.. المراقب لما يجري من أحداث وتغيرات في المنطقة العربية, وما تشهده من ثورات شعبية وانتفاضات انقلابية على الأنظمة السائدة, يدرك أنَّ واقعاً جديداً سيفرض نفسه على تلك المنطقة وسينتج أشكالاً مختلفة من الحكم والسلطة تبتعد كثيراً عمّا هو سائد وثابت لسنين طويلة.
وقد بات واضحاً أمام التضحيات التي يقدّمها الشعب, وفي ظل حالة الإصرار والصمود والتحدّي أنَّ إمكانية التعايش مع أنظمة القمع وكمّ الأفواه لم تعد مطروحة أبداً, وأنَّ هذه الثورات ستتنامى بشكل كبير وتتوزع في أكثر من اتجاه, مدفوعة بالغضب العارم من السياسات القاتلة التي اعتمدتها الأنظمة الهشّة فترة حكمها الطويل, وفي ظلّ إدارتها المفروضة بالترهيب والوعيد .
إذن فبوصلة الشعوب باتجاه واحد, وشعارها واحد الا وهو الرحيل والسقوط, والمطالبة بالديموقراطية الشعبية التي تعبّر عن رؤيتها وموقفها في انتاج السلطة الحاكمة, وفي تحديد شكل ومضمون النظام القادم.
وإلى أن تصل هذه الأحداث إلى خواتيمها, وما سيليها من قراءة معمّقة لنتائجها ومترتباتها, يبقى الفكر متنبّهاً والقلم مستنفراً, ويبقى بالإمكان أن نطلّ على الساحة اللبنانية المتمايزة عن أخواتها من الساحات العربية, والتي يمكن للمتتبّع لأحداثها وتفاصيلها أن يجزم بابتعادها عن دائرة المكان والزمان التي يحتلّها العالم هذه الفترة, فبينما تسعى الشعوب إلى نيل الحرّية مؤكّدة حضورها الدائم في السّاحات هاتفة بالنداء, ملبية بالدماء لصبحها الجديد, نجد الشعب اللبناني في حالة سكات وترّقب ملتزماً أوامر زعمائه, خاضعا لإرادتهم وإملاءاتهم, مفوضاً لهم التفكير والتقدير والتقرير !..
اللّهم إلّا ما شهدناه مؤخّراً من حراك جديد تمثّل بتظاهرات شبابية رفعت شعارات إلغاء الطائفية, والمطالبة بدولة مدنية علمانية, والعجب العجاب أنّ الكثير ممن نظّموا وشاركوا في هذه التظاهرات ينتمون إلى تيّارات وأحزاب تشكّل بمجموعها البنية الأساسية والمكوّن الرئيسي للنظام الطائفي في لبنان.
وبعيداً عن هذه اللوحة اللامستهجنة في بلد كلبنان, حيث يحمل المواطن ضدّه ونقيضه, نتطلّع إلى الواقع المتردّي اقتصادياً وسياسياً في الداخل, نتيجة الأزمة الحكومية المعقّدة والتأزّم الحاصل في ظلِّ منطق المحاصصة وتقاسم الجبنة وتفصيل الأطقم على مقاسات متعدّدة, وفي ظلِّ استخفاف متعمّد بكرامات المواطنين ومطالبهم, إذ كيف يمكن أن يُبرّر هذا التعطيل وكيف يمكن للبنانيّ أن يمضغه ويبتلعه؟ وقد أصبح خبيراً بأزقّة السياسة المحلية و بالسياسيين الزقاقيين !..
يتطلّع الكثيرون من الحالمين بدولة الإنسان والقانون في لبنان إلى موقع يحتلّه هذا البلد الصغير في دائرة الحدث, وإلى مساحة زمانية يشغلها, تحمله إلى واقع جديد على إيقاع التحوّلات الكبرى وتضعه على خارطة الشّرق الجديد ..
الشيخ محمد أسعد قانصو
Cheikh_kanso@hotmail.com
تعليقات: