التظاهر مع أمهات المفقودين هو جزء من محاربة النظام الطائفي (مروان طحطح)
غداً لن يكون يوماً عاديّاً، على الأقلّ بالنسبة إلى المشاركين الجدد في تظاهرة حملة إسقاط النظام الطائفي ورموزه. هذه المرة، ستكون التظاهرة هدية للأمهات في عيدهنّ. لكن، ليس لأيّ أم، بل للتي فقدت ابناً بسبب الحروب ولا تريد أن تفقد آخر وللتي تريد منح ابنها جنسيّتها ويمنعها النظام الطائفي
هديّة صغيرة في عيدها. صغيرة على قدر طموحات أولادٍ «لاطائفيين» محكومين بالعيش في بلد طائفي أرادوا أن يهدوا أمهاتهم في يومهنّ «أحلى عيدية». لم يفكروا بقبلة ولا بوردة ولا بمبلغٍ من المال يجمعونه من «خرجيّة» تكاد لا تكفيهم، إنما فكروا بشيءٍ على «قدّ» معاناة أمهاتهم في هذا البلد، فكانت «العيدية» الأجمل بنظرهم... تظاهرة. هدية قد تبدو للبعض غريبة، وقد يتساءلون: لمَ ستكون التظاهرة «أحلى عيدية هيدي السنة لأمي»؟ وقد يجيب البعض الآخر، المشارك في تظاهرة حملة «إسقاط النظام الطائفي غداً الأحد، بأنها الأجمل لكل أمّ لا تريد أن تخسر أولادها في حرب طائفية عبثية ولكل أم خسرت في وقت سابق ولداً أو أكثر ولكل أمّ تقف الطائفية في وجه حقوقها المدنية». لهذه الأسباب، كانت الهدية تظاهرة، أو ستركّز تظاهرة حملة إسقاط النظام على عنوان مسؤولية النظام الطائفي الذي يحرم الأم من ابنها بسبب الحروب، ويحرم الابن من جنسية أمه، ويبقيه غريباً في البلد الذي يعيش فيه منذ «أكثر من عشر سنوات».
قد تكون هذه العيدية هي الأولى هذا العام، وخصوصاً في ما يتعلق بشعارَي الجنسية وضحايا الحروب (مفقودين وشهداء) اللذين يُرفعان في التظاهرة من ضمن الشعارات الرئيسية، إن لم يكونا الأساس. وتحت هذا الشعار، سوف تسير، إضافة إلى المطالبين بإسقاط النظام الطائفي وقيام دولة مدنية علمانية، جمعيات المجتمع المدني المهتمة بهذا الشأن، ومنها حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» و«لأنهم أولادي جنسيتي حق لهم» وأمهات الشهداء والمفقودين.
هكذا، بدأت ملامح مكونات الدولة المدنية تُطرح شيئاً فشيئاً في التظاهرة التي بدأت بعناوين عريضة. فما الذي تغيّر؟ تشير الناشطة في الحملة ميادة عبد الله إلى أننا «قررنا هذا التغيير لأننا أردنا أن نهدي الأمهات في العيد الذي يصادف بعد يوم من تظاهرتنا بعض ما يهمّهنّ، كما أننا علمنا أنه في اليوم نفسه للتظاهرة، كان من المقرر أن تقوم أمّهات الشهداء بتحرك مماثل، لذلك قررنا أن نمشي معاً». وتلفت عبد الله إلى أنّ «التظاهر مع أمهات المفقودين هو جزء من محاربة النظام الطائفي ورموزه، كما أن طرح شعارات مثل الجنسية هو طرح لمطلب يمثّل جزءاً من قيام الدولة المدنية العادلة». يكمل أحد المشاركين في الحملة رباح شحرور ما كانت قد بدأته عبد الله، فيقول: «إسقاط النظام الطائفي يفترض إعادة تنظيم الحقوق على أساس قيام دولة مدنية، ومنها إعطاء المرأة حقوقها الطبيعية ومساواتها مع الرجل في هذه الحقوق».
«خطوة إيجابية»، تقول منسّقة حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» رلى المصري. ولعل الإيجابية التي تتضمنها هي «أنّ الأمهات المتزوجات بأجنبي أحوج ما يكنّ إلى تظاهرة من هذا النوع».
تضيف الشابة إن التركيز الأساسي سيكون على الساحة السياسية ومواكبة المحطات الأساسية على هذا الصعيد بطرق عدّة، قد يكون منها «التحركات أو إصدار البيانات أو حلقات النقاش». يتدخل مدير البرامج في مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي عمر طرابلسي للحديث عن الخطة المستقبلية التالية للتحركات. ويشير إلى أن «تعزيز التحالفات بين المعنيين بتلك العناوين والتكتل بعضنا مع بعض لتوسيع بيكار المطالبة هو الجزء الآخر للمشاركة في التحركات والجزء الأساس في الخطة المستقبلية». ويعلّق طرابلسي على أن «الجنسية وغيرها من العناوين هي جزء من معركة الدولة المدنية». ولما «الدولة المدنية ما بتركب لما يكون عنا طوائف»، كانت مشاركة حملات الجنسية في تظاهرة يوم غدٍ التي تشارك فيها أيضاً حملة «لأنهم أولادي جنسيتي حق لهم». وفي هذا الإطار، تشير رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية والمجلس النسائي اللبناني ليندا مطر إلى «أن الكل موجود في التظاهرة، وستكون شعارات الحملة هي شعاراتنا».
ثمة آخريات سيشاركن في هذه التظاهرة، وهنّ أمهات شهداء الحروب الكثيرة في لبنان، الكبيرة منها والصغيرة، وأمهات المفقودين المعلقة مصائرهم بإتمام المصالحات ... والمصارحات.
عدا عن كل هؤلاء الذين مسّهم النظام الطائفي في الصميم، سيكون هناك من يجد «في الدولة المدنية مكاناً لأحلامه وطموحاته وما تسعى إليه هذه الدولة من إقامة قانون مدني للأحوال الشخصية وقانون انتخابات قائم على مبدأ النسبية خارج القيد الطائفي»، كما يشير بيان الحملة لتظاهرة الغد. لذا، سيكون هناك «العامل والمدرّس والمسرحي والسائق والمحامي والفنان». لكن، ثمة ما يدعو إلى التساؤل هنا، فإن كان المطلوب من التظاهرة تلك إسقاط نظام طائفي وقيام دولة مدنية، مع ما تتضمنه من فروع، فما الذي يدعو إلى سير البعض خارج السرب؟ ولمَ يحاول هذا البعض أن يقيم مراسم خاصة للمطالب نفسها، كما حصل في بعض التحركات؟ هنا، تشير عبد الله إلى أن «كل ما يجري خارج توقيت التظاهرات، التي تنظمها حملة إسقاط النظام الطائفي ورموزه، تدعمه الحملة ولا تجد فيه خرقاً».
وبالعودة إلى تظاهرة غدٍ التي تحمل عنوان «نعم لإسقاط النظام الطائفي»، تجدر الإشارة إلى أن التجمع سيكون في ساحة ساسين ـــــ الأشرفية، على أن تنطلق المسيرة الثانية عشرة ظهراً من الساحة إلى حيث خيمة الحملة أمام مبنى وزارة الداخلية والبلديات. ومن المفترض أن يمرّ المطالبون بإسقاط النظام الطائفي ورموزه في محطات عدة كانت هي الأساس في الحرب اللبنانية، إما ساحات حرب أو خطوط تماس بين «شرقية» و«غربية» في ذلك الحين. ومن هذه المناطق كركول الدروز والظريف والبسطة ... يذكر أنّ التظاهرة ستنتهي أمام «الداخلية»، ولن يكون هناك لقاءات مع أحد في الوزارة، أقله إلى الآن.
وتحت شعار إسقاط النظام الطائفي، شهدت أمس مدينة بعلبك (رامح حمية) التحرك الميداني الأول الذي ستليه «تحركات أسبوعية وخيم اعتصامية سلمية، ستتموضع عند مرجة رأس العين». وانطلقت المسيرة باتجاه خيم مرجة رأس العين، حيث ردد المتظاهرون «يا للعار يا للعار ليتر المازوت بدولار... قوم تحرك يا شعبي خلّي هالنظام ينهار ... إذا ضلّيتك ساكت رح يركّبوك ع الحمار، ثورة ثورة شعبية ضدك يا طائفية».
من جهة ثانية، نظّم طلاب كلية العلوم ـــــ فرع النبطية في الجامعة اللبنانية، اعتصاماً من أجل «إسقاط النظام الطائفي» في باحة الكلية، بدعوة من اللجان الطلابية في الكلية.
تعليقات: