آلاف المولّدات الكهربائية تساهم بـ ثلث الطاقة المستهلكة في لبنان
آلاف المولّدات الكهربائية تساهم بـ 33% من الطاقة المستهلكة
وتنشر مواد سامّة تؤثّر على الإنسان والمناخ وطبقة الأوزون !
تنتشر في لبنان عشرات آلاف المولدات الكهربائية من دون أن تملك أي جهة رسمية إحصاء يحدّد عددها، وكيف يمكن إحصاؤها إذا كان أصحابها لا يحتاجون إلى رخص لتشغيلها؟ ومع تعذّر إحصاء العدد، يتعذّر كذلك تحديد حجم الكلفة البيئية التي يسبّبها هذا القطاع رغم تأكيد المعنيّين بأنه مرتفع.
وندور مجدداً في دوّامة يغيب عنها الحلّ، فإذا كانت الدولة عاجزة عن توفير الكهرباء بمعدّل 24/24 ساعة يومياً، لا يمكن تالياً لوم أصحاب المولّدات على اقتنائها وتشغيلها. ومن جهة أخرى، لا يمكن إلقاء كلّ اللوم على الدولة ما دام معظم أصحاب المولّدات لا يلتزمون المعايير البيئية في استخدامهم المولدات. وهكذا انتقلنا في مشكلة المولدات كغيرها من المشكلات التي نقاربها بيئياً، من "هالك لمالك لقبّاض الأرواح".
في محاولة للبحث عن رقم يحدد حجم الملوّثات الناجمة عن مولدات الكهرباء، التقت "النهار" مدير مشروع تغيّر المناخ في وزارة البيئة فاهاكن كاباكيان الذي استبق الحديث عن حجم الملوّثات بالإشارة "إلى نسبة الطاقة المستهلكة والناجمة عن مولدات الكهرباء والتي تقدّر بـ23% أو 25 أو حتى 33. فإذا سلّمنا جدلاً بأننا نستخدم ألفي ميغاواط فإن 25 أو 33% منها ناجم عن المولدات، وإذا قمنا بمقارنة عاجلة، يمكننا القول بطريقة غير علمية أن مولدات الكهرباء تساهم بنحو 33% من مجمل الملوثات الناجمة عن قطاع الطاقة، علماً أن المولدات تلوّث أكثر بكثير من المصانع الحرارية".
واشار الى: "أننا قمنا بدراسة للواقع القائم على نسبة 33% التي تنتجها المولدات، المضافة إلى النسب الأخرى المنتجة من المصانع والمستوردة من سوريا، فوجدنا أن هذا الوضع هو الأكثر تلويثاً مقارنة بما إذا كانت الدولة تنتج الكهرباء بمعدل 24/24 ساعة أو تقوم باستيرادها. وهذا يعني، أن حجم الملوثات الناجمة عن المولدات هي أكبر بكثير من تلك الناتجة من المصانع". ونفى أن تكون نسبة الملوثات معروفة، نظراً إلى أن "عدد المولّدات غير معروف".
ولفت كاباكيان إلى أن أنواع الملوّثات التي تنتجها المولدات "تزداد أو تنخفض حدّتها وفق نوع الوقود المستخدم في تشغيلها، فتخرج منها مواد سامة وملوّثة كالكبريت وثاني أوكسيد الكربون وجزئيات صغيرة إضافة الى الكربون الأسود وغيره، وهي تؤثر على الجهاز التنفسي إلى جانب تأثيرها المعروف على تغيّر المناخ وطبقة الأوزون".
سبل الحدّ من المشكلة
رغم صعوبتها، لا تبدو المشكلة مستعصية عن الحلّ إذا ما وجدت الإرادة وتضافرت الجهود. فالحلّ وفق كاباكيان يكمن أولاً "في أن توفّر الدولة الكهرباء 24/24 ساعة، مما يساعد في حصر الإنبعاثات بالمصانع من دون انتشارها في شوارع وأحياء عدّة، ويتوقف ذلك على أعداد المصانع الحرارية في البلاد".
وفي حال عجز الدولة عن توفير الكهرباء منفردة لفت الى أنه "لا مفرّ من استخدام المولدات. وفي هذه الحال، على أصحابها وضع مدخنة للمولد يتخطى ارتفاعها المبنى بحدود المتر على الأقلّ، ويتم تجهيزها لمقاومة ضغط الهواء وقوّته. كذلك يمكن استخدام مازوت أنظف، مما يساعد في تخفيف حدّة الإنبعاثات مع الاهتمام بصيانة المولّد من فترة إلى أخرى".
وعما إذا كانت ثمّة قوانين تلزم أصحاب المولدات التدابير المذكورة، اشار الى أن "عدداً كبيراً من الشكاوى يقدم الى مصلحة البيئة السكنية في وزارة البيئة لانزعاجهم من مولدات الكهرباء بسبب ضجيجها أو دخانها، فتتدخل المصلحة لتفرض على اصحابها اتخاذ تدابير معيّنة. لكن المشكلة تكمن في أن الوزارة لا تتحرك من دون شكوى لأنها لا تعرف عدد المولدات، وخصوصاً أن صاحبه لا يستحصل على رخصة له، علماً ان وزير الطاقة حاول تنظيم القطاع لكنهم لم يتجاوبوا معه".
وختم كاباكيان: "الوضع سيئ وعلى الدولة توفير حاجتنا من الطاقة، وفي حال تعذرها فالإستيراد أفضل من اللجوء إلى المولدات، وإذا وفّرتها الدولة بمفردها أو عبر استيرادها، سيحصل المواطن على الكهرباء بكلفة أقل ووضع صحي أفضل، لذا من المستحسن أن تلغى المولدات".
مقاربة الوضع العام
من جهته، أوضح المدير العام المساعد في شركة كهرباء زحلة أسعد نكد، أن "قدرة المولدات التي تعمل على تغذية المواطنين لدى انقطاع التيار الكهربائي تبلغ نحو 800 ميغاواط، وثمّة الآلاف من المولدات المنتشرة عشوائياً من دون رقابة، وانبعاثات غازاتها الملوثة وضجيجها يتخطى كل المعايير. لذا، على الوزارات المعنية وضع برنامج يلزم أصحاب المولدات تجهيزها بكاتم للصوت، وأجهزة تنقية لتخفيف الإنبعاثات إلى جانب وضعها في أماكن مناسبة".
وأوضح أن قلّة من أصحاب المولدات يلتزمون المعايير البيئية، فمعظمهم لا يهتمون إذا كان المولد يصدر ضجيجاً أو يسبّب تلوثاً بيئياً أو حتى إذا كان التيار يصل إلى المواطنين بنوعية جيدة، بل بما يجبونه منهم في نهاية الشهر".
وأكّد ضرورة إلزام أصحاب المولدات "معايير صادرة عن هيئات رسمية وإدارية وملاحقة تنفيذها تحت طائلة المسؤولية. وللخروج بحلّ للتلوث الناجم عن هذه المولدات لا بدّ من إنشاء مصانع توليد رئيسية في كل المناطق فتوفّر التغذية الكهربائية بمعدل 24/24 بتيار مستقر، مع مراعاة كل نظم الجودة من الناحيتين الفنية والبيئية".
وأوضح أن "انتشار هذه الكمية من المولّدات الخاصة يشكل وضعاً استثنائياً سببه غياب التغذية عن الشبكة الوطنية والتقنين القاسي الذي يرزح تحته المواطن، وهذا وضع غير سليم وغير صحّي، سيؤدي إلى انعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادي عموماً وصحّة المواطن خصوصاً. فمن غير المقبول ألا يلبّي الإنتاج الكهربائي العائد إلى مؤسسة كهرباء لبنان حتى 50% من الطلب على الطاقة، إذ تبلغ القدرة القصوى التي يمكن إنتاجها حالياً نحو 1500 ميغاواط في الوقت الذي يتجاوز فيه الطلب الـ3 آلاف".
وكشف نكد عن أنه "قدم مشروعاً لبناء مصنع لإنتاج الكهرباء في البقاع الأوسط، مشيراً إلى انه "الحلّ الأنسب لأنه لن يكلّف الدولة أيّ عبء مادي بالإضافة إلى أن فترة تنفيذه لا تتعدى الـ15 شهراً، ويمكن أن يوفر الطاقة 24/24 بتيار منتظم ووفق المواصفات العالمية ومعايير البنك الدولي وشروط وزارة البيئة". وعدّد منافع المشروع، لافتاً إلى أنه "يؤمن تغذية كهربائية منتظمة وبجودة عالية كلّ أيام السنة من دون توقّف ويساهم في تنمية الاقتصاد في البقاع الأوسط، إذ إن أصحاب المشاريع الصناعيـة والزراعيـة الكبيرة سيكون لهم حـافز الاستثمار في المنطقة إذا ما توافر لهم التيار الكهربائي بشكل دائم".
ولفت إلى، المواطن يسدّد عبر هذا المشروع "فاتورة كهرباء واحدة عوضاً عن أربع، الأولى لشركة الكهرباء، والثانية لأصحاب المولدات الخاصة، والثالثة لتصليح المعدات المنزلية التي تعطلت نتيجة عدم جودة التيار والرابعة لتسديد عجز الدين العام. وسيوفّر أيضاً فاتورة كهرباء أقل بنحو 30% مما يدفعه حالياً، إلى جانب حصوله على تيّار كهربائي منتظم".
وختم نكد: "من شأن إنشاء مصنع لتوليد الكهرباء بالقدرة المذكورة أن يخفف العبء عن كاهل مؤسسة كهرباء لبنان، فيصبح في إمكانها توزيع قدرة إضافية على مناطق أخرى وتخفيف أوقات التقنين، مما يرتب أيضاً خفضاً في معدّل الخسارة المادية التي تتكبدها".
تعليقات: