معارك مفتوحة وطاحنة لم توفّق كل حكومات ما بعد الطائف في وضع حد لها
..
التركة التي خلفتها حكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة كانت ثقيلة بكل المعايير، وعلى غير مستوى، لكن ابرز الملفات العالقة التي تتطلب حسما سريعا، يتمثل في الخلافات القائمة بين أكثر الوزراء والمديرين العامين في وزاراتهم، وهو الملف الأكثر ثقلا على اي حكومة تتطلع الى انتاجية منتظمة وطبيعية، نظرا لما يمكن ان تخلفه التباينات الادارية مع اي وزير على رأس وزارته من شلل محتوم يصيب انتاجية الوزارة ويجمد اعمالها.
جذور هذا الملف لا تقف عند حكومة الرئيس سعد الحريري، بل تمتد الى عهد اول حكومة بعد اتفاق الطائف الذي كرس مفهوما جديدا يقضي بمنح الوزير صلاحيات ادارية تتعدى صلاحيات رأس الهرم الاداري في الوزارة وهو المدير العام، ومنذ ذلك التاريخ نشبت حروب ضروس بين معظم الوزراء من جهة، ومعظم المديرين العامين في الضفة الأخرى.
من هذا المنطلق قد تكون هذه الشائبة، التي لم تحسم حتى تاريخه سبباً وجيهاً من أسباب تعثر قيام الدولة في لبنان، علما انها آخذة في الانتشار والتفاقم عهداً بعد عهد.
..
نحاس - يوسف
ما حدث أخيراً في وزارة الاتصالات السلكية واللاسلكية بين الوزير شربل نحاس والمدير العام للاستثمار والصيانة عبد المنعم يوسف، نفض الغبار عن ملف "المناقرة" بين طرفي ادارة عجلة الدولة، ودفع به الى الواجهة من جديد، لتسلط الاضواء على كل الوزارات التي شهدت وتشهد تجاذبا من هذا القبيل، ولم تحسم الا في حالات محددة، وبالضربة القاضية حين تمكن وزراء من الايقاع بمديرين في وزاراتهم، وضبطهم بالجرم المشهود.
ومع ذلك فليس كل من ضبط متلبسا تمكن الوزير من ازاحته، لاعتبارات تتعلق بتركيبة منظومة الحمايات السياسية والطائفية في لبنان.
..
العريضي - النمار- شوق
واذا كان الخلاف على الصلاحيات، هو ما فجر المعركة بين نحاس ويوسف، فإن اسباب خلاف وزير الاشغال غازي العريضي مع المدير العام للوزارة فادي النمار، والذي ادى الى استقالة الأخير من الوزارة، كانت، وفق ما طرحه العريضي في مجلس الوزراء، "مخالفات مالية" قبل ان يقيم دعاوى في وجهه لدى التفتيش المركزي وديوان المحاسبة، بينما انحصرت اسباب خلاف العريضي مع المدير العام للطيران المدني حمدي شوق، الذي قدم استقالته ايضا ولم تقبل، بأن حمل العريضي شوق مسؤولية ضمور دور وزارة النقل والاشغال في ادارة مطار بيروت، بحيث انها لم تعد هي المرجع الاول والاخير في المطار، وهذه مشكلة متفرعة من قضية متشابكة لأن المطار مقسم الى سبع "جزر" مستقلة عن بعضها تسيطر على كل "جزيرة" منها جهة نافذة، وكل منها يحاول ان يكون هو المرجع الاول والاخير، وهذه الجهات هي: جهاز أمن المطار، قوى الامن الداخلي، الامن العام، الجمارك، ادارة الطيران المدني، والشركات الخاصة (ميس وغيرها).
..
الشامي - حبيب
الخلاف بين وزير الخارجية علي الشامي والامين العام لوزارة الخارجية بالوكالة السفير وليم حبيب لم يخرج الى العلن بطريقة فاقعة، لكنه نشب بداية على خلفية التصنيفات والترقيات الديبلوماسية، عندما أشرك الشامي مدير عام المغتربين هيثم جمعة مع اللجنة المكلفة التصنيفات، الامر الذي اعترض عليه حبيب، ما أدى الى خلاف في وجهات النظر لم تتسع دائرته بسبب قدرة حبيب كديبلوماسي على التكيف مع الظروف مهما كانت، وحرصه على احترام الوزير والابقاء على العلاقة الشخصية جيدة بينهما، وفق ما قال لـ"النهار".
..
الحاج حسن - طربيه
واذا كانت الديبلوماسية سيدة الموقف في قصر بسترس، فإن طول بال المزارعين لم ينطبق على الحاصل في وزارة الزراعة بين الوزير حسين الحاج حسن من جهة والمدير العام للتعاونيات جوزف طربيه من جهة ثانية. الحاج حسن كان حاسما وضرب بيد من حديد فأحال طربيه على الهيئة العليا للتأديب فورا، والاسباب كانت "الملفات المالية"، وما سماه بـ"فضائح التعاونيات" التي تعوزها الشفافية.
..
وردة - حلبلب
وزير الثقافة سليم وردة اختلف مع المدير العام عمر حلبلب بسبب "ارتكابات وعدم شفافية" في طرق تصنيف المباني التراثية. وعلامات الاستفهام في ذلك مشرّعة بقوة، خاصة عندما نعرف ان تصنيف اي بناء قد يضيع على صاحبه ملايين الدولارات.
..
رحال - هاتجيان
الخلاف الذي انفجر فجأة بين وزير البيئة محمد رحال والمدير العام للوزارة بيرج هاتجيان، وان كان يدرج في خانة تضارب الصلاحيات، الا انه ناشئ من الظروف التقييمية لوزارة البيئة نفسها في أعين من تناوبوا على تبوؤ حقيبتها سابقا، ومعظمهم كان يتسلمها على مضض باعتبارها وزارة بعيدة من السياسة، وبالتالي لم يعيروها اي اهتمام وأناطوا أمرها بالمدير العام لتسيير شؤونها، الامر الذي جعل منه "وزيرا مفوضا" برتبة مدير، يحرك الوزارة برمتها.
وهذه "الرتبة" تكرست أكثر فأكثر بعيد استقالة وزير البيئة الاسبق يعقوب الصراف من حكومة الرئيس السنيورة، الامر الذي جعل هاتجيان يتابع عمل الوزارة مع السنيورة مباشرة ولمدة عامين. وفي تلك الفترة حاز المدير العام صلاحيات استثنائية جعلته يتصرف مع الموظفين بطريقة لم ترق لرحال عند تسلمه الوزارة، ولا سيما انه تلقى كتبا من عدد من الموظفين، كما اعلن لـ"النهار"، يشكون له "تصرفات فرعونية" تهددهم بالانتقام منهم اذا تعاملوا معي، وقدموا لي عدة كتب تفيد بسرقة ملفات من مكاتبهم.
وقال رحال: "قام هاتجيان بمخالفات كبيرة حولتها الى التفتيش المركزي، من بينها انه عدّل الانبعاثات لكل اصحاب المصانع من الفئة الاولى وهي مصانع الترابة إذ رفع معدلها الى الدرجة التاسعة في شكل يهدد حياة الناس. وعندما حولت هذا الملف الى التفتيش المركزي، اكتفى بمعاقبته بتأخير تدرجه شهرين. اضافة الى ذلك، صرف اموال هبات على طريقته الخاصة، قبل موافقة مجلس الوزراء على قبولها. وهناك كتب من محافظ الجنوب يقول فيها ان هاتجيان اعطاه موافقات شفهية على انشاء عدد من الكسارات في المنطقة. ناهيك عن ان عدد موظفي الوزارة يتناقص دائما منذ تسلمه ادارتها، لعدم قيامه باعداد موازنة لها. وهو يدرِّس في جامعتين من دون حصوله على إذن، وعندما فاتحته بالامر ارسل لي ردا يقول فيه ان الاذن المسبق من الوزير هو لزوم ما لا يلزم...
وفي الامكان العودة الى تصريح سابق لرئيس بعثة الاتحاد الاوروبي باتريك لوران يعلن فيه انه لم يطلع وزارة البيئة على برنامج مساعدات الاتحاد الاوروبي للـ3 سنوات القادمة بسبب سوء تعامل الادارة فيها مع المشاريع المقدمة من الاتحاد الى لبنان، وهذا طريق سلكته مؤسسات عدة مانحة دولية من بينها "آ. اف. ب." والـ"يونيت" وغيرهما.
يضيف رحال: "تأسيسا على ذلك اتخذت قرارا ألغيت بموجبه القرار السابق بتكليفه بدور المنسق الوطني بين وزارة البيئة والمؤسسات الدولية، وأبلغته مضمونه، فرفضه وبقي على تواصل معها خلافا لقراري، وأجبر الدوائر والمصالح على ان يرسلوا لي كتبا يشيرون فيها الى انني اخالف قانون الموظفين، والى انه هو رأس السلطة الادارية، وأنا كوزير لا علاقة لي بذلك".
ويضيف: "لقد ارسلت نحو 10 ملفات في حقه تتضمن مخالفات منذ اكثر من 8 اشهر، الى التفتيش المركزي، ولم يتخذ اي قرار فيها حتى تاريخه. وعندما أعطيته اجازات مستحقة له بالطريقة التي تناسب عمله في الوزارة رفع عددا من الدعاوى الى مجلس شورى الدولة وخسرها كلها".
..
بارود – ريفي - سرور
واما حكاية وزير الداخلية والبلديات زياد بارود مع المديرين العامين التابعين لوزارته فطويلة، ولا سيما انه يتعاطى مع رؤساء أجهزة أمنية قائمة في ذاتها، ومرتبطة مباشرة بجهات سياسية نافذة، في حين يقتصر دور بارود على ممارسة الوصاية، من هنا لم تكن الارتكابات المالية سببا في صراع بارود المتقطع مع المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي، بل كانت عناوين الخلاف دائما متعلقة بالصلاحيات، واختلاف الرؤى حول نقاط محددة، فالعلاقة المطبوعة باحترام كامل بين الرجلين اللذين ينتميان الى مدرسة واحدة تنتهج طريق النظافة والترفع، تخللتها مآخذ بينهما ناشئة في معظم الاحيان من سجالات اعلامية خاضتها مؤسسة قوى الامن الداخلي مع جهات سياسية، للدفاع عن نفسها وعن صورتها امام الرأي العام، لم يكن بارود يوافق عليها، انطلاقا من موقع وزير الداخلية المسؤول السياسي عن وزارته ومن وسطيته في السياسة، فيما كانت قوى الامن تعتبره تقصيرا من بارود في الدفاع عنها ما يضطر قادتها الى خوض غمار هذه المعارك كعسكريين لا يطيقون "الزكزكة"، علما ان بارود كان يرى انه قام بواجبه في الدفاع "الشرس" عن المؤسسة في أكثر من محطة اساسية، ولا سيما في مجلس النواب.
واذا كان للصراع مع العسكر حساباته التي كانت تحول دون اجراءات قاسية، فإن ما لم يعد يحتمله بارود هي روائح الفضائح المالية التي فاحت في كل لبنان من مصلحة تسجيل السيارات والآليات، وتمكن بعد صراع طويل من تطويق رئيسها فرج الله سرور، بتعيين العقيد جورج لطوف بدلا من العميد مارون ابو ديوان كرئيس مصلحة تسجيل السيارات بالتكليف.
..
شهيب - عرموني
ورغم عدم وصاية وزارة المهجرين على الصندوق المركزي للمهجرين المرتبط ماليا واداريا برئاسة مجلس الوزراء فإن وزير المهجرين أكرم شهيب لم يكن راضيا عن رئيس الصندوق فادي عرموني ولم تكن العلاقة بينهما على ما يرام، لاسباب تتعلق بشعور لدى شهيب بان هناك انتقاصا من صلاحياته، وان التنسيق بينهما لم يكن كافيا.
..
الحسن - بيفاني - سقلاوي
مشكلة وزيرة المال ريا الحسن مع المدير العام للوزارة آلان بيفاني، ورثتها عن أسلافها، فالرجل يكاد يكون الوحيد الذي لا ينتمي سياسيا الى فريق عمل الوزراء الذين تناوبوا مرارا على الامساك بهذه الوزارة الاساسية منذ أيام الرئيس فؤاد السنيورة، ومنذ ذلك الحين تم اقصاؤه عمليا، وتركبت ادارة بديلة قوامها المستشارون، وبالتالي اصبح دوره اداريا شكليا ولم تتح له المشاركة حتى في حضور اجتماعات البنك الدولي، حيث درجت العادة تاريخيا بأن يكون هو من يمثل الوزارة.
كذلك ورثت الحسن علاقة مقطوعة أصلا ومنذ زمن بعيد مع رئيس ادارة الريجي ناصيف سقلاوي التابعة لوزارتها، والاسباب تضارب الانتماءات السياسية.
..
عبود - السردوك
ما بين وزير السياحة فادي عبود والمديرة العامة للوزارة ندى السردوك لا يرقى الى مستوى التباين في وجهات النظر، انما يتعلق باختلاف المقاربة الادارية بين الطرفين.
فالرجل الآتي من القطاع الخاص معتاد على وتيرة سريعة ومنتجة في الادارة، فوجئ لدى توليه وزارة السياحة بأن مديرتها العامة تعمل على ربط كل الجهاز الاداري بها وحدها مباشرة، وتأكد من ذلك عندما سافرت ندى السردوك في رحلة عمل، بأن ليس هناك من موظف يستطيع ان يقوم بعملها ولم يجد كتابا في البريد العادي كان قد طلبه، حتى عادت من السفر، والامر تكرر 3 مرات في 3 سفرات خارجية قامت بها السردوك.
كما يأخذ عليها انها ساهمت في الغاء المجلس الوطني للانماء السياحي، الذي أنشئ في العام 1959 قبل انشاء الوزارة، وعرقلت قرارا اتخذه مجلس الوزراء بالتعاقد مع 100 مراقب لصالح الوزارة لتبقي على امساكها بالوزارة بيد من حديد.
وقال عبود لـ"النهار": واجهت عملية تحديث آلية تصنيف الفنادق التي يعمل بها حاليا والتي تعود الى الاربعينات والتي تسمح بتصنيف فندقين في بيروت من 5 نجوم، علما ان احدهما يختلف عن الآخر بنحو 60 الى 70 في المئة.
...
..
تعليقات: