أعمار المبدعين دائما قصيرة. غسان كنفاني واحدا من هؤلاء الذين اغنوا الذاكرة بالابداعات وعمقوا الانغراس بالارض وبنوا في النفوس معمارا وطنيا قويا تضمحل امامهم الزلازل مهما كانت قوية. قرانا غسان كنفاني ومازلنا نقراه وبكل كلمة وسطر نكتشف ليس حبكته الادبية الجميلة فقط وانما الصدق في كتاباته فهو ابن فلسطين عاش اعوامه الثلاثين ونيف وهي تسكن في وجدانها وهو يسكن في دساكرها وازقتها وبياراتها على الرغم من المسافة البعيدة عنها التي اسمها التهجير والتعلق بحبال العودة حتى ولو كان في اقصى اقاصي الارض. كان غسان رجلا من رجال تحت الشمس فكان يكره الظلمة والظلم ويعشق الضوء المنبعث من جبال الجليل وسفوح الكرمل.ما زلت اذكر انني كنت على سطح منزلنا في الشياح حين سمعت دوي انفجار في منطقة الحازمية ودخان يتصاعد من احد احيائها لم يتبادر الى ذهني ابدا ان العدو قد تمكن من النيل من غسان كنفاني وان اسرائيل قد فتحت على مصراعيه باب استهدافات قادة المقاومة لتزرع هاماتهم العالية في الارض بعدما انتصبت حتى باتت تلامس الافق مستمدة من حب فلسطين هذه العملقة فبعد غسان كان القادة الثلاثة كمال ناصر ويوسف النجار وكمال عدوان ولكن على الرغم من ذلك بقيت فلسطين ولادة القادة القادة الشهداء.كما ارادها غسان ولاباس ان استعير من احد الذين كتبوا عن غسان هذه العبارة كانت حياته القصيرة وإبداعه أقرب إلي عاصفة من القدرة على التعبير عن الكرامة والوطن خرجت من مخيمات نكبة 1948، وحملت معها إلى العالم كله صورة تلك المخيمات وقضية شعب سدت أمامه كل الأبواب ولم يبق له سوى دخول التاريخ برأس ثابت كالرمح، لأن الوطن لا يستبدل بشيء آخر أيا كان. لقد قال غسان " حاولت منذ البدء أن أستبدل الوطن بالعمل، ثم بالعائلة، ثم بالكلمة، ثم بالعنف، ثم بالمرأة. وكان دائما يعوزني الانتساب الحقيقي.. كنت أريد أرضا ثابتة أقف فوقها، ونحن نستطيع أن نخدع كل شيء ما عدا أقدامنا، إننا لا نستطيع أن نقنعها بالوقوف على رقائق جليد هشة معلقة بالهواء ".
* كاتب لبناني من الخيام
تعليقات: