خلاف «الأشقاء» في الحقوق 1: السفارة السورية تتدخّل

تأجلت الامتحانات في الكلية إلى الجمعة المقبل
تأجلت الامتحانات في الكلية إلى الجمعة المقبل


لم يكن صباح أمس في حرم كلية الحقوق ــ الفرع الأول في الجامعة اللبنانية هادئاً. كل شيء هناك يوحي بأن الهدوء النسبي، الذي حلّ بعد محاولات لملمة آثار عراك الطلاب، على خلفية مشاكل قديمة، لن يستمرّ طويلاً

حصل ما كان متوقعاً. عند الساعة الحادية عشرة من صباح أمس، تجدّد الخلاف بين الطلاب اللبنانيين والسوريين في كليّة الحقوق والعلوم السياسية، الفرع الأول في الجامعة اللبنانية. كما هي العادة في خلافات من هذا النوع، تختلف الرواية بين المتخاصمين، ولا يتوافق على رواية واحدة إلا «الشهود» الحياديون، الذين لا ينتمون إلى أي طرف. أمّا على تخوم مبنى الحقوق وداخل أروقتها، فقد انتشر رجال مسلّحون من استخبارت الجيش، فرقة مكافحة الشغب، إضافة إلى قوة مؤلّلة من الجيش. كل هذا على أبواب الجامعة.

بدأت القصة عقب انتهاء الطلاب من المادة الأولى في الامتحان. هنا، الرواية السورية للحادثة، كما وردت على لسان الطالب أحمد (مع التحفظ على ذكر اسمه الكامل). يقول: «حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف، خرجنا من قاعة الامتحان إلى الباحة وجلسنا بانتظار خروج زملائنا، وفيما نحن كذلك دوّى صوت قوي وحلّ ضباب كثيف، وفي تلك اللحظة لم نشعر إلا بالعصي تنهال علينا من كل جانب، ولم ينقذنا إلا الجيش». يكمل عماد، وهو طالب آخر نال ما ناله «من الضرب بالعصي»، ما كان بدأه زميله، قائلاً «في تلك اللحظة لم نعد ندري من أين تأتينا الضربات، حتى إن أحد زملائنا جُرح في يده بسكين أحد الطلاب اللبنانيين». يتذكر عماد المشهد جيداً ويتذكر أيضاً أصوات الخارجين من مجلس الفرع «الذين كانوا يقولون هذه الجامعة لحركة أمل اخرجوا أيها السوريون». في الوقت الذي كان فيه الطلاب «يأكلون العصي، كان ممثلون عن السفارة السورية في الإدارة يناقشون كيفية حل المشكلة»، يضيف عماد.

لكن، على ما يبدو أن رواية عماد وأحمد والطلاب السوريين تختلف جملة وتفصيلاً عن رواية الطلاب اللبنانيين. اختلاف يبدأ من اللحظة الأولى للخلاف الذي بدأ نهار الجمعة الماضي. فالخلاف الذي قال الطلاب السوريون إنه بدأ «خلافاً لبنانياً ـــــ سورياً» ينفيه أيمن شحادة (مجلس طلاب الفرع) الذي قال «إن أساس الإشكال هو خلاف شخصي بين طالبين سوريين، تطور فيما بعد إلى خلاف بين السوريين وطالب لبناني تدخل لفض الإشكال». ينتهي شحادة من الرواية الأولى وينتقل إلى حادثة أمس فيقول: «خلاف شخصي بين طالبين نعمل على حله، ولا علاقة لمجلس الفرع به ولا لحركة أمل أيضاً». يختصر «مجموعة طلاب استفزازيين تسببوا بكل هذا، ولا يمكن أن يخرب العلاقة بين السوريين واللبنانيين، بل على العكس، التعاون سيبقى قائماً». وفي هذا الإطار، نفي مكتب الشباب والرياضة المركزي في حركة أمل «أي علاقة للحركة أو طلابها بالإشكال المذكور».

رواية لبنانية ثانية، يرويها أحد الطلاب. يقول إن «الطلاب السوريين تهجموا على أحد الموظفين الذي كان يفتح غرفة المؤتمرات لهم وللقنصل الذي حضر ليحاورهم». يتابع قائلاً: «بعدما ضربوا الموظف، انتقلوا إلى اللبنانيين وبدأوا يضربونهم بالعصي، فما كان من اللبنانيين ومن ممثل مكتب الشباب والرياضة في حركة أمل إلا أن قال لهم: نحن وأنتم واحد وتاريخنا وتاريخكم واحد... وجاي حدا يعلم علينا؟».

ثمة رواية أخرى، لبنانية، لكنها لا تشبه الروايتين السابقتين. وفي هذا الإطار، يشير طالب لبناني رفض الكشف عن اسمه إلى أن «الخلاف بدأ عندما حضر طالب لبناني وصديقته وأمر زميله السوري بإخلاء المقعد كي يجلسا، ولما لم يوافق الطالب السوري قال له الآخر حسابك بس نخلص الحصة». انتهت الحصة، فكان الحساب «ضرباً مبرحاً عند باب القاعة». ينتقل الطالب بروايته إلى ما حصل يوم أمس، ليقول: «كان أمس يوم الذروة، فبعدما خرج الطلاب السوريون من امتحانهم، بدأت الحركشات، فرمى أحد الطلاب اللبنانيين قنبلة صوتية ثم ضربهم بالعصي، ولم يشفع للسوريين حينها إلا حضور رجال الجيش الذين عملوا على تفريقهم بعدما انتشروا داخل حرم الكلية وخارجه».

عندها، لم يجد الطلاب السوريون إلا «الهروب خلاصاً وانتظار ما سينجم عن الاجتماع بين ممثلي السفارة وإدارة الكلية، وهو الاجتماع الذي استمرّ نحو ساعتين»، يقول الطالب السوري علاء، ليضيف طالب لبناني إلى هذه الروايات حدثاً آخر «حين فصل الجيش بيننا وبينهم، بدأوا يهتفون: الشعب السوري ما بينذل، وبالروح بالدم نفديك يا بشار. من قال إن مشكلتنا مع الشعب السوري أو رئيسه؟ لقد بالغوا فعلاً».

انتهى الخلاف وانفضّ الطرفان، قبل أن يتجمّع الطلاب السوريون في إحدى القاعات، مع القنصل ومسؤولين في مكتب الشباب والرياضة في حركة أمل، ومدير الكلية. تعالت أصواتهم لشرح ما يرونه معاملة سيئة من مجلس الطلاب: «بيتمقطعوا فينا بتصوير الكورات، بالملعب بيحكونا بطريقة فوقية، أوقات بيوصل فيهن ليطلبوا مصاري ليخلصولنا أوراقنا بالجامعة، وفوق هيدا وكلو دايماً بيسقطونا بالامتحانات». عبارات تكررت على لسان أكثر من طالب. وتحدّث القنصل عن أهمية ضمان حقوقهم لكن ضمن آليات، أبرزها «تأليف لجنة تنسق نقل الطلاب إلى جامعات سوريا». وافق الكثيرون ورفض البعض، فسرى رأي الأكثرية. طرح القنصل اقتراحاً لإجراء انتخابات عاجلة، ترشح فيها 58 طالباً، لكنّها انتهت قبل إعلان نتائجها، بعدما تبلغ القنصل عن «قدوم نائب رئيس اتحاد الطلبة في سوريا غداً (اليوم) إلى الجامعة، لننتخب اللجنة، وليحضر كل طالب سوري بهدوء، يشرح مشاكله لنعالجها، لكن المهم هو ضرورة التنسيق مع السفارة وهذه أرقامها...» يقول. إدارياً، أعلن مدير الفرع الأول في الكلية محمد منذر تأجيل الامتحانات المقررة اليوم وغداً، على أن تستكمل بعد غد الجمعة وفقاً للبرنامج المحدد سلفاً.

وفي اتصال مع «الأخبار»، اكتفى السفير السوري علي عبد الكريم علي بتعليق بسيط، لفت من خلاله إلى «أن الأمور تسير على ما يرام، ولا حاجة لتضخيمها، هي قضية مطلبية صغيرة، وما حصل كان خلافاً بين طلاب غير منضبطين». وفي هذا الإطار، سيجتمع طلاب سوريون ولبنانيون في مبنى الحزب السوري القومي اليوم.

لكن، من هم «غير المنضبطين»؟ يبدو أن علي أقرب إلى فرضية أن «غالبيتهم لبنانيون، فما وصلني أنا هو عن سوء معاملة يتعرض لها الطلاب السوريون، لا أكثر ولا أقل»، مطالباً «الجهات الأمنية والإدارة باتخاذ إجراءات مناسبة لضمان الأمان». بحق من؟ يجيب علي «بحق كل من كان مشاركاً في هذا الخلاف، سواء أكان لبنانياً أم سورياً، مع العلم أن الغالبية لبنانية». رغم ذلك، لم ينف علي أن للطلاب السوريين قضية مطلبية من وراء كل ذلك، في إشارة إلى المرسوم الذي طالبوا من خلاله السلطات السورية بنقلهم من جامعات لبنان إلى جامعات سوريا، فأشار إلى أنه «مرسوم فيه رغبة أكثر مما فيه منطق، والرغبة لا تتحقق بهذا اليسر، وإن كانت سوريا حريصة على أبنائها إلا أنها لا تستطيع تحقيق الرغبة، فبالنهاية هناك قوانين في ما يخص التعليم ولا أحد يمكنه تخطّيها». ويختم: «نحن في السفارة رفعنا هذا الأمر إلى السلطات السورية لدراسته».

«اللبنانية»: سنضع الأمور في نصابها

تشير مصادر مقرّبة من رئيس الجامعة زهير شكر، إلى أّنه لا مانع قانونياً من أن ينتخب الطلاب السوريون لجنة تتواصل مع اتحاد طلبة سوريا «ففي لبنان فرع لاتحاد طلبة فلسطين أيضاً». وتشدّد المصادر على أنّ الموضوع بدأ شخصياً «ولا مشكلة بين حركة أمل والطلبة السوريين، والمشاكل قليلاً ما تحدث». لكن المصادر تتحدّث عن بُعد آخر للموضوع «حضر طلاب سوريون إلى كلية الحقوق من كل الكليات، يهدفون إلى إيجاد حالة ضغط على سفارتهم بأن يظهروا أنهم مرفوضون من اللبنانيين، فيعادون إلى جامعات بلادهم التي لا تقبلهم بسبب تدنّي معدلاتهم.. اعتصامهم قبل 3 أيام أمام السفارة السورية لم يكن له داع. الطلاب السوريون الجديّون قليلون، ونحن سنضبط الأمور، وضعنا المراجع المختصة في أجواء المشكلة». وتشير المصادر إلى أنّ الحديث عن بعض السمسرات لقاء إنهاء الأوراق أو الإفادات صحيح، لكنّه يحدث مع جميع الطلاب لبنانيين وسوريين ممن لا ينتظرون وصول دورهم «يجب أن يعالج هذا الموضوع قريباً» تختم المصادر.

تعليقات: