد أوجدت وسائل الإعلام الإسرائيلية ثقافة «اللاأهمية»، وتحول التنافس على نسبة المشاهدة إلى كل شي. وهكذا أصبح قائد الكتيبة الذي قاتل وجرح في لبنان بطلاً ثقافياً تماماً كما عارضات الأزياء مع السيليكون. كلاهما سيكون في الأسبوع المقبل مزيجاً جيداً في أحد برامج الاستضافة التلفزيونية. لقد أصبحت ثقافة «نسبة المشاهدة» تبرر كل شيء.
وإذا كان قد قيل في الماضي إن وسائل الإعلام هي مرآة المجتمع الإسرائيلي، فإن من الواضح أنها أصبحت اليوم تؤثر على حياتنا، وكذلك على ساحة المعركة، أكثر بكثير من لواء مشاة أو لواء مدرعات.
---------------------------------
*مستشار إعلامي لوزير العلوم والرياضة الإسرائيلي السابق، أوفير بينيس
تعليقات: