عادت قضيّة إخفاء الإمام السيّد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمّد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين إلى صدارة الاهتمامات
لماذا لم يعمّم القضاء على الانتربول مذكّرات إلقاء القبض بحقّ القذافي ومعاونيه المتهمين؟
عادت قضيّة إخفاء الإمام السيّد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمّد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين إلى صدارة الاهتمامات، مع اندلاع الثورة الليبية ضد نظام العقيد معمر القذافي، المتهم الرئيسي بالضلوع بهذه الجريمة التي وقعت في 31 آب من العام 1978 على خلفية الاختلاف في وجهات النظر والرأي، فالصدر كان يعارض وبشدّة، فكرة تقسيم لبنان وإنشاء دولة إسلامية، بينما القذّافي يؤيّدها، ممّا ولّد توتراً في العلاقة بينهما، بحسب ما جاء في نصّ قرار الاتهام الصادر عن المحقّق العدلي القاضي سميح الحاج في 21 آب 2008.
ولم يعد خافياً على أحد ارتكاب القذافي لجريمة خطف الصدر ورفيقيه وحجز حريتهم، فهو اعترف بفعلته في العام 2002، بعدما كانت التحقيقات لدى القضاءين اللبناني والإيطالي توصّلت إلى قناعة تامة بأن الصدر ورفيقيه لم يغادروا الأراضي الليبية إلى إيطاليا كما زعمت الأنباء والسلطات الليبية آنذاك لاخفاء الجريمة، وهذا واضح في متن قرار الاتهام حيث ورد أن «سماحة الإمام ورفيقيه التقوا فعلاً بالعقيد القذافي بعد ظهر 31/8/1978، وأن اللقاء لم يكن ودياً بل كان عاصفاً جداً بسبب التباين في الآراء السياسية والدينية، الأمر الذي حدا بالعقيد القذافي لأن يقول لمساعديه «خذوهم».
كما أن النيابة العامة الإيطالية وضعت في 20 كانون الأول 1981 مطالعة، طلبت فيها من قاضي التحقيق في روما حفظ القضية إذ ثبت لديها أن الصدر ورفيقيه لم يحضروا إلى روما وأن الأشخاص الذين دخلوا كانوا منتحلين أسماءهم وهوياتهم وهم مزيفون، وبناء على ذلك قرر قاضي التحقيق في روما حفظ الأوراق لذات الأسباب في 28 كانون الثاني 1982.
وأكثر مما تقدم، فإن رئيس الوزراء الليبي آنذاك عبد السلام جلود هو من قام بتزييف الحقيقة بإبلاغ موفد لبنان الرسمي أمين عام مجلس الوزراء الدكتور عمر مسيكة بأن الصدر ورفيقيه غادروا إلى إيطاليا على متن طائرة عائدة لشركة «اليطاليا» من دون إبلاغ أي مرجع رسمي ليبي بذلك.
وبهدف التمويه والتضليل وتغييب الحقيقة، أرسلت السلطات الليبية شخصين انتحلا صفة الصدر ورفيقيه إلى إيطاليا لتأكيد خروجهما من أراضيها وتبرئة نفسها، ولكن التحقيق الإيطالي اكتشف أن الشخصين المزيّفين اللذين نزلا في فندق «هوليداي ان» باسم الصدر ويعقوب، لا يحملان المواصفات الجسدية وملامح الوجه الخاصة بالأخيرين.
وأظهرت إفادات الشهود المستمع إليهم وهم قائد الطائرة الإيطالية ومساعدوه، والعاملون في الفندق والحمّال في الفندق، والموظفون المولجون بالتدقيق في جوازات السفر وإدارة الجمارك وعدد من ركاب الطائرة، أن مواصفات هذين الشخصين لا تنطبق على الصدر ويعقوب.
وبحسب العلم القانوني، فإنه لا يوجد اعتقاد بوفاة الإمام الصدر ورفيقيه لانعدام الأدلّة على حصول الوفاة، وانتفاء الوقائع الثابتة على حصول تصفية جسدية، مما يرجح كفة وجودهم أحياء، وإذا ما تبين أن القتل حاصل، وهو الأكثر تداولاً وقرباً من المنطق بسبب شراسة القذافي وإجرامه بحقّ شعبه فكيف بمن يقف على النقيض تماماً من رأيه؟، فإنّ صفة الادعاء وحالة الجرم الموجودة أمام القضاء اللبناني تتغيّر من خطف وحجز حرّية إلى القتل، لتكبر العقوبة من الأشغال الشاقة المؤبّدة إلى الإعدام، إذا ما بقي القذّافي وستّة من كبار المسؤولين في نظامه هم: المرغني مسعود التومي، وأحمد محمد الحطاب، والهادي إبراهيم مصطفى السعداوي، وعبد الرحمن محمد غويلة، ومحمد خليفة سحيون، وعيسى مسعود عبد الله المنصوري، على قيد الحياة.
ولن يتسنى للمجلس العدلي أن يبدأ النظر في هذا الملف كما هو مقرر في وقت سابق، نتيجة تعيين جلسة محاكمة في 4 آذار 2011، وذلك بسبب عدم اكتمال هيئة المجلس العدلي على اثر تقاعد رئيسه القاضي غالب غانم في 2 كانون الثاني 2011 وعدم تعيين بديل عنه لعدم وجود مجلس وزراء، مما يعني أن القاضي سامي منصور الأعلى درجة سيقوم بتأجيل الجلسة إلى موعد آخر.
ولكن ثمّة خطوات ناقصة في هذا الملف لم يكملها القضاء اللبناني، بعد تعاطيه البطيء مع هذه القضية الإنسانية، وهو ما كان موضع استهجان واستغراب لدى عائلة الإمام الصدر وعائلتي يعقوب وبدر الدين، فقد حصل تأخير في تعميم مذكّرات إلقاء القبض بحقّ القذافي والستّة المتهمّين المذكورين، جاوز السنتين، فالقرار الاتهامي صدر في 21 آب 2008، بينما تعميم مذكرات إلقاء القبض حصل في 25 آب 2010 عندما بادر النائب العام العدلي سعيد ميرزا إلى إحالة قرار الاتهام من المحقّق العدلي الحاج إلى المجلس العدلي، وبدلاً من الاستفادة من هذا الوقت، فإنّه ذهب سدى، ومن دون معرفة الدوافع الأساسية، مع أن القضية وطنية وتخص كل الطوائف وكل اللبنانيين وليست خاصة بطائفة ما.
ولم يقم القضاء اللبناني ممثّلاً بالنيابة العامة التمييزية، بتعميم مذكّرات إلقاء القبض على الانتربول، بينما في ملفّات أقلّ أهمية يسارع المعنيون إلى إبلاغ الانتربول.
وتأسيساً على ما ذكر، فإن الطلب الأساسي في الوقت الراهن هو تعيين جلسة محاكمة في موعد قريب جدّاً لا يتعدى الشهر أو الشهرين، وذلك لمباشرة إجراءات المحاكمة إذا لم يحضر أحد من المتهمين، والمحاكمة الغيابية للفار من وجه العدالة، بحيث يصبح بالإمكان تأكيد مذكّرات إلقاء القبض بحق القذافي ومعاونيه الذين وردت أسماؤهم كاملة في متن قرار الاتهام، واعتبار القذافي فاراً من وجه العدالة وحرمانه من حقوقه المدنية ومنعه من التصرف بأمواله.
لذلك كلّه، فإن مصادر عائلات الصدر ويعقوب وبدر الدين، ترى أن هذه القضية لم تعد تحتمل التأجيل والمماطلة، أو القيام بتحقيقات إضافية، فالحقيقة واضحة والنظام الليبي متورط، ولا يسعها إلاّ أنْ تتوج بمحاكمات وحكم مبرم.
تعليقات: