مهرجان 14 شباط، أمس
أعاد مهرجان 14 شباط، أمس، ترداد نكتة سمجة مفادها أنّ حركة 14 آذار 2005 قدّمت النموذج الذي اقتدت به ثورتا تونس ومصر. ينتمي ادّعاء كهذا إلى عقدة التفوّق اللبنانيّة المعتادة التي لا يمكنها أن ترى أيّ إيجابيّات في العالم العربي إلا بوصفها نتاج تأثيرات لبنانيّة. فكثير من اللبنانيّين يعدّون أنفسهم رسلاً «متحضّرين» في هذه المنطقة «المتخلّفة»، وتكمن رسالتهم في تصدير إشعاعات النور والحداثة. لكنّ لبنان الذي قدّم إسهامات عديدة للعالم العربي، لا يمكن ثورة أرزه، بهذه الخفّة، أن تقزّم الربيع العربيّ ليصبح على مقاسها. فلمن خانه المنطق، لا بدّ من التذكير بالحقائق الآتية:
أوّلاً، في مصر كما في تونس، أدّى الاعتراض على التوريث دوراً أساسياً في تفجير الغضب الشعبيّ. ومن الصعب لمن يعتقد أنّ رئاسة الحكومة هي إرث من الوالد لا يمكن أن يؤول إلى سواه، أن يدّعي انتماءه إلى الربيع العربي، وخصوصاً حين يكون ابن عمّته الأوّل أميناً عاماً لحزبه، وابن عمّته الثاني مستشاره، وعمّته مرشّحة على لوائحه الانتخابيّة.
ثانياً، في مصر كما في تونس، استطاعت النقابات العمّالية أن تصمد رغم كلّ القمع الذي تعرّضت له على مدى عقود. وقد أدّت هذه النقابات دوراً هائلاً في إنجاح الثورتين اللتين رفعتا شعار الخبز إلى جانب شعار الحرية. فقد كان واضحاً أنّ الاعتراض على السياسات النيوليبراليّة مكوّن أساسيّ من مكوّنات الثورة. لذلك، من الوقاحة أن يدّعي تيّار المستقبل، المعتمد الرئيسي للنيوليبرالية في لبنان، انتماءه إلى الربيع العربي.
ثالثاً، لم تكن السياسات الاقتصاديّة الجائرة بحقّ العامّة وحدها ما أثار الحنق الطبقيّ، لكن أيضاً الفساد واستغلال النفوذ من أجل تكوين الثروات. وفي لبنان، شاركت أطراف عدّة في منظومة الفساد التي لم يكن تيّار المستقبل بعيداً عنها، بل توزّع الغنائم مع حلفائه السابقين في لبنان وسوريا.
رابعاً، إنّ النظام المصري الذي هوى لم يكن داعماً خارجياً لثورة الأرز وحسب، بل كان شريكاً في صياغة قراراتها الكبرى. فؤاد السنيورة يعرف ذلك جيّداً، وامتلك على الأقلّ شجاعة توجيه التحيّة إلى راعيه حسني مبارك.
خامساً، والأهمّ، أنّ الربيع العربيّ فتح أفقاً واسعاً على طريق الحريّة. أمّا ثورة الأرز، فتخيّرنا وفقاً لأحد خطبائها أمس، بين يوحنا بولس الثاني وعلي الخامنئي، أو بين ثنائيّ مروان حمادة/ مي شدياق وثنائيّ رستم غزالي/ جميل السيّد. يا لبؤس هذه الخيارات «الثوريّة».
تعليقات: