أوجيرو على حافة الافلاس ونحاس يمتنع عن دفع مستحقاتها ورواتب الموظفين

زير الاتصالات شربل نحاس ورئيس هيئة \
زير الاتصالات شربل نحاس ورئيس هيئة \"أوجيرو\" عبد المنعم يوسف


قطاع الاتصالات مهدّد بالتوقف نهاية آذار والمطلوب حلول فورية...

ماذا يجري بين وزير الاتصالات شربل نحاس ورئيس هيئة "أوجيرو" عبد المنعم يوسف؟ وهل بلغ الخلاف بينهما حداً بات يضع قطاع الاتصالات ومصالح الناس والقطاعات الاقتصادية تحت تهديد التوقف والتعطيل؟ وكيف سيخرج الوزير نحاس من المأزق المالي والقانوني الذي أوصل هيئة "أوجيرو" اليه بعد تراكم تأجيل تنفيذ القرارات الرامية الى تسيير المرفق العام ودفع الرواتب والاجور للموظفين والاموال المترتبة للموردين، وذلك منعا لانفجار الملف الذي بلغ سقفه الاقصى بوصول الهيئة الى حافة الافلاس؟

مرد كل هذه التساؤلات الى الوضع الدقيق والحساس الذي وصلت اليه هيئة "أوجيرو" منذ قرار وزير الاتصالات رفض تجديد عقودها بداية عام 2010 وانهاء العمل بها من طرف واحد من دون سابق انذار، خلافا للمراسيم ولقرارات مجلس الوزراء وأحكام القانون، فضلا عن لجوئه الى تعديل مبدأ الموازنة لجهة الغاء بند مساهمة رواتب موظفي القطاع العام العاملين في الهيئة وصولا الى تخلفه عن التزاماته الخطية في دفع النفقات وتأمين استمرارية العمل، وهو ما تبيّنه بوضوح المراسلات بين الوزير والهيئة، وامتناعه عن صرف الاموال لها، مما أوصلها الى أزمة مالية خانقة بعد استنفاد كل الاموال المتوافرة (حتى الوفر المحقق)، فباتت امام واقع لا مخارج ميسرة له: انعدام السيولة المالية، العجز عن دفع رواتب شهر آذار الجاري وعن دفع مستحقات الموردين والمتعهدين وتأمين المصاريف التشغيلية، والعجز عن تنفيذ أي مهمات او اعمال او صيانة، فيما المخرج الوحيد المقترح من وزير الاتصالات يتمثل بدعوته الهيئة الى استعمال تعويضات نهاية الخدمة، وهو ما يعني بالنسبة الى هذه المؤسسة الافلاس والغاء وجودها كهيئة مستقلة.

وعلمت "النهار" ان الخلاف بين نحاس ويوسف لم تعد اضراره محصورة بالأبعاد السياسية، وفق مصادر متابعة للملف، القائمة على رغبة وزير الاتصالات في وضع الهيئة تحت الوصاية الكاملة للوزارة وافقادها استقلاليتها المالية والادارية، وانما بات يهدد قطاع الاتصالات بكامله انطلاقا من عاملين اساسيين:

- أولهما تهديد الموظفين وعددهم 3500 باللجوء الى الاضراب والتوقف عن العمل اذا لم يتم دفع رواتبهم واجورهم للشهر الجاري.

- وثانيهما تهديد الموردين بالتوقف عن تسليم البضائع والتجهيزات العائدة الى تشغيل شبكة الهاتف الثابت وصيانتها واستثمارها وتطويرها، بعدما بلغت الديون المستحقة 18 مليار ليرة لفواتير انفاق فعلية مصفاة تعود الى الاشهر الستة الماضية، تعجز "اوجيرو" عن دفعها لنحو 300 شركة لبنانية. ولعل اهمها يتركز في 3 محاور: "كابلات لبنان" التي توفر الكابلات للألياف الضوئية وغيرها، منشآت نفط الزهراني ودير عمار لتأمين المازوت لزوم المولدات الكهربائية، وشركات النفط لتأمين البنزين . وعلم ان غالبية الموردين ابلغوا الى الهيئة عزمهم على اقامة دعاوى قضائية ضدها لعدم التزامها دفع مستحقاتهم وفق دفاتر الشروط الموقعة.

الامَ سيؤدي هذا الواقع؟

تبدي مصادر مطلعة في وزارة الاتصالات قلقها الشديد من ان يؤدي هذا الامر الى نفاد مخزون الهيئة من المازوت الكافي حاليا حتى نهاية آذار الجاري، مما سيؤدي عمليا وفي حال انقطاع الكهرباء الى توقف السنترالات (360 سنترالا موزعة على كل المناطق اللبنانية) نظرا الى ان القدرة التشغيلية الذاتية لهذه السنترالات لا تتعدى الـ3 ساعات.

وهذا يعني ايضا:

- العجز عن شراء المحروقات وتأمين التغذية الكهربائية للسنترالات، مما سيؤدي الى توقفها عن العمل.

- توقف اعمال صيانة الخطوط الهاتفية، وهذا يؤدي الى توقف الخطوط الرقمية التأجيرية التي تربط كل فروع المصارف بما فيها المصرف المركزي، مما يؤدي الى شل القطاع المصرفي، وينسحب ايضا على كل العصب المعلوماتي الذي يربط المؤسسات الرسمية والهيئات الدولية والقطاعات الاقتصادية والتربوية.

- عدم القدرة على بيع خدمات الانترنت السريع العائد الى الوزارة وشركات القطاع الخاص، مما سيؤدي الى توقف الانترنت (DSL)

- توقف السنترالات الدولية والاتصالات الدولية بما فيها خدمة التجوال للهاتف الخليوي.

- توقف محطات الاتصالات الفضائية، وتاليا توقف عمل القنوات الفضائية.

- وقف اعمال صيانة كابلات الألياف الضوئية التي تربط مقسمات الهاتف، مما يؤدي الى انقطاع التواصل بين المناطق وانقطاع وسائل نقل المعلومات وحركة التخابر العائدة الى شبكتي الخليوي، وهذا يؤدي بدوره الى وقف الاتصالات الخليوية.

- عدم القدرة على دفع المستحقات المالية للموردين.

- توقف شبكات الاتصالات العائدة الى الجيش والأجهزة الأمنية، والخطوط العسكرية الثابتة بين مختلف القطع العسكرية والأمنية.

- العجز عن الاستمرار في طبع البطاقات المسبقة الدفع وبيعها، مما سيؤدي الى خسارة الخزينة ايرادات لا تقل عن 120 مليار ليرة سنويا.

وفي الخلاصة، فان لبنان امام خطر الشلل في مجال الاتصالات وعزله عن العالم الخارجي اذا لم يجر العمل فورياً على تأمين استمرارية عمل المرفق العام وتأمين الاموال اللازمة له واعادة تفعيل المراسيم والقرارات الصادرة عن مجلس الوزراء وتوقيع العقود مع الهيئة.

القصة من أولها

وكانت المشكلة بدأت فعليا مع تسلم الوزير شربل نحاس مهمات وزارة الاتصالات في تشرين الثاني 2009، وللمفارقة قبل شهر من استحقاق تجديد العقود التي درجت العادة منذ عام 1975 على تجديدها تلقائيا. والمعلوم ان قرار انشاء هيئة "أوجيرو" صدر في عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية، وكان يتولى نجله طوني وزارة الاتصالات.

ولدى عرض الهيئة على نحاس العقود، أجاب بأنه لن يعمد الى التجديد قبل درس العقود، بهدف تحسينها ويطلب من خلال رسائل نيات (كتاب رقم 5938 وكتاب رقم 6293 تاريخ 8 كانون الاول 2009) "الاستمرار بتنفيذ الاعمال بذات الشروط التعاقدية" كما جاء في الكتابين.

واعتبر الاجراء قانونيا من ديوان المحاسبة باعتبار ان العقود صالحة لشهر من تاريخ صلاحيتها. وبعد تذكير من رئيس الهيئة في منتصف كانون الثاني بخطر سقوطها اذا لم يتم تجديدها، طلب نحاس مجدداً اكمال العمل بالعقود، فيما كان يتم الاعداد لمشروع موازنة عام 2010 الذي ضمنه نحاس بنداً يغير الطبيعة القانونية للهيئة المنشأة أساساً بموجب قانون خاص وليس بموجب مرسوم المؤسسات العامة، وهذا القانون يعطيها شخصية معنوية مستقلة غير خاضعة لمرسوم المؤسسات العامة وانما فقط لرقابة ديوان المحاسبة.

لكن البند المضاف الى مشروع الموازنة قوبل بالرفض من وزيرة المال ريا الحسن التي رفعت المشروع الى مجلس الوزراء. وقد رفضه لأن "تعديل قانون الهيئة من صلاحية مجلس الوزراء ويتم بقانون خاص، كما ان التعديل المطلوب لا يتماشى مع قانون الاتصالات".

وأعقب ذلك توجيه وزير الاتصالات كتابا رقمه 3633 في تاريخ 13 تموز 2010 الى الهيئة بصفة عاجل وفوري وخلافا لقرارات مجلس الوزراء في هذا الشأن، يعلمها فيه "انتهاء العمل بعقدي الصيانة والتوصيلات اعتبارا من تاريخ 7/31/ 2010، والايعاز الى الهيئة بابلاغ المستخدمين والعاملين فيها بشكل واضح لا لبس فيه ان مستحقاتهم مقدسة وان الوزارة لن تتردد عن اتخاذ كل التدابير اللازمة لحصول هؤلاء على اجورهم كاملة من دون أي تأخير".

وبهدف تأمين استمرارية عمل المرفق وحقوق الموظفين بعدما توقف نحاس عن تحويل الاموال الى الهيئة، لجأت الاخيرة الى طلب الحصول على سلفة مالية طارئة بقيمة 100 مليار ليرة. ورفع نحاس الامر الى مجلس الوزراء طالبا سلفتين احداها بقيمة 100 مليار وفقا لطلب "أوجيرو"، والثانية بقيمة مماثلة لتنفيذ مشروع الالياف البصرية. كما عمد الى توجيه كتاب الى الهيئة يلحظ مشروع عقد جديد باسم "اتفاق اطار" يحل محل كل العقود السابقة رفضته "أوجيرو" لكونه "يتعارض مع قانون انشائها ويخالف قرارات مجلس الوزراء"، مضيفة انه "ليس للهيئة اي صفة او صلاحية تقريرية، الامر يعود الى مجلس الوزراء".

في موازاة ذلك، طلب نحاس الى "أوجيرو" الاستمرار في مهماتها متعهداً لها بموجب كتابه رقم 753/1 تاريخ 31/07/2010 "سداد كافة المستحقات المتوجبة وكل النفقات التشغيلية الجارية بموجب فواتير شهرية ترسلها الهيئة الى الوزارة، وقامت الهيئة شهرياً، منذ حزيران 2010، باعداد تقارير النفقات الفعلية العائدة الى الأعمال موزعة حسب قطاعات الأعمال، وارسالها الى وزارة الاتصالات وفق الأصول، ووفق النموذج التحاسبي التحليلي المطلوب من الوزير، مع ارسال نسخة الى كل من ديوان المحاسبة والمفتشية العامة المالية لدى هيئة التفتيش المركزي. لكن الوزارة تمنعت منذ آب عن دفع التكاليف والنفقات التشغيلية الفعلية، مخلة بذلك بالتزاماتها الخطية حيال الهيئة المترتبة بين 1/1/2010 و31/7/2010، مما مجموعه 52,5 ملياراً، مما جعل مستحقات "أوجيرو" الاجمالية لدى الوزارة ترتفع الى 80 مليار ليرة، فضلا عن ترتب ديون للموردين بلغت نحو 18 ملياراً. وهذا الامر دفع الى استعمال الوفر لديها البالغ نحو 60 مليار ليرة لتغطية الرواتب ووضعها في حالة استدانة، عاجزة عن دفع المتوجبات عليها للغير.

ومع وصول الامر الى الحائط المسدود، كان لا بد من البحث عن مخارج قانونية تتيح دفع الاموال المترتبة في ظل عدم وجود العقود الاصلية التي تنظم العلاقة بين الوزارة والهيئة، وفي ظل عدم وجود بند في الموازنة يرعى المصالحات بعدما عمد نحاس الى الغاء بند المساهمة الخاص بالرواتب والاجور والتعويضات من القانون ودمجه ببند خاص بالمصاريف والنفقات التشغيلية والصيانة، فيما ابقاه صالحاً بالنسبة الى موظفي وزارة الاتصالات، وهو ما يعني عمليا انه يتعذر اجراء المصالحات المشار اليها. وكذلك الامر بالنسبة الى رواتب الموظفين التي تدفع قانونا بموجب بند مساهمة الرواتب الذي ينطبق على كل موظفي الملاك العام والمؤسسات والهيئات والصناديق، ضمن هيكلية الموازنة العامة. والمعلوم ان مشروعي موازنتي 2010 و2011 ألغيا هذا البند لموظفي "أوجيرو" بناء على طلب الوزير. واللافت ان الالتزام الخطي لوزير الاتصالات بـ"قدسية حقوق الموظفين" أطيح في هذه الحال، مع تعذر دفع رواتبهم. وتفيد اوساطهم انهم في حال قلقٍ كبير حيال الايفاء بهذا الالتزام في ما يخص حقوقهم ورواتبهم العائدة الى آذار الجاري.

تعويضات نهاية الخدمة؟

من هنا الى اين؟ وهل من مخارج قانونية متاحة؟

تجيب المصادر المطلعة على الملف ان وزير الاتصالات ادخل الموضوع في دائرة مقفلة لم يعد هو نفسه يملك الحلول لها، وخصوصا بعدما بلغ حد مطالبة الهيئة الانفاق من الاموال المخصصة لتعويضات نهاية الخدمة لتمويل الرواتب والاجور والنفقات الجارية. ذلك ان الهيئة لا يمكنها الاستجابة لطلبه، وهي أعلمته بكتاب ما حرفيته: "لا يوجد في حسابات الهيئة سوى أموال احتياط تعويضات نهاية الخدمة ولا يمكن هيئة "أوجيرو" تخصيص هذه الأموال من غايتها الأساسية الى غاية أخرى، حيث أن هذه الاحتياطات تشكل موجباً على الهيئة وتشبه الأمانات المتكونة لديها، ويترتب على ذلك عدم امكان استعمالها للنفقات العادية". وقد أكدت هذا الأمر هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل بموجب الاستشارة رقم 566/2010 تاريخ 16/07/2010، وكذلك ديوان المحاسبة بموجب رأيه الاستشاري رقم 24/2011 تاريخ 01/02/2011. والمعلوم ان تعويضات نهاية الخدمة تبلغ 28 مليار ليرة.

والامر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تفاقم بعد مراسلات قام بها وزير الاتصالات مع ديوان المحاسبة في فترة قياسية لا تزيد على ثلاثة ايام، اذ وجه 3 كتب تتعلق بالمخارج المتاحة في رأي الديوان، وهي بمجملها تخلص الى ضرورة العودة الى نقطة الصفر من خلال اصلاح الخطأ بإلغاء بنود في الموازنة.

ولأن الامر يتطلب التوجه الى وزيرة المال، فقد وجّه نحاس كتابا الى الحسن يطلب فيه تعديل ما سبق ان طلبه في الموازنة.

وبما أن المسار القانوني للتعديل ولإجراء عقود المصالحة يتطلب اكثر من 15 يوما، هي المدة المتبقية امام مخزون هيئة "أوجيرو"، فان الازمة مرشحة للانفجار، والانظار شاخصة الى وزير الاتصالات للخروج من المأزق الذي اقحم نفسه فيه.

تعليقات: