«تراس» الإعلاميين يستعيد ما كان عليه
قبل الحرب (آمال خليل)
لا تعرف زينة (10 سنوات) عن استراحة صور إلا أنها مكان «لتمضية أوقات ممتعة والسباحة في البيسين واللعب واللهو» في العطلة الصيفية. الاستراحة أصلاً ليست «مفتوحة» لشيء آخر غير الراحة والترفيه والمناسبات السعيدة لذوي الدخل غير المحدود، إضافة إلى استقبال النزلاء في الفندق واستضافة بعض الأحداث والنشاطات المحلية والدولية.
ما لا تعرفه زينة، وما لا يبدو على المكان الآن، أن الاستراحة ذاتها، كانت جزءاً لا يتجزّأ من يوميات العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، ابتداءً من نهاية الأسبوع الأول بعدما أصبحت المكان الآمن الوحيد في المنطقة مؤدية دوراً جديداً عليها لم تعهده «شاليهاتها وتراسها ومسابحها».
فقد تحوّلت صالة المطعم في الاستراحة إلى مقرّ لاستقبال النازحين الذين لا يملكون قيمة استئجار شقة في المناطق الآمنة أو أجرة الطريق للانتقال إليها.
أما الأبرز، فكان استقبال الاستراحة منذ الأسبوع الأول للعدوان البعثات الإعلامية والعاملين في الهيئات الدولية كـ«الصليب الأحمر الدولي» وعائلات موظفي وجنود «اليونيفيل» والرعايا الأجانب واللبنانيين من حملة الجنسيات الأخرى. يوضح مدير الاستراحة عماد قانصوه أن «العامل الذي حوّل الاستراحة تدريجاً إلى المكان الأكثر أماناً في مناطق الجنوب المستهدفة هو لجوء قيادات اليونيفيل وموظفيها إليها، إضافة إلى دعوة السفارات الأجنبية رعاياها إلى التوجّه إلى الاستراحة لنقلهم برّاً منها إلى مرفأ صور حيث كانوا يغادرون بالبواخر إلى بلادهم، فضلاً عن تمركز مراسلي الوكالات الأجنبية «غير المعادية» لإسرائيل فيها مثل «سي أن أن» و «رويترز» و«بي بي سي».
ويشير قانصوه إلى أن الاستراحة في الاعتداءات السابقة «كانت تقفل أبوابها كغيرها من المؤسسات ريثما ينتهي العدوان، إلا أن ضراوة القصف هذه المرة وقطع الطرقات والمنع الصارم للتجوّل الذي فرض حصاراً خانقاً، أجبرت الجميع على التحصّن فيها، ولا سيما الإعلاميون (نحو 300 وسيلة إعلامية) الذين كانوا يتابعون بشكل حي سير المعارك في وقوفهم على الترّاس المطل على الساحل الجنوبي، وصولاً إلى رأس الناقورة».
وقد برهن عدد من مراسلي صور، بشهادة المعنيين، عن براعة وديناميكية لمعرفتهم الدقيقة بالمنطقة، خلافاً للإعلاميين العرب والأجانب الذين اعتمدوا عليهم بشكل أساسي. وأثمر عملهم خلال العدوان نقلاً لحقيقة الخبر والصورة في أرضهم، وبعده فرصاً مهنية طوّرت تجربة بعضهم.
ويرى مراسل محطتي «أن بي أن» و«أوربت» الزميل بلال أشمر أن تجربة مراسلي منطقة صور كانت الأصعب في الاستراحة من بين العشرات من مناطق وأوطان مختلفة. «كابن المنطقة، كانت الوقفة على «الترّاس» الآمن أثناء قصف قرانا وقرى أقربائنا وأصدقائنا أمامنا قاسية جداً. كنا مشلولين ونشعر بالعجز عن المساعدة، وخصوصاً بعد أن منعنا من التجوّل». ويسترجع يوم حصول مجزرة بلدته الحلوسية في قضاء صور، فيقول إنه شاهد الغارة من الاستراحة وحدّد مكانها، لكنه لم يستطع الوصول مع الإعلاميين والدفاع المدني لنقل الصورة وانتشال الجثث حتى في يوم الهدنة بسبب تراكم الردم «وهذا ما كان يزيد من غصتنا لأننا محكومون بالمشاهدة فقط، فيما يعتدى على أرضنا وبيوتنا».
أما بالنسبة إلى مراسل «السفير» و«نيو تي في» الزميل حسين سعد، فقد غيّر العدوان ايجاباً في مهنته، إذ أطلّ تلفزيونياً للمرة الأولى على الهواء مباشرة عبر محطة «نيو تي في» بالرغم من أنها تغطيته الثالثة لعدوان إسرائيلي شامل على الجنوب. لكن فرحة سعد لم تطل كثيراً، بعد اضطراره إلى الإعلان بنفسه نبأ استشهاد أقارب له وأحباء ورفاق سقطوا في صفوف المقاومة أو في المجازر، من دون أن يتمكّن من الوصول إلى مكان استشهادهم في صريفا وعيناتا وبنت جبيل.
عادت الاستراحة إلى سابق عهدها بعيد انتهاء العدوان ورفع آثار النزوح والبؤس عنها. استعادت أفراحها ومناسباتها وحفلاتها، إلا أن كثيرين من أبناء المنطقة، نازحين وإعلاميين، تركوا فيها أشياء من اللحظات السود، يستعيدونها إذا دخلوا إليها أو مروا بجوارها أو سمعوا بذكرها.
تعليقات: