انخفض وزن محمد إلى النصف بعد الحادثة
سقط شاب فلسطيني برصاص عنصرٍ من فرع المعلومات. تحقيق المعلومات يزعم أن الشاب أصيب خطأً، فيما يؤكد ذووه أنه كان مقصوداً. أُجريت للشاب عمليات جراحية على نفقة قوى الأمن، لكنه يحتاج إلى عمليات أخرى تبلغ كلفتها نحو 17000 دولار، تقول العائلة إنّ المديرية تنصّلت منها
انقضّ سبعة أشخاص مسلحين يرتدون ثياباً مدنية على شابين كانا جالسين أمام أحد المنازل في منطقة وطى المصيطبة يرتشفان القهوة. انهالوا عليهما بالضرب وقيّدوا أحدهما فحاول الآخر الهرب. عندها، صوّب أحد المهاجمين مسدسه نحو الشاب الهارب الذي لم يكن يبعد عنه أكثر من ستة أمتار وأطلق النار. أصابت الرصاصة الشاب في رقبته، فحطّمت فكّه وقطعت لسانه قبل أن تخرج من فمه مخلّفة أضراراً جسيمة. سقط محمد أحمد أرضاً مضرّجاً بدمائه فارتفع صراخ أحد المسلّحين على مطلق النار: «لماذا استخدمت السلاح؟ لمَ لم تُطلق النار على قدميه». المسألة لم تنته عند هذا الحد؛ فمحمد لم يفارق الحياة. تُرِك ينزف لأكثر من نصف ساعة إلى حين وصول سيّارة الإسعاف، فيما كان الأمنيون في تلك الأثناء يُدقّقون في بطاقة هويّته بعدما سحبوها من جيبه.
الوقائع المذكورة هي عملية دهم نفّذها عناصر من فرع المعلومات بداية السنة الماضية، بحثاً عن مطلوبين وفق ما رواه أحد أفراد عائلته لـ«الأخبار». قصدوا الإعلام بعدما ضاقت بهم السُبل لتحصيل حقّهم في إنقاذ ما بقي من حياة الشقيق الأصغر للعائلة. في هذا السياق، يُشار إلى أن القضية تنقسم إلى شقّين: الأول يلحظ الناحية الإنسانية وضرورة تحمّل المسؤولين في القوى الأمنية لمسؤولياتهم والتكفّل بتوفير تكاليف العلاج كاملةً للشاب المصاب. أما الشق الثاني، فيغوص في الملابسات الكامنة وراء ما حصل، ويتحدّث عن استهداف مقصود للشاب أدى إلى ما حصل، وبالتالي نكون أمام جريمة محاولة قتل إن صحّت الادعاءات. ورغم ذلك رأت المديرية العامة عدم وجود مبرّر لملاحقته؛ لأنه كان يقوم بتأدية واجبه، علماً بأن هناك أسبقيات إطلاق نار بحق العنصر المذكور. وعلمت «الأخبار» أن القضاء العسكري طلب ملاحقته، لكن مديرية قوى الأمن أعطت رأيها بعدم الملاحقة. والعقدة اليوم قائمة لدى النيابة العامة التمييزية التي أبدت عدم موافقتها على ملاحقة العنصر، رغم تقدّم عائلة الشاب المصاب بطلب ملاحقته مرّتين، علماً بأن العسكري المذكور بعث بتهديد إلى العائلة، وفق ما روى أحد أفرادها.
انطلاقاً مما سبق، تحدّث فارس أحمد، شقيق المصاب، لـ«الأخبار»، كاشفاً عن مخالفات حصلت أدت إلى إصابة شقيقه. فالمكلفون عملية الدهم لهم صفة أمنية لم يكشف عنها لحظة هجومهم، مشيراً إلى أنّ ذلك مخالفٌ لتنظيم قوى الأمن الداخلي الوارد في القانون الـ17. فقد أكّد المصاب أنه لم يكن يعلم أنّ مهاجميه من القوى الأمنية، وإلا ما حاول الهرب خوفاً كما حصل، علماً بأنه ليس مطلوباً بأي مذكرة توقيف وفق ما بيّنت النشرة الجرمية بحسب أحد أفراد عائلته، لكنّه ظنّ أن المهاجمين لصوص أو ما شابه. وفي السياق نفسه، يتحدّث شقيق الشاب المصاب فارس عن مؤامرة حيكت للانتقام من شقيقه. فقد كشف فارس أن مُطلق النار حاول أكثر من مرّة تجنيد شقيقه كي يعمل مخبراً لديهم في فرع المعلومات لينقل لهم أخبار المخيّم الفلسطيني، لكن أحمد كان يجابهه بالرفض دوماً.
أهالي الشاب محمد أحمد رفعوا القضية عبر «الأخبار» علّهم يحصّلون حقّاً ضائعاً من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، حقّاً يعوّض ـــــ ولو جزءاً ضئيلاً ـــــ من حياة شاب صارت بحكم المنتهية. كذلك يذكُر أحد أفراد العائلة أن القوى الأمنية فتحت تحقيقاً في القضية، وخلُصت إلى أنّ محمد أُصيب من طريق الخطأ. ويشير إلى أن رؤساء العنصر المذكور حاولوا التغطية على ما جرى؛ فقد أخبرهم الضابط المسؤول عن المتورّط في إطلاق النار، الرائد س. س.، أنه أُبعد ونُقل إلى الجبل منعاً لأي احتكاك قد يحصل. وذكر شقيق المصاب، فارس أحمد ، أن الرائد س. أكّد للعائلة أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ستتكفّل بعلاج محمد إلى حين شفائه، لكن الشقيق أكّد أن هذا ما لم يحصل. فقد ذكر فارس أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لم تف بتعهّداتها، مشيراً إلى أنهم دفعوا تكاليف ثلاث عمليات جراحية فقط خضع لها محمد في مستشفى بيروت الحكومي. ولفت فارس إلى أن العائلة، رغم وضعها المادي الصعب، دفعت تكاليف ثلاث عمليات أخرى، مشيراً إلى أن الطبيب تحدّث عن ثلاث عمليات جراحية باقية يُفترض إجراؤها في أقرب وقتٍ ممكن، لكن تكاليفها الباهظة تفوق قدرة العائلة مادياً، إذ تبلغ نحو 17000 دولار أمريكي. وتحدّث فارس عن لقاء جرى مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، فوصفه بالإيجابي لناحية تعهّد اللواء ريفي بأن ينال كل ذي حقٍّ حقّه بعد أن يطّلع على الملف. لكنه عاد واستدرك بأن شيئاً من الإيجابية لم يُترجم رغم مرور عدّة أشهر على حصول ذلك اللقاء.
مديرية قوى الأمن.. تتكفّل أم تتنصّل؟
ذكر مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي جاهزة لتحمّل مسؤوليتها لجهة علاج الشاب المصاب. وأشار المسؤول المذكور إلى أن ما جرى حادثة مؤسفة حصلت قضاءً وقدراً.
وفي مقابل التعهّد الذي أبدته المديرية، ذكر أفراد العائلة أن تمييعاً يجري في أروقتها.
فقد أبلغ أحد الضبّاط شقيق الشاب المصاب بأن عرض المديرية هو أن تُجري العائلة العمليات الجراحية على نفقتها الشخصية، على أن تدفع المديرية التكاليف كاملة بعد إبراز الإيصالات في وقتٍ لاحق. عرض الضابط لاقاه شقيق الشاب المصاب باستغراب؛ إذ إن العائلة بالكاد تحصّل قوت يومها، فكيف لها أن تدفع مبلغ 17000 دولار أمريكي؟
رعب
ذكر المحامي يونس عوّاض أن العناصر الذين نفّذوا عملية الدهم خالفوا قانون تنظيم قوى الأمن ـــــ القانون الـ17 لجهة التعريف بصفتهم الأمنية أو لجهة إطلاق النار في أماكن غير قاتلة إن استدعى الأمر. وأشار المحامي عوّاض إلى أن الحالة إنسانية محضة تتطلّب التفاتة لمساعدة علاجية للشاب العالق بين الحياة والموت، لافتاً إلى أن العنصر المدعى عليه لديه أسبقيات في إطلاق النار وإصابة مشتبه فيهم. يذكر أنها ليست المرّة الأولى التي يسقط فيه مواطن بريء برصاص قوى الأمن من طريق الخطأ؛ فقد سبق أن قتل عسكريان في قوى الأمن الداخلي بثياب مدنية الشاب السوري عبد الناصر الأحمد فجر يوم 2/12/2010. يومها اشتبه فيه العسكريان وطلبا إليه التوقّف، لكنه ارتعب فلم يمتثل لطلبهما، وحاول الهرب فأطلق عليه أحدهما النار وأرداه قتيلاً.
تعليقات: