جورج قرداحي: فتَن الملايين... ولم يخسر نفسه

كان التحصيل العلمي في نظر والده ضرورة. لهذا السبب، كانت العائلة تنزح شتاءً من قريتها فيطرون (قضاء كسروان) إلى بلدة عجلتون على الساحل المتني، حيث مدرسة «اللعازارية». هناك تابع جورج قرداحي دراسته الابتدائية، قبل أن ينتقل إلى مدرسة «اللويزة» الداخلية، ويبقى فيها حتى تخرّجه. من والده، تعلم الإعلامي اللبناني المعروف حب الناس، والتعلّق بالطبيعة. فالمختار الذي أمضى أكثر من أربعين عاماً منغمساً في هموم أهل قريته ومتطلباتهم، ومراعياً لأرضه «كل شبر بندر»، أنبت في قلب ابنه، عشقاً استثنائياً لهما.

حتى اليوم، يحرص قرداحي على الاعتناء بمزروعاته، بما فيها كروم العنب و«جنينة» التفاح. «أشعر بأنّني بهذا أمارس وفائي لوالدي وجدي، لأنّني أهتم بما كان في الأساس ملكهما». وكأيّ قروي جبلي، يمارس قرداحي كامل طقوس الصيد ـــــ ملتزماً طبعاً بالقوانين التي تنظّمه. رحلات الصيد طريقته للهروب من أعباء العمل، «أمارسُ الرياضة وأكتشفُ الطبيعة بكل فصولها». يستعيد سلامه الداخلي حالما يصير على تماسّ مع الخُضَر والطيور.

ترعرع جورج قرداحي في كنف عائلة محبة ومؤمنة، تكافح من أجل تأمين مسلتزمات أولادها الأربعة. التحق بالجامعة اللبنانية ودرس الحقوق، ثمّ بالجامعة اليسوعية حيث درس العلوم السياسية. ويبرّر الإعلامي اختياره للمحاماة بأنّه حقق رغبة والده من جهة، واستثمر من جهة أخرى ميله منذ نعومة أظافره إلى «المرافعة والفصاحة والدفاع عن الناس». جمع بين اختصاصين إلى جانب عمله في صحيفة «لسان الحال»، لكي يتمكن من دفع أقساطه الجامعية. وفي عام 1974 انتقل إلى قسم الأخبار في «تلفزيون لبنان». أجبرته الحرب الأهلية اللبنانية عام 1978 على السفر إلى باريس، حيث عمل في راديو «مونتي كارلو»، على أمل العودة إلى الوطن. درس الإعلام هناك في «مركز إعداد الصحافيين» (CFJ) المعروف بمدرسة «طريق اللوفر».

في أحد مطاعم فندق بيروتي حيث التقانا، يخبرنا قرداحي عن سنوات الحرب التي طالت، وطالت معها سنوات الغربة: «الأشهر الثلاثة صارت 17 عاماً، لم يفارقني خلالها هاجس العودة أبداً». عام 1990، التحق بـ «إذاعة الشرق» لمدة سنتين، ثم عمل مستشاراً في تلفزيون MBC في لندن، ومن بعدها مديراً عاماً لراديو MBC FM من عام 1996 إلى 2002 حين قدم استقالته. «صار من الصعب علي التوفيق بين عملي الذي يحتاج إلى الحضور الدائم، وتقديمي لـ «من سيربح المليون»».

مثّل هذا البرنامج «نقلة نوعيّة» في حياته المهنيّة، بعدما عرضته عليه شبكة MBC عام 1999. يتابع جازماً بأنّ العمل على هذا البرنامج «نقيٌّ وجديّ جداً، لكنني كنت خائفاً وقلقاً من رد فعل الناس، في وقت كان يراهن فيه كثيرون، بمن فيهم زملاء، على فشلنا. كانت تصلني توقّعاتهم: جورج جامد، ولا تليق له هذه البرامج». يعزو قرداحي سبب نجاح «من سيربح المليون» إلى عوامل عدّة، أبرزها افتقار الساحة الإعلامية العربية إلى برامج ثقافية على هذا المستوى، وتوافر المقوّمات الجذابة فيه، كالأسئلة والمعلومات المهمة، إضافةً إلى التحدي والمكسب والتسلية... ويختم بخفر قائلاً: «شخصية المقدم تؤدّي دورها أيضاً». شخصيته الجذابة وصوته الرخيم، وثقافته الواسعة، ولغته العربية السليمة التي استمدها من معرفته بأصول تجويد القرآن، كلّها عوامل أدت إلى نجاح «ابن جبل لبنان» في مهمته العربيّة.

طغت على خيارات قرداحي برامج الألعاب. فبعد «من سيربح المليون»، قدم «التحدي»، وكان عبارة عن مسابقة بين مشتركين من دول عربية مختلفة. ويعترف بأنّه رغم ضخامة إنتاج البرنامج، لم تكن حظوظه في النجاح الجماهيري وفيرة، نظراً إلى الحساسيات التي نشأت بين الفرق المشاركة. وبين هاتين التجربتين سجّل برنامج «افتح قلبك»، ذا الطابع الاجتماعي، الذي عُرض على شاشة LBCI عام 2004، خرقاً في نمط برامجه المعتادة. «كان البرنامج جيداً، لكنّ الإنسان العربي ليس مستعداً بعد للإفصاح عن الحقائق وتشاركها مع الملأ».

عاد بعد هذه التجربة للجلوس في مقعد «من سيربح المليونين»، وأخيراً قدم برنامج «القوة العاشرة» على شاشة MBC1 عام 2009. يستنكر قرداحي المقارنة التي أجريت بين هذا البرنامج و«من سيربح المليون»، لأن الأخير يعتمد على التقدير لا على المعلومات الثابتة. ويؤكّد: «تصوير 40 حلقة من البرنامج أضره وأشعر الجمهور بالملل».

اعتادت زوجة قرداحي المعجبات اللواتي يحُمن حوله. رفيقة دربه بعد قصة حب طويلة، كانت تنزعج في البداية من هذا الواقع، بعد انطلاق شهرة زوجها. «عشنا معاً في الحب و«خوف الله»، وحرصنا على تربية أولادنا الثلاثة، غابريال وباميلا وباتريسيا، تربية صالحة»، يقول. خلف وجه الشخصية العامّة، يخفي هذا الرجل ربّ منزل متعلّقاً بعائلته وأولاده. ويفضّل قضاء معظم أوقات فراغه معهم، بعدما حوّله ضغط العمل إلى «بيتوتي» ينشد السكينة.

من مصر إلى تونس فليبيا، لا يستطيع جورج أن يصف السعادة التي تغمر قلبه، لشعوره بأنّ رياح التغيير بدأت تهب حقاً. «الشباب العربي كذّبنا وكذّب استسلامنا، وبيّن أنه ما زالت في هذه الأمة دماء تجري»، لكنّه لا يفكر في العودة إلى المجال السياسي، وخصوصاً في لبنان، لأنّه في رأيه مجرد «حكي». المؤسسة الإعلامية، تؤدّي دورها فقط عندما يصبح هناك ديموقراطية حقيقية. «الله يساعد الزملاء الذين يقدمون برامج سياسية».

مشاريعه المقبلة متنوّعة، صوّر أخيراً برنامج «مسابقة الجماهير» (people’s quiz) حيث يرأس لجنة التحكيم التي تضمّ النجمة المصرية منى زكي، والإعلامية السعودية سارة الدندراوي. في الوقت نفسه، يدرس ثلاث أفكار لبرامج جديدة على شاشة MBC. «أنا متفق معهم، لأننا نأخذ الحياة بهدوء». يؤكد قرداحي وهو يستعد لتوديعنا، أن حلقات جديدة من برنامج «من سيربح المليون» جاهزة دوماً، لكن يجب أن «يرتاح الناس منه قليلاً حتى يشتاقوا إليه».

5 تواريخ

أواخر الخمسينيات

الولادة في فيطرون (قضاء كسروان)

1974

عمل في قسم الأخبار في «تلفزيون لبنان»

1978

ترك لبنان وهاجر إلى باريس بعيداً عن نيران الحرب الأهلية

1999

انطلق إلى الشهرة الواسعة مع الموسم الأول من برنامج «من سيربح المليون»

2011

يقضي فترة راحة يدرس خلالها أفكاراً لبرامج جديدة عرضتها عليه محطّة MBC